إحسان شمران الياسريفي حكاية مختصرة.. إن إحدى الوزارات اشترت مولدة كهرباء بحدود مائتي ألف دولار.. وقد رفعت لجنة فنية توصية بصرف الثمن نظراً إلى إن المولدة صالحة وجديدة. وبعد تشغيلها بساعة تعطل المحرك، فلما ُأسقط في أيدي الفاشلين، قاموا بإشعال حريق في المولدة لطمس معالم الجريمة.
بعد التحقيق تبين ان الآلة مستعملة، وبدأت دورة التحقيق والمحاكم والخبراء.. وتقرر إقامة دعوى على الشركة المجهزة التي حاولت في بعض مراحل الدعوى الوصول إلى تسوية رضائية تتكفل بمقتضاها بدفع كلفة التصليح.. ولكن القانونيين في الوزارة أصّروا على أن يأخذوا حقهم بالقانون.. ثم كان القضاء، بسعة صدره، وإحاطته بكافة الوقائع، قد لاحظ ان الوزارة تتحمل المسؤولية، مهما كانت الذرائع، لأنها بالأصل وافقت على استلام الآلة.. وأصدر القضاء حكمه برد الدعوى وتحميل الوزارة تكاليف ومصاريف المحامين والخبراء ودفع المتبقي للمجهز. هذه القصة تظهر التعامل مع أمثال هذه القضايا بشكل مجتزأ.. فقد تُرك الجناة الذين أصدروا شهادة السلامة عند الاستلام، وتمت إقامة الدعوى على المجهز (الغشاش).. وكان الأجدر أن تفعل الوزارة هذا، وتُحقق أيضا مع اللجنة.. ثم عندما كان واضحاً ان القضاء لم يقتنع بالذرائع، وهو في طريقه لحسم الموضوع بطريقة لا تضمن مصالح الوزارة، كان يجب أن تتم التسوية مع المجهز بالطريقة التي اقترحها، ثم يكتمل التحقيق والتدقيق واستخلاص العبرة. ليس المهم أين حصلت هذه الواقعة.. وقد تكون من خيال الكاتب، ولكن المهم أن نجد الخلاص من مشاكل إدارة الأزمات والأمور ونتعلم فنون التفاوض.. والحكاية الثانية.قال صاحبي: كُنت مدير ناحية في إحدى محافظات الفرات الأوسط. ولدى عودتي إلى بغداد، ضايقتني سيارة عسكرية يستقلها ثلاثة أشخاص. فتخلصت منهم بصعوبة ومضيت بطريقي. كنت وحدي وكانوا ثلاثة. ولكنهم استمروا يلاحقوني ويؤشرون لي بالأيدي والاضوية لكي أتوقف. وإذ كنت مُسّلحاً، فقد تحاشيت الوقوف لكي لا يقع المحذور. وعندما وصلت على نقطة التفتيش في مدخل بغداد.. أخبرت مسؤول السيطرة بأنني مدير ناحية، وإن الأخوان في السيارة العسكرية لاحقوني وحاولوا إيقافي.. وهنا وصلت السيارة العسكرية فأنزلهم مسؤول النقطة وباشر استجوابهم عماّ أخبرته به.. فحاول أحدهم أن يبدو متماسكاً وقال له (إنني عقيد.. كذا).. فأمر مسؤول النقطة بنزع لوحات تسجيل السيارة وقال له (كائناً من تكون.. لقد ضايقت أحد المواطنين وكان محتملاً أن تتسبب له بأذى.. فما بالك إذا كان مسؤولاً..).. ورغم الجهود التي حاول فيها السيد العقيد أن يبدو قوياً، إلا ان إصرار مسؤول السيطرة على أداء واجبه، أضطره للتوسل في حل المشكلة.. ولكن الرجل أصرَ على إرسال لوحات السيارة إلى الوحدة العسكرية بكتاب شديد اللهجة.. أقول هذا، وأنا أرى المواطن العراقي يُهان عشرات المرات يومياً من مواكب وسيارات مسلحة لا نعرف من يركبها.. يكفي انها لا تحمل لوحات تعريف وتخرج من نوافذها بنادق رشاشة.. أما إذا كانت تحمل صفارات إنذار فحدّث ولا حرج.. لأن هذا يعطيها حق المرور عكس اتجاه السير، ويعطيها حق قطع الشارع ومضايقة السيارات.. هل تعلمون اننا في الشارع لا نخاف من سيارات الحرس الوطني (الهمر) أو سيارات الأمريكان، ولكننا نخاف كثيراً من سيارات الدفع الرباعي التي لا تحمل لوحات تسجيل، لأننا بالواقع لا نعرف من بها.. هل هم قليلو النعمة الذين أصبحوا مسؤولين في الدولة فصاروا يستعرضون عضلاتهم على (أولاد الخبازة). وإذا سألتني ما دور الحكومة في ذلك، أقول لك إنني أطلعت على أكثر من توجيه من كبار المسؤولين يُشدد فيه على احترام الناس في الشارع وعدم السير بالاتجاه المعاكس وعدم تجاوز نقاط التفتيش.. ولكن التطبيق متعثر.. ويقع هذا كما نعتقد ليس على الحكومة مع انها مطالبة بتوجيه السادة الوزراء، ووكلائهم وبعض المستويات الأخرى من المسؤولين بعدم الموافقة على سلوكيات حمايتهم وسائقيهم، ولكن يقع على الشرطة الوطنية بالدرجة الأساس لأنها صاحبة السيطرة ونقاط التفتيش في العاصمة، وهي محط ثقة المجتمع وحبه.
على هامش الصراحة:أموالنا وحكايات قصيرة
نشر في: 28 أغسطس, 2010: 06:53 م