ترجمة: عماد طحان
2-2
نشرت صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية، يوم الجمعة 12/01/2024، لقاءً مع المؤرخ وعالم الاجتماع والأنثروبولوجي المعروف إيمانويل تود للحديث عن كتاباته الأخيرة التي تنبأ فيها بسقوط شامل للغرب،
وبأن الغرب خسر معركته في مواجهة الصين وروسيا. كتابات وآراء تود، أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الأكاديمية والصحفية الغربية؛ خاصة وأنّ شهرة كاتبها تعود بالذات إلى تنبئه عام 1976 بأن الاتحاد السوفياتي مقبل على الانهيار، وذلك في كتابه: «السقوط النهائي: مقال في تحليل تفكك الفضاء السوفياتي»، والذي اعتمد فيه على مجموعة مؤشرات اجتماعية-كمية، من أبرزها معدل وفيات الرضع. ويستخدم في كتاباته الجديدة المؤشرات نفسها ومعها مؤشرات جديدة، ويخلص إلى نتيجة أنّ الغرب، ومنظومته العالمية، مقبلان على انهيارٍ نهائي. وبغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع الآراء التي يطرحها تود في هذه المقابلة أو في كتاباته الأخرى، فإنّ لرأيه وزناً مهماً في الأوساط الغربية، والأكاديمية منها خاصة، ولذا نقدم فيما يلي ترجمة لهذه المقابلة التي أجرتها معه لو فيغارو.
•أليس الحديث عن الديمقراطية الاستبدادية أمراً مبالغاً به بعض الشيء بشأن روسيا؟
يجب علينا الابتعاد عن ثنائية الديمقراطية الليبرالية مقابل الاستبداد المجنون. الأول يتلخص في حكومة أقلية أكثر ليبرالية، حيث تضم نخبة منفصلة عن السكان ـ لا أحد خارج وسائل الإعلام يشعر بالقلق إزاء التعديل الوزاري في ماتينيون. ومن ناحية أخرى، يجب علينا أيضاً استخدام مفهوم آخر ليحل محل مفهوم الآخرين. أوتوقراطية أو ستالينية جديدة. في روسيا يؤيد أغلب السكان النظام، ولكن الأقليات ــ سواء كانت من المثليين أو العرقيات أو المنتمين إلى حكومة القِلة ــ لا تحظى بالحماية: فهي ديمقراطية استبدادية تتغذى على بقايا المزاج المجتمعي الروسي الذي أنتج الشيوعية. إن مصطلح "الاستبدادي" يحمل في نظري نفس القدر من الأهمية الذي يحمله مصطلح "الديمقراطية".
.بسبب انتقادك لانحطاط "الأوليغارشية الليبرالية"، قد يظن المرء أنك تحسد النموذج الثاني...
بالتأكيد لا. أنا عالم أنثروبولوجيا: من خلال دراسة تنوع البنى الأسرية والأمزجة السياسية، تقبلتُ تنوع العالم. لكني غربي، ولم أطمح أن أكون أي شيء آخر. لقد لجأت عائلتي لأمي إلى الولايات المتحدة أثناء الحرب، وتدربت على الأبحاث في إنجلترا، حيث اكتشفت كم أنا فرنسي ولا شيء غير ذلك. لماذا تريد ترحيلي إلى روسيا؟ أشعر أن هذا النوع من الاتهامات يشكل تهديداً لمواطنتي الفرنسية، خاصة وأنني، أعتذر، ولدت في المؤسسة الفكرية، وأنا جزء، بمعنى متواضع وغير مالي، من الأوليغارشية. ومن قبلي، كان جدي قد نشر عند جاليمار كتاباً قبل الحرب.
.أنت تربط تراجع الغرب باختفاء الدين -لا سيما البروتستانتية- وتؤرخ هذا الاختفاء بالقوانين المتعلقة بزواج المثليين...
لم أبد أيّ رأي شخصي في هذا الموضوع المجتمعي. أنا هنا مجرد عالم في السيسيولوجيا الدينية، سعيدٌ للغاية لأنني أملك مؤشراً دقيقاً يسمح لي بالتحديد الزمني للحظة انتقال الدين من «حالة الزومبي» إلى «حالة الصفر». قدمت في كتبي السابقة مفهوم «حالة الزومبي»: حيث يختفي الإيمان لكن الأخلاق والقيم وقدرات العمل الجماعي الموروثة من الدين تبقى، وغالباً ما تُترجم إلى لغة أيديولوجية - وطنية أو اشتراكية أو شيوعية. لكن الدين يصل في بداية الألفية الثالثة إلى «حالة الصفر» (مفهوم جديد)، والذي أفهمه بثلاثة مؤشرات - أبحث دائماً عن مؤشرات إحصائية لتقييم الظواهر الأخلاقية والاجتماعية على حد سواء: أنا من محبي دوركهايم مؤسس علم الاجتماع الكمي، حتى أكثر من فيبر.
في حالة الزومبي، لم يعد الناس يذهبون إلى القداس ولكنهم ما زالوا يعمدون أطفالهم؛ إن اختفاء المعمودية واضح اليوم، حيث وصلنا إلى المرحلة الصفر. في مرحلة الزومبي، نقوم دائماً بدفن الموتى، وبالتالي نطيع دائماً رفض الكنيسة لحرق الجثث؛ واليوم، أصبح الانتشار الواسع النطاق لحرق الموتى هو الممارسة الأكثر عمومية، والعملية وغير المكلفة، التي تم الوصول إليها في المرحلة صفر. أخيراً، كان للزواج المدني في فترة الزومبي جميع خصائص الزواج الديني القديم - رجل وامرأة وأطفال يجب تعليمهم. مع زواج المثليين، الذي لا معنى له بالنسبة للدين، فإننا نترك حالة الزومبي، وبفضل قوانين الزواج للجميع، يمكننا تأريخ حالة الصفر الجديدة للدين.
مع مرور الوقت، ألم تصبح رجعياً قليلاً؟
لقد نشأت على يد جدتي التي أخبرتني أنه، بما يخص الجنس، فإنّ كل الأذواق مسألة طبيعية، وأنا مخلص لأجدادي. لذا، بالنسبة لل (إل جي بي)، فمرحباً بكم [إل: المثلية الأنثوية، جي: المثلية الذكرية، بي: الميل للجنسين]. بالنسبة لـ T[أي المتحولين جنسياً]، فمشكلة التحويل الجنسي شيء آخر. ويجب بالطبع حماية الأفراد المعنيين. لكن تركيز الطبقات المتوسطة الغربية على مسألة الأقلية المتطرفة يطرح مسألة اجتماعية وتاريخية. إن إنشاء أفق اجتماعي لفكرة أن الرجل يمكن أن يصبح امرأة حقاً والمرأة رجلاً هو تأكيد لشيء مستحيل بيولوجياً، وهو إنكار لواقع العالم، وهو تأكيد للزيف.
لذلك، فإن أيديولوجية الترانس [التحويل الجنسي] هي، في رأيي، إحدى أعلام هذه العدمية التي تحدد الغرب الآن، وهذا الدافع للتدمير، ليس فقط للأشياء والأشخاص، بل للواقع. ولكن، مرة أخرى، لا يغمرني بأي حال من الأحوال السخط والعاطفة المشحونة. هذه الأيديولوجية موجودة ويجب أن أدمجها في نموذج تاريخي. في عصر الميتافيرس [العالم الافتراضي]، لا أستطيع أن أحكم ما إذا كان ارتباطي بالواقع يجعلني رجعياً أم لا...