عادل العامل لا يقتصر شهر رمضان بطبيعة الحال على كونه مجرد شهر يمتنع فيه الإنسان المسلم عن الطعام و الشراب لساعاتٍ معدودات يومياً. فهناك أناسٌ غير مسلمين يصومون أيضاً لفترات مختلفة أو لأغراضٍ أخرى، بل أن كائناتٍ من غير البشر تفعل ذلك أيضاً، كما هو معروف.
فشهر رمضان، كما أراده الله تعالى، فترة تطهير للمسلم بدنياً و روحياً من سموم و رواسب الأكل الكثير و من أدران النزعات النفسية السيئة كالجشع و الأنانية و النفاق و الكذب و التكبّر و و الإساءة للغير واستغلال الناس بمختلف الأساليب و لأغراضٍ نفعية دنيئة.فالمسلم الذي يؤدي هذه الفريضة الدينية عن إيمانٍ و وعيٍ و لمرضاة الله يعلم جيداً أن نيل مرضاة الله مرتبط و بشكلٍ لا انفصام له بالسلوك اليومي للفرد. إذ لا يُعقل أن يرضى الله عن امريءٍ لمجرد صومه متغاضياً عما يرتكبه هذا من سيئات بحق نفسه و الناس. فلا معنى للصوم في هذه الحالة على الإطلاق إنْ لم يقترن بالعفة و النزاهة و الصدق و التواضع و خدمة الناس و المبادرة إلى عمل الخير و السيطرة على النفس و القناعة بما ناله من رزق بعرق جبين و عفّة نفس. قال أبو بكر بن أبي شيبة، يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يكفي أحدكم من الدنيا قَدرُ زاد الراكب ". و قال علي عليه السلام : " أوصيكم بخمسٍ لو ضربتم عليها آباط الإبل لكان قليلاً : لا يرجوَنَّ أحدُكم إلا ربَّه، و لا يخافَنَّ إلا ذنبَه، و لا يستحي إذا سُئل عمَّا لا يعلم أن يقول : لا أعلم، و إذا لم يعلم الشيء أن يتعلّمه، و اعلموا أن الصبرَ من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قُطع الرأس ذهبَ الجسد ".و ليتأمّل المسلم بعد هذا ما إذا كان صومه مقترناً بشيءٍ من هذه الفضائل المذكورة آنفاً أم لا. فالصوم أخيرا،ً و قبل كل شيء، اختبار لحقيقة إيمان الفرد، و لقوة إرادته في الترفّع عن الدنايا و اكتساب فضيلةٍ من هذه الفضائل الشريفة. و هو في المقام الأول أمرٌ بينه و بين ربه الذي لا يخفى عليه شيء، و ليست للتباهي أمام الناس أو للاستعراض النفعي.جاء في إحدى طرائف التراث العربي القديم أن طاهر بن الحسين، و هو أحد قوّاد الدولة العباسية، قال لرجلٍ يُلقَّب بالمروزي : منذ كم دخلتَ العراق؟ قال : منذ عشرين سنة، و إني أصوم الدهرَ منذ ثلاثين سنة. فقال طاهر: سألتكَ عن مسألة فأجبتني عن مسألتين!
أوراق رمضانية ..الصوم اختبار
نشر في: 28 أغسطس, 2010: 06:24 م