TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > الكليجة :وطراوة أيام العراقيين

الكليجة :وطراوة أيام العراقيين

نشر في: 28 أغسطس, 2010: 06:29 م

رعد الرسام يوم كنا صبية نخرج صباح أول أيام العيد من أبواب بيوتنا المتلاصقة في أحدى ( درابين) محلة السراي الشعبية في مدينة العمارة، ونشكل جوقة لندور على بيوتنا وما جاورها من بيوت، قد لا تربطنا بها صلة رحم او قرابة ونسب، و يوم لم تكن لمسميات العرق
والدين والمذهب من بصمات على حلقاتنا في المدرسة أو اللعب أو المزاح والتكتلات والعراك والخصام ، أقول  لم نكن نعي حينها ونحن نلتهم  بتلذذ قطع (الكليجة) الكبيرة التي تقدم لنا مع بعض قطع النقود الصغيرة من أصحاب تلك البيوت التي نطرق أبوابها مباركين بالعيد، لقد كانت الكليجة جزءا من فروض الطاعة الواجب أداؤها خلال أيام الأعياد الدينية، و كان على الجميع الالتزام بهذا الفرض بغض النظر عن عرقه أو عقيدته ومذهبه، غنيا كان أم فقيرا وجيها أم وضيعا.    وكبرنا مع الأيام التي إن لم تغيّب بعضنا، فقد ألتهمت أحد أطرافه أوصادرت شعر هامته أوأحالت داكن عنفوانه الى بياض وقور، تغّيرنا أذن... ووحدها بقيت ( الكليجة ) تتصدر قائمة التحضيرات لمناسبات الأعياد الدينية وعيد الفطر منها على وجه الخصوص، ضمن الاستعدادات المبكرة للعوائل وهي تستقبل تلك الأيام البهيجة، حيث تتبارى ربات البيوت في الأزقة والحارات  ويتنافسن في اشكالها وانواعها المتعددة، مع تكتم بعض الغيورات المباهيات على سر مقادير المواد الداخلة في أعدادها وطرق تحضيرها، على الرغم من أن الغالبية العظمى من النساء، يعرفن موادها الأساسية المكونة من طحين القمح الأبيض والسمن والخمائر اضافة للبهارات المضافة كحب الهيل والحشوات التي تتكون غالبا من السمسم والسكر المطحون ولب الجوز واللوز أو التمر، وأيام لم تكن الأفران المنزلية الكهربائية أو الغازية معروفة ، كانت صواني الكليجة الطرية  تخّرج من البيوت ليلا، محمولة على رؤوس الصبايا،  وهي مغطاة بقطع القماش، ليذهبن بها الى أفران الصمون والمعجنات والحلويات القريبة، ليتم شواؤها وإنضاجها هناك ثم يعدن بها والبخار يتصاعد منها ممتزجا برائحة شهية تضمخ أجواء الطرق الضيقة والغرف الصغيرة في البيوت. وعلى الرغم من أن الكثير من العادات الاحتفالية التي كانت سائدة في الماضي القريب قد اختفت أو خف بريقها في الوقت الراهن، إلا أن الكثير من حرائرنا لا زلن متشبثات بهذه العادة، التي غدت تقليدا تراثيا طريفا وطقسا لابد منه لأستقبال عيدي الفطر و الأضحى خصوصا في المناطق الشعبية، وأكاد أجزم أن سر تعلقهن بهذا النوع من المعجنات ليس من باب الولع المحض بتلك المعجنات لذاتها،  بقدر تعلق الأمر بتشوقهن للأحاديث الودودة والطريفة التي يتبادلنها وهن يجلسن حول أواني وصواني إعداد هذه المعجنات،  حيث غالبا ما تضم  تلك الحلقة أضافة لنسوة الدار بعض قريباتهن وجاراتهن، إذ تشكل هذه المناسبة  فرصة طيبة  لتصالح المتخاصمات منهن وتسامحهن، عما بدرمن  قبل من هفوات عفـوّة وزلات لسان سليط أثناء مشاجرة أو مناقرة، لتبقى  وشائج الوئام والمحبة العنوان الأوضح.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram