علاء المفرجي
- 2 -
برنامج ضمان وسائل الإعلام هو القرار الحكومي الأميركي الذي صدر عام 1948 والذي يقضي ان تسمح وزارة الخزانة الأميركية بتحويل عدد من العملات الأجنبية الى الدولار بسعر ممتاز شرط ان تعكس المواد الإعلامية المصدرة الى الخارج والمحققة للعائدات أفضل سمات الحياة الأميركية.
وكان من الطبيعي ان تكون السينما، التي كرست نفسها واحدة من اخطر وسائل الاتصال الحديثة ومن خلفها الشركات السينمائية الأميركية الكبرى، أول من استثمر هذا الدعم المالي الكبير وتمثلته ليس في تحقيق شرط القرار والقاضي بترويج النمط السياسي والاجتماعي الأميركي بل تحقيق انتشار واسع للرأسمال الموظف في هذا المجال. هذه الشركات بدورها أصبحت مع مرور الوقت وبلا استثناء تحت سيطرة الشركات متعددة الجنسية التي تمارس بموازاة نشاطها الاقتصادي، معروف الأغراض، نشاطاً سياسياً من قبيل صنع الانقلابات والأحزاب والتحكم بمقدرات شعوب العالم، فضلاً عن سيطرتها وتحكمها في صنع القرار السياسي داخل المؤسسة السياسية الأميركية.ومما تقدم نفهم خطورة الدور الذي يؤديه الفيلم المصنوع بإتقان من معامل هذه الشركات والتي يكفي ان نذكر ان شركة مثل (مترو غولدن ماير) تتبع مجموعة (تايم-لايف) التي تملك سلسلة من الفنادق العالمية أو شركة (وارنر براذرن) تتبع (كيني ناشينال سرفايز) التي تتعامل بقضايا المصارف والمواصلات.. وهكذا، وكان لابد والحالة هذه ان تتصدى السينما الهوليودية لمهمة حمل الرسالة السياسية للمؤسسة الأميركية وترويج خطابها الدعائي وتزويق النموذج الأميركي من خلال ابتكار الأساطير والرموز تبعاً للظرف التاريخي والسياسي السائد وفي مختلف المراحل التي مر بها تطور هذا الفن، رامبو وجيمس بوند خلال مدة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي السابق مثلاً.فمع الإيرادات والأرباح الخيالية التي تحققها هذه الأفلام فإن ظهورها في مدة تاريخية معينة (السنوات العشر الأخيرة) يزامن بلا شك انفراد الولايات المتحدة الأميركية كقطب وحيد في السياسة الدولية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الاشتراكية الأمر الذي فرض طرق موضوعات جديدة تناسب طبيعة الدور الذي تمارسه كخصم وحكم والتحكم في مصائر الشعوب لبسط هيمنتها المطلقة على العالم.وأفلام من هذا النوع تبطن رسالة سياسية خطيرة قد لا ينسى المشاهد العادي خطورتها بسبب مباشرتها وطرحها مادة للتسلية والترفيه وهو الأمر نفسه الذي يجعل نخبة المهتمين بفن السينما يحجمون عن تناولها بالنقد والتحليل، ويكاد يكون ذلك السبب الأساسي الذي يجعلنا نتحدث عن خطورة هذا النوع من الأشرطة (يوم الاستقلال وهجوم المريخ والقوات الفضائية).. نماذج واضحة لهذا التيار وينحصر إنتاجها في السنوات 95-97 وهي الأشرطة التي تكلفت إنتاجا ضخما حقق في الوقت نفسه إيرادات عادية بلغت -قبل الشريط الظاهرة تايتانيك- أرقاماً قياسية. تشترك هذه الأشرطة في قيمة واحدة هي السبب في إقدام القائمين عليها بإنتاجها وهي تأكيد الحتمية التاريخية لسيادة النمط والنموذج الأميركي كونه النموذج المتكامل والقادر على قيادة العالم بفضل تسلحه بالعلم والشجاعة وروح المغامرة والتضحية في سبيل الآخرين (هكذا).ففي "يوم الاستقلال" (طبعاً يوم الاستقلال الأميركي) ينهض الأميركي بالتصدي لغزو كائنات غريبة من الفضاء الخارجي تحاول تدمير كوكب الأرض، ولا ينسى صانعو هذا الشريط ان يعطوا الرئيس الأمريكي الدور الاستثنائي والمهم في قيادة فريق الإنقاذ، وكذلك لشخصية اليهودي في إنقاذ العالم ليحتفل العالم في كل مكان في يوم استقلال أميركا (المنقذ) وهي الموضوعة نفسها في (هجوم المريخ) برغم الصورة الكاريكاتورية للرئيس الأميركي، فخلاص العالم يأتي على يد هذه العبقرية، ويكفي ان تقع عيناك على المشاهد الأولى لشريط (القوات الفضائية) لتتعرف على الجنود وتسمع لهاثهم وهم يتحركون بملابسهم المعدنية يصولون ويجولون في ميدان التدريب للتصدي لغزو الحشرات الفضائية، حيث المهارة ودقة الإعداد والتطور الهائل في الأسلحة المستخدمة.والملاحظة نفسها في الفيلم الأميركي "أرمجدون" يتحمل الأميركي القوي مسؤولية إنقاذ الأرض من الدمار، ولا أحد في العالم يستطيع أن يفعل ذلك سواه، لذلك تبتسم له شعوب الأرض وهو يتقدم ليتحمل المسؤولية، ويواجه التحدي، كما أن شعوب العالم غير واعية بالأخطار التي تواجهها. احد علماء الاتصال الأمريكان عندما شرع بدراسة الدور السياسي لصناعة التسلية الأميركية فند مقولة ان صناعة التسلية لا تنطوي على أية قيمة سياسية او اجتماعية ومن هنا فإن صناعة مثل هذه الأفلام تنطوي على رسالة خطيرة في ظرف تاريخي معين.