TOP

جريدة المدى > عام > خضير الزيدي: الكاتب هو صانع الأسئلة التي لا تخطر على بال القارئ

خضير الزيدي: الكاتب هو صانع الأسئلة التي لا تخطر على بال القارئ

نشر في: 15 يناير, 2024: 11:59 م

يرى أن كتاباته ترتبط بسياق تأريخ الفوضى السياسية والاجتماعية بشكل مباشر

حاوره علاء المفرجي

- 2 -

اثار الروائي خضير الزيدي الكثير من الجدل من قبل القراء والنقاد على السواء بسبب طبيعة وأسلوب الكتابة الذي عرف به/وهو ما زال متواصلا في الكتابة، وكان أخر عمل روائي له هو (بنات غائب طعمة فرمان).

وخضير فليح الزيدي قاص وروائي وباحث عراقي، من مواليد بغداد 1958، مهتم بالكتابة السردية منذ 25 سنة بين الرواية، وكتابة القصة، وسرد غير مجنس. بدأ الكتابة منذ سنة 1981 تقريبا وما يزال مستمرًا في النهج الروائي والقصصي. يعمل في التدريس في مجال الفنون المسرحية، ومتواصل في الحضور الثقافي العام. في البداية تأثر بألبرتو مورافيا ثم بنظريات سيجموند فرويد وتلامذته، كما جعلته أطاريح الدكتور علي الوردي في فترة مبكرة يميل إلى الكتابة النثرية أكثر من الشعر.

تحاوره (المدى) عن تجربته في الكتابة:

قضية اليهود في العراق، كانت موضوعا للعديد من الأعمال الروائية العراقية، لكنها في هذه الأعمال تم تناولها بشكل مجتزئ، ارتبط في سلوك حياتهم والحكايات المتضاربة عن تسفيرهم، والحكايات المتداولة عن ذلك. لكنك في رواية (أطلس عزران البغدادي) –وكما أرى-قد وضعت هذه القضية في سياقها الصحيح، بوصفها جزءا مهما من تاريخ العراق المعاصر. ماذا تقول عن ذلك؟

* للأسف تحوّل الحديث في مرحلة ما بعد 2015 عن طيف من ألوان المجتمع العراقي إلى تابو محرّم على الكاتب الخوض فيه وهو يرزح بين غابة بنادق الداخل العراقي الملتبس. كي لا يتّهم بالانحياز أو تمجيد غنائي إلى طائفة كانت بين ظهرانينا في الأمس. كما حدث لبعض الكتّاب ومنهم الروائي الشهيد علاء مشذوب وتوفيق التميمي وغيرهم. اليهود العراقيون هم أصل التعايش والمدنية والتدبير الاقتصادي في النصف الأول من القرن العشرين. الباحث العربي "حنّا بطاطو" في جدولة القسم الثاني من كتابه العراق المُعاصر يذكر أنَّ الصف المدرسي كان ثلثُ تلامذته من الطائفة اليهودية، ذلك يجعلنا النظر والتروي إلى عمق النسيج البغدادي وكيف آلَ مصيره لتمزيق هويته الأولى وتزييفها بأخرى محليّة مصطنعة، هذا ما يسمّى بالأدبيات بالهويات القاتلة الصاعدة بقوة وكما حصل في عراق 2006- 2008.

بعض السرديات العراقية ذهبت إلى التغنّي والإنشاد بمجد الطائفة بصيغة غير واعية للنظر إلى زاوية ما يحصل وبعضهم ابتعد عمّا يحدث، بينما ذهبتُ في رواية" أطلس عزران البغدادي" إلى ملاحقة مصير محتوم إلى آخر يهودي عراقي هرب في عام 2004 خارج العراق إلى الأردن كان يدعى افتراضا "رغيد خرّام ألياس" الذي عمل كل ما يلزم عمله للبقاء في محلّته البغدادية، لكنّه لم يستطع فهرب متأسفا إلى الأردن ثم لندن.

في (فندق كويستان) وقفت بموضوعك عند أهم وأخطر ما تميزت به السنوات العشرون الأخيرة، وأعني هنا حرب الطوائف، وهي الميزة التي لونت كل تفاصيل هذه الأعوام، بل أنّك أثرت أسئلة جريئة عن هذا الأمر. هل ترى أن ذلك من مهمة السارد، في احترامه للوثيقة؟

* بالنسبة لي أنا افهم الرواية بأنها الفصول الحقيقية من تاريخ كل مرحلة. إذا ما اختفت لأمر ما كل الوثائق عمّا حصل في صفحة الاحتراب الطائفي ستبقى وحدها الرواية الشاهد الحقيقي ومن خلال الحكاية ومركزبّتها كأرشيف غير قابل للدحض والانتقاص. هنا أقصد بالرواية ذات المشروع الحقيقي لمهمة الكاتب في التعامل مع التاريخ. كل وثيقة محفوظة عن زمن الحرب الأهلية العراقية زائفة لأنها تمثّل وجهة نظر صانعها، إلاّ الرواية، لأنَّ كاتبها يفترض به ينظر من زاوية فوق مستوى الأحداث ككاميرا الفضاء.

الكاتب هو صانع الأسئلة التي لا تخطر على بال القارئ. أسئلة فيها من عمق الفلسفة الديكارتية، لكنها بمنطق واقعي/ حياتي غير ميتافيزيقي. أجدُ أنَّ مهمة الروائي مثل صحفي جوّال غير منتمٍ إلى صحيفة بعينها. صحيفته يصنعها هو لنفسه ومصور الصحيفة ومحرر أخبارها ورئيس تحريرها وممولها هو ذاته. إنّها المهمة العسيرة لكنها اللذيذة في الوقت ذاته.

من السهل مع هذا الانفتاح المهول على التلقّي السهل على كل الأخبار والوثائق، أن تجذب القارئ إلى مساحة بِكر وخام في قول وفلسفة وتنظير يهم القارئ. الانفتاح الذي عقّد من مهمة "القولتية السردية" والفنيّة الجديدة في سرد مكتشف، والحياة هي أصلا كتاب مفتوح. كانت إذاعة البي بي سي فقط مصدر الأخبار والنافذة الوحيدة على تحولات وانقلاب وحروب نسمع ونتخيل ونفلسف وننقل الأحداث إلى روّاد المقهى بكل سلاسة وهم صاغون منصتين. كيف نقنع قارئ اليوم بمنطق جديد. المهمّة جدَّ عسيرة، لكنها مع كل هذا التعقيد فيها لذّة الاكتشاف للصنعة المبتكرة في الرواية.

قلت مرة عن رواية العمة زهاوي أنها "قامت على فكرة درامية مأخوذة من ثيمة وصيّة تحملُ في بطونها دراما شيّقة للمسار الروائي الحديث". هل هذه يعني أسلوبك في السرد؟

* ليس هذا فقط. إنَّ روايات الحداثة تفترض المنحى المُستحدث في الاستدعاء للموتى "الأعلام" من المجتمع. زهاء حديد العنوان الكبير في العالم على مستوى واسع لا يعرفها إلاّ القلّة في مجتمعنا، لا تتعدّى معرفتها من كونها معمارية مبدعة فقط. أنْ تستحضر روحها في فن الرواية ومن خلال سيرة افتراضية عن وصيّة متخيلة أو لنقل حقيقية، ذلك الطعم الجديد في رواية الحداثة. والرواية كما تعلم فازت بالقائمة الطويلة لجائزة عربية وغازت بجائزة الإبداع العراقية لعام 2021. وهي على مستويات بنية سردية متعدّدة. فيها الاشتغال على التخييل التاريخي لبناء جنّة عراقية من تصميم العمّة زهاوي تحاكي جنّة الله في السماوات البعيدة كل البعد عن المتخيّل، سوى المرويات العقائدية والنصوص المقدّسة، الأمر الذي جعل الراوي في الرواية أن يبتكر طريقة مثلى للمحاكاة على الطريقة الأرسطية. فيما كان المنطلق المُبرّر هو الوصية التي تركتها خلفها بعد وفاتها في ميامي لكن تمَّ التلاعب بنص الوصيّة.

ففي رواية " عمّتي زهاوي" نقف على خيط درامي رابط لكل أحداث الرواية من مشروع الجنّة الأرضية وتنفيذه في صحراء الرمادي حتى الهجوم على مبنى الجنّة واحتلاله بوصفه واحة عامة هي من ملك لجميع ما في كوكب الأرض من البشر. فيها تطويع للواقعي اليومي وتغريبه بطريقة برشتيّة وجعله مطواعا ومنسجما مع فكرة التخييل في مراحل بناء بناء ومعمارية سائلة إلى مبنى الجنّة. إذ كانت الوصيّة مجرد مثابة "حجر أساس" في هرميّة البناء السردي المتعاقب وليس المتتالي.

روايتك (بنات غائب طعمة فرمان) مبنيّة على فكرة استحضار فرمان إلى أمكنته الأولى في بغداد، ما الذي وددت قوله في هذا المجال.؟

* الاشتغال الفنّي في رواية "بنات غائب طعمة فرمان" الأمر مختلف جدا. هذه الرواية تحديدا كانت نزهة أحلام يقظة تتخلّلها كوابيس مفزعة. جرى العمل في بنيتها السردية لأربعة أعوام من العمل على فكرة "استحضار أرواح الموتى" ليس على طريقة الاستحضار السحري السائدة في المرويّات الشعبية والعقائدية، إنّما عن طريق المحاكاة. الرواية الجديدة قامت على هدم الأسوار بين فكرة التخييل والواقع. كان لزاما عليّ على ابتكار طريقة جديدة في تمويه لذيذ للقارئ بين ما هو حصل فعلا في الحياة وبين ما هو تخييل من صنع الكاتب، ربّما نجحت أو خسرت الرهان، فالأمر حتما متروك تقديره إلى القارئ الحاذق. هنا كان الرهان على ماهيّة القراءة الواعية وصناعة خطاب روائي قائم على احترام عقل القارئ.

الرواية تبشّر بخير من حيث تلقّي جمهرة القراء المحدودة لغاية هذه الساعة، أما المتبقّي فهو من خاصية تراكم أراء القرّاء مستقبلا.

قائمة على سؤال مركزي. يفتح الباب واسعا على جوهر قضية الاستدعاء: فماذا لو عاد "غائب طعمة فرمان" إلى بغداد؟ الكاتب العراقيّ الّذي رحلَ عن الدّنيا سنة 1990 بعد غربةٍ مُرّة. فمن رصافة بغداد ونكهة البساطة الطاغية في رواياته والحرب الخفيّة ضدّ الفَقد والحنين، وبها شيّد فرمان عوالمه الحكائيّة. وها هو يعود إليها باحثًا عنها وعن ذاته المفقودة. استدعيته في رواية "بنات غائب طعمة فرمان"، فإذا هو الحاضر الّذي لم يغب، وإذا بغداد المشحونة بكلّ دلالاتها الحضاريّة والثّقافيّة والسّياسيّة والتّاريخيّة الغائبةُ الحقيقيّة، فلا الأمكنة هي الأمكنة ولا الأزمنة هي الأزمنة، حتّى شخصيّاته الّتي ابتكرها لتؤثّث عوالمه الرّوائيّة. إذن هي رحلة تيهٍ وضياعٍ وهي تطاردُ ظلال الأشياء وتتقلّب تقلّبَ المكتوي بجمرِ التّفاهة والموت المعمّم واللاّ جدوى من كلّ شيء.

كلّ شيء في "بنات غائب طعمة فرمان"، مسكون بشبح المعنى، وما شخصيّات الرواية سوى أقنعةٍ عن الوجود المعاصر الّذي بات مسخًا من المسوخ وعجبًا عجابًا، فلا بنات لغائب طعمة فرمان خارج عالم الشوق والممكن، ولا بغداد بغداد. أمّا ما تسكن إليه النّفس سكون اليقين بعد قراءة هذه الرّواية فهو إدانة المشهد برمّته.

على هذه الفكرة كانت صورة أخرى لبغداد الجديدة بعد كلِّ ما جرى لها من دمار وفوضى تغلّبت على صورة أخرى في روايات الراحل فرمان. إذن هي مقارنة بين صورتين لا أكثر. بين عالمين والمكان واحد لكن الزمن عبث وصاغ للفوضى معنى جديد. وأنا المغرم المتيّم في أدب فرمان وسيرة ارتحاله ومنفى الثلج الذي عاش طورا عظيما من حياته فيه.

بغداد في العديد من روايات غائب طعمة فرمان ابتداءً من (النخلة والجيران) وما تلاها، وبغداد خضير فليّح الزيدي، كيف ترى الفرق؟

* الفرق الوحيد في المسافة الزمنيّة فقط. الزمن هو المتغيّر الوحيد والأمكنة ثابتة. تلك المعادلة في ثنائية متحركة غير متساوية. بغداد كمكان أدبي جاذب، لكن الزمن هو الغول المخيف الذي يعبث ليثير غبار الفوضى والدمار. الزمن يخيط بيديه صفحات التاريخ. يزيّف كلّما استدعت الضرورة لقول ما لا يقال. هناك "بغدادن" بين عالم فرمان وعالمي بمسافة زمن تمتد إلى خمسين عاما. لكل بغداد منهما نكهة وتاريخ وحدود وسلطة متجبّرة وعيون تراقب الكاتبين. هذا الافتراض الفلسفي لرواية "النخلة والجيران و"بنات فرمان". تحضر – بكلّ قوّة – شخصيّاته: "سليمة الخبّازة وأسّومة العرجاء وحمّادي العربنجي ومصطفى" وهنَّ شخصيّات منتقاة بدقّة من النخلة والجيران ليقابلهما في رواية البنات "المحامي جبر الشوك وهاني بارت ودلال قمر الرصافة " في مقر افتراضي لمحاكمة الكاتبين فرمان والزيدي على ما اقترفاه من ذنوب لسجن الشخصيات وتحنيطها في داخل المتون، بينما الشهود هم الشخوص أنفسهم.

المكان في رواياتك غير مُحدّد الملامح، لكنّك تتعمّد بإشارات واضحة لا تجهد فيها المتلقي، في معرفته. كما في روايتك (ذيل النجمة). فهل في ذلك ليشاركك المتلقي رحلة البحث عن المكان ومعرفته، أم تراه إشارة إلى أن المكان عندك مفتوح ومقترح لرغبة القارئ؟

* إنَّ مشروع الكتابة لديّ قائمٌ على فنون التجريب في عوالم السرد. ليست هناك خطّة ثابتة لعلامات الأمكنة الحقيقيّة أو الرمزيّة فيما أنتجت. غالبا ما تحضر الشخصيّة بفضائها العام ومن ثمّ يعنون المكان أما افتراضا / متخيّلا/ مجرّدا أو مجسّدا مرسوما كما هو في الحياة. الشخصيات هي من تفرض قوّة المكان وحضوره الطاغي وليس العكس كما يحدث في مدارس الكتابة الكلاسيكيّة المتداولة كتراث روائي. مرة تجد ملامح درابين الباب الشرقي كما هي مرسومة بالمسطرة كخريطة لنزهة الشخصيات وملعبها للحياة العامة ومماسة أعمالها في البيع أو الشراء أو "أعمال البيكاريسك لذوات القهر الاجتماعي"، كما حدث من حضور المكان الواقعي في رواية "ﭬاليوم عشرة" التي تنبئت في ثورة المخدّرات لدى فئات الشباب كتعبير قهري عن اليأس والإحباط وضجر الحياة والملل والإفلاس، ومرة أخرى تجد ملامح فقط لمكان أليف كأن القارئ وحده يستدلّ عليه بالمعنى – حسب علاقة الشخصية بمكانها. المكان في روايات عنصر فيزيائي متغيّر حسب مزاح حالة الشخصية، وهو يسير كتابع خلف خطى الشخصيّة الروائية، إنه يدلّ على المعنى الجمالي ولا يُستدلُّ على غيره.

لديك عدة كتب في أدب الرحلات، منها "رحلة ابن رزاق ساعي بريد العشاق"، و"مملكة الضحك. رحلة من باب المعظم إلى مستودع الضحك"، وغيرها، ما الّذي يدفعك كروائي إلى الخوض في هذا جنس تخصّصي. خاصة وإنها رحلات مفترضة وليست حقيقية؟

* يهتم أدب الرحلات في كشف مساحات الجغرافية والعادات والتقاليد العامة وجغرافية القرى وطقوس من عاشوا فيها، ويهتم كذلك في كشف الأمكنة القصيّة غير المعلنة. أجد في الرحلات، وليس السفرات السياحية، بل الرحلة المتخيّلة هي متعة عظيمة لزيارة أماكن واقعية. انفخ فيها الروح وأعيد اسطره واقعها من جديد. أن تعيد اكتشاف مدينة معلومة الحدود مستفيدا من فنون السرد ذلك يُعدُّ سِفرا صوفيا في قراءة تلك الأمكنة بوعي خاص. لا وجود من مانع لتداخل أدب الرحلات مع فن الرواية مازالت النوع السردي واحدا، بل أن ذلك يهدف إلى لذّة الاكتشاف لقراءة الأمكنة من خلال الكتابة السردية. هذا ما فعلته في رحلة " شعلان بن رزاق-موزّع رسائل العشاق" وهو كتاب لم يحض بتوزيع جيّد من قبل الناشر.

هل ترى أن الشعر تنازل عن عرشه للرواية، خاصة في العراق؟

* إن مكانة الشعر محفوظة في العلياء. لم أقل مجمّدة بل محفوظة. لكنَّ عناصر العيش لم تعد ملائمة ليحتويها الشعر كما كانت من قبل. نعم رب قائل يقول بأنَّ الشعر بات نرجسيا ومهتما كثيرا بذات الشاعر وجوّانيته العميقة، التي لا تهمَّ سوى الشاعر وحده. ثمة موسيقى شعرية وجماليات لغوية في القصائد هاجرت كطيور مهاجرة إلى السرد وباتت واحة الشاعر المحبّبة. القارئ غير معني بـتفاصيل "الذات المُنرْجَسة" للشاعر، ليذهب بعيدا ليصوّر من الداخل انفعالات الذات الشاعرة. نعم هناك قصائد وشعر عظيم يطربنا الجمال اللغوي ودقّة التصوير وترادف الصور الشعرية، ولكن سرعان ما يزول تأثيرها كأغنية لا نردّدها إلاّ لمرة واحدة فقط. ليس الشعر هو من تنازل عن عرشه، بل أنَّ حتّى الرواية الملحمية انتهى عصرها. لم يعد شكل الرواية الكلاسيكي / الملحمي متطابقا مع تطلّعات قارئ اليوم. حتى في السينما سيختفي تدريجّيا مقولة الفلم الكوميدي أو التراجيدي، بل هناك فلم مشوّق وعميق فيه الابتسامة اللطيفة والدمعة الراجفة معا.

أيضا فثمة أنواع جديدة من فنون الرواية ظهرت إلى السطح. هل تعلم أنَّ هناك من تقرأ رواية المطبخ أو الرواية البوليسية أو رواية الرعب؟ ولا تهتمّ كثيرا بأمّهات الروايات الخالدة والعظيمة. تلك تصنيفات جديدة تطابق أمزجة القرّاء في الغرب المتسارع الخطى وفي عالم اليوم. وستنتقل هذه العدوى قريبا لنجد هذه الأنواع من يهتمّ بها هنا.

حصلت على العديد من الجوائز عن أعمالك، ماذا ترى في جوائز الرواية، هل هي حافز للكتابة، أم ترف لا بد منه؟

* إنَّ الجوائز هي اعتراف ضمني بمشروعك الروائي. أحيانا أشفق على بعض الكتّاب الذي لا يعرف حجمه الطبيعي. يصيبه الغرور كثيرا من حجم التفاعل في وسائل التواصل، لكنَّ الحقيقة المرة صادمة له. المنافسة مشروعة حين تجد من لجنة الحكم ستقرأ برويّة لتفاضل بين الأعمال المتقدمة. مثلا إنّ رواياتي غير مستساغة الطعم ولا مرغوبة خارج العراق. تلك علّة لا اعرف كيف أتعاملُ معها. إلاّ روايتي الأخيرة حاولت الّتي حاولت ابتكار طريقة لتمريرها إلى المزاج القارئ العربي. هل تعلم أنَّ كل ما كتبته من روايات وسرديّات غير مجنّسة لا تصلح للترجمة مطلقا؟ كما أخبرني بذلك أحد المترجمين لصعوبة التعامل معها. أيضا وهذا اعتراف آخر، أيضا فأنَّ مجملَ رواياتي لا تصلح أيضا لتحويلها إلى المسرح أو السينما. على المستوى الشخصي أوعز سبب ذلك إلى تقنيات الحداثة من حيث البناء السردي والبناء اللغوي جعلت كتاباتي مخصوصة ومحصورة في حيز القراءة العراقيّة فقط.

كيف ترى دور المثقف العراقي في التغيرات السياسية والاجتماعية الآن.

* ((المثقف كائن ضعيف البنية الاجتماعية في عصرنا هذا يتعرّض إلى انتقادات وسهام وطعنات من كل الجهات وهو لا يقوى حتّى على ردّها. المثقف كائن مزاجي لا يستقر على رأي. المثقف لا يجيد سوى ارتشاف القهوة في المقهى. المثقف بيّاع كلام فقط. المثقف ينشغل بذاته في اغلب الأحيان. المثقفون هويتهم الأولى مقاطعون. و.و.))

كل يوم اسمع الكلام عن هذا الكائن المسكين. المثقف بعد أن نزع جلده الآيدلوجي أصبح عاريا يتعرّض كل يوم إلى طعن الرماح ومن كل الاتجاهات لا حصانة له مطلقا بل المثقف ذاته يطعن المثقف الآخر.

المثقفون يمارسون جلد الذات كل يوم. لكونهم غدو كأقراص دواء منتهية الصلاحية ولا تخفّف الآلام مطلقا. عندما كان المثقف منتميا ومنظّما في حزب ما، أو أيدلوجية ما يسارية أو يمينية، دينية أو علمانية كان مؤثرا بفعل السلطة السياسية لا بفعل الثقافة. وعندما تحرّر من الفعل الآيدلوجي أصبح مكشوف الظهر والبطن يُطعَن من كل الاتجاهات، بل حتى من الجماعة الثقافية التي يصطف معها. يا للمثقف المسكين كلنا نمارس جلده!

لا دور حقيقي له إلاّ أذا ما تخلّص من إعطاب الثقافة وحالات نكوصها والتحصن بالثقافة الثورية الخالصة. المثقف لذاته ولممارسة حريته ستجعله بعيدا عن التأثير. كانوا عصبة يعيشون تحت خيمة الجماعات وعصرها الماسي، والآن يعيشون في عصر الفردانية الوحدوية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

الرسام والنحات جواد سليم

أهمية السيناريو في صناعة الفيلم السينمائي .. في البدء كانت الكلمة ـ السيناريو

معضلة الذكريات الرقمية صوفي مَكْبين*

مرآة لشُجيرة الظل

نقد العقل السياسي الشيعي العراقي

مقالات ذات صلة

الدرامية والمشهدية في روايات محيي الدين زنكنه
عام

الدرامية والمشهدية في روايات محيي الدين زنكنه

د. نادية هناويكتب محيي الدين زنكنه المسرحية والقصة القصيرة والرواية والمقالة؛ وعنده الأجناس قوالب، مهمتها أن تساعد في توصيل الدلالات الثقافية والفكرية. ولقد مكَّنته موهبته الأدبية وثقافته ووعيه من أن يضع أجناس الأدب المختلفة...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram