اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > "الـيـمـيـسـار" فـي الـثـقــافـــة الـمــعــاصـــرة

"الـيـمـيـسـار" فـي الـثـقــافـــة الـمــعــاصـــرة

نشر في: 28 أغسطس, 2010: 06:47 م

ياسين طه حافظ من الذي رسم خط الحدود المنقط على الكرة الارضية وقسمها نصفين: شرقاً وغرباً ؟ ثم قسمها نصفين آخرين: شمالاً وجنوباً؟ الجواب لا توجد على الخرائط حدود مثل هذه ولكن يوجد تصور وتوجد مفهومات صارت واقعاً تصنعه طبيعة حياة ومستوى عيش. وهذان الواقعان الوصفيان ينتجان واقع "حرية".
وما دمنا نريد الحديث بايجاز، فلنتحدث بدءاً من المحصلة، أي من واقع الحرية. فما هو مؤكد ان الاضطهاد او التعسف ، وقبلهما الجوع والحاجة، كانا في العالم كله. وصراع القبائل ثم الاقطاعيات والكنائس كان بسبب ذلك. وصراع الاديان والمذاهب كان بسبب ذلك أيضاً.بعد الثورة الصناعية بدأ التغيير والفرز، بدأ رسم الحدود التي بدأنا بها الحديث. فالماكنة وسّعت الاستغلال وطوّرت آلياته ونوّعته. ولأن التكنولوجيا تتطور بسرعة، فالاستغلال ايضا يتطور بسرعة ادواته حتى شمل مساحات اوسع وتعددت اشكاله بينما ظل الجوع في بعض ممالكه القديمة وظلت القِنانة وان غيرت اشكالها، وظل استغلال الإنسان فيما يسمى الشرق وفيما يسمى الجنوب وعلى مستوى شعوبٍ لا افراد. ولعل هذه الاخيرة اعني "مستوى افراد" ميزة واضحة للاستغلال في الغرب عنه في الشرق، وفي الشمال عنه في الجنوب.  مقابل هذا استكملت ما يسمى بحركة الشعوب المناضلة تنظيماتها وصارت لها شعارات معروفة معلنة في العالم، ولها قوى دعم من المعسكر السياسي المختلف "نظريات" و "وسائل". لابد اذن من مصادرة حرية التعبير ليستمر الصمت او لكي لا تتحول اصوات الاحتجاج والرفض العنيف الى اسلحة او الى ثورات. ولابد اذن من حكّام طغاة واجهزة قمع تؤدي المهمة. وهذه مدعمة بالسلاح و المال والخبرة من المعسكر المضاد للمعسكر الاول. فهي حرب غير معلنة مدمرة وإن وُصِفَت لمزيد من التزييف بـ الباردة.وهنا صارت "الحرية" عنواناً جديداً للرفض وللرغبة في الواقع الافضل والمستقبل الافضل في جانب، كما صارت هدفاً لاطلاق النار والمصادرة في جانب آخر. في هذه المرحلة اتسعت الهوّة بين ترف شعوب الغرب او الشمال، وعوز ومجاعات الشرق والجنوب، حتى صرنا بلا حياء نرى كيف يحتفل الناس هناك بان يرمي بعضهم بعضاً بالبيض والطماطم والبرتقال ويسفحوا على رؤوسهم، بعضهم النبيذ والشعوب الاخرى تفتك بها الاوبئة والمجاعات. (واولئك لا يزالون مهذبين وإنسانيين فلا يترددون عن تقديم المساعدات لآلاف يموتون جوعاً ...).اخلص من هذا الكلام الى ان الدعوة الى الحرية هنا لم تكن دعوة مترفين للاستمتاع بالكون وفضاءاته ولكنها كانت دعوة لتوفير أسباب العيش، للبقاء. ومفهومها هنا غير المفهوم الذي تتفهمه المعسكرات السياسية او المصالح الكولونيالية التي لا تفهم، في حراجة الموقف، الا معسكراً مضاداً و انصاره المعادين لمصالحهم..هذا الفارق في الفهم ضيّع فرصة معرفية - اخلاقية. وأكدّ فرصة مواجهة سياسية معسكراتية، سيدفع ثمنها الإنسان فرداً لتداخل المصالح بين الفرد ومجتمعه ولوحدانية الوجود. وقد سهّل هذا اغتيال هذا المفكر اوذاك الاديب لا بوصفه مفكراً او مبدعاً ولكن بوصفه عدواً أو طاقة عدائية.ففي الوقت الذي كانت فيه الدعوة للحرية إنسانية المصدر، إنسانية الاهداف، وانها كانت، كما قلنا، مطلب الإنسان لكي يعيش محترماً وآمناً، كان لـ "هذه" الحرية مفهوم آخر عدائي عند قوى الاستغلال والمصالح، اكد هذا المفهوم اللاإنساني وجود معسكر مضاد لهم ومناصر للتحرك النضالي و"المعادي". أي انهم وجدوا ذريعةً سياسية وافتقدوا مسوغاً اخلاقياً مما جعل الدعوة الى الحرية عملاً إنسانياً وصار المناضلون من اجل الحرية يحملون وسام الشرف والاحترام، وصارت الحرية ومكمّلتها الديمقراطية، صفتين للمثقف الإنساني – الوطني. وكلمة "اليسار" صارت مرادفة لطلب الحرية والاشتباك بالاستغلال- القمع. فاكتسبت الشرف في العالم كله عدا المؤسسات ذات المصالح والمرتبطة "بالمعسكر" أكثر من ارتباطها بالثقافة.يبدو ان المؤسسات الثقافية للكولونيات ادركت الفجوة الاخلاقية التي ضاعت فرصتها الإنسانية فيها. فصار المسعى بآليات واساليب ثقافية مختلفة لان يضعوا مفهوما آخر لـ "اليسار". وواحد من هذه الاساليب ان يجعلوا  مفهوم "الحرية" في مداها الغربي – أي بعيدا عن الخبز- الاقتصاد، وبعيداً عن الحرية – الاستقلال الوطني، ويكون قريبا من الحرية – الفرد وبالتالي تستولي على، او تستعيد، حرية التعبير الى جانبها. وهذا اول اسفين "ثقافي" وضع في طريق حركة حرية الشعوب او حرية الوطن ..وأُسند هذا "المشروع" بفيض من الدراسات والفلسفات حول محنة الإنسان في الوجود وقلق البشر و وحدة الإنسان في مواجهة المصير. وهذه طبعاً امور عرفها الفكر البشري ويعاني منها ولا سبيل لنكرانها، لكن السبيل واضح لنيات توظيفها!امام النزوعات الفردية غير المستقرة او غير المقتنعة وضغط الظروف النضالية التي يشق "الكل" طريقهم بعسرٍ متزايد لاهدافهم فيها، صار يتنامى شعور بان هناك اجواء تلبي الاحتياج الفردي وترضي السخط على عدم الاستجابة، صار مطلب عدد غير قليل

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram