عبدالله السكوتييحكى ان ندافا كان يخرج كل يوم يتكسب قوته وقوت عائلته بندفه للقطن، وعمل الأغطية والأفرشة، فهو يدور من قرية إلى أخرى ويعرض عمله على الناس مقابل عدد من البيض، أو دجاجة يتقوت بها، وفي يوم من الأيام خرج إلى إحدى القرى البعيدة، فاعترضه ذئب، فأراد أن يتخلص منه، فأخذ يضرب على قوس الندافة وكأنه يندف، طرب الذئب على الصوت، وإذا توقف النداف قليلا،
همهم الذئب، فيعاود الضرب، واستمر هذا شأنه حتى المساء، فرجع الذئب، وعاد النداف إلى أهله بغير طعام، ولما سألته زوجته عن سبب عدم جلبه الطعام، قال:(اشتغلنه عد الذيب). ومن المؤكد أن الذي يعمل لدى الذئب لا يحصل على شيء، وهو يحمد الله أن خرج سالما، مجللا بالغبار، غبار الأيام وغبار محنته الكبيرة، هذا إن كان ذئبا واحدا، فما بالك حين تكون مجموعة من الذئاب، على أي قوس نضرب لنطربها، ونعود مساء بخفي حنين، ومن ثم نعاود رحلتنا اليومية؟ الا يتفق معي احد ان بعض الذئاب ستنتفض، حين تقرأ كلامي هذا، خصوصا حين قارن الشاعر، بمنطقية تامة بين الذئب وبين بعض المستذئبين حين قال:يعاف الذئب يأكل لحم ذئب ويأكل بعضنا بعضا عيانا وربما ظلم التراث على ضخامته، هذا الحيوان الذي يبدو أليفا، تجاه تصرفات البعض، وتجاهلهم لحقوق الآخرين وإنسانيتهم، وبعيدا عن العثرات الكبيرة، والإرهاصات، والانكسارات النفسية التي يعاني منها العراقيون، هناك خطوة باتجاه تشكيل الوعي العراقي نحو الموت، ثقافة الموت التي تحتويها الكتب وأقراص الدي في دي، حتى غدا الأمر، ضمن برامجنا اليومية من مسلسلات وأفلام وأغان، ولو أن عودتنا مساء، تكون بمستوى، خروجنا صباحا من البيت، بغض النظر إن كنا جلبنا طعاما أم لا، لهان الأمر، لكننا نعود بكوارث، ومشاهدات، ومناظر لا تتوفر في أي مكان على هذه الأرض، إنها مناظر القتل، والتفجيرات والدماء، والحزن غير العادي إن كان هناك حزن عادي. وعودة إلى الذئب، فهذا الحيوان حين يتكلم عنه الخبراء في هذا المجال، يقولون انه، لا يهاجم أحدا عندما يكون قد تناول طعامه، ولا يشكو الجوع، وحين يضربه الجوع يقف باتجاه الريح، ويفتح فمه، كي يمتلئ جوفه بالهواء وينام، وهو لا يأكل قبل أن تأكل أنثاه وجراؤه، وكذلك فهو يحب الطعام طازجا، ولا يسيل لعابه على الفضلات، إنسانية كانت أم حيوانية، وهذه الصفات الحميدة التي يمتلكها هذا الحيوان المحترم تجعلنا نعيد النظر بتشبيهاتنا غير المنطقية، وعلينا أن ندعها إلى تشبيهات أخرى ربما تكون أكثر واقعية منها. والكارثة الأخرى أن هذه المخلوقات، تركت المدن والأرياف والصحارى وهي في تناقص مستمر مع زيادة أعداد المخلوق الأكثر شراهة ووحشية، ربما تنادى أجدادنا الرعاة لإدراك ذئب افترس شاة، أو جرحها، ولكننا حائرون أمام القتل الجماعي لإخواننا، وأصدقائنا، لأننا ضحايا الأشباح، أشباح القاعدة والمتحالفين معهم من الذئاب البشرية.
هواء فـي شبك: (اشتغلنه عد الذيب)
نشر في: 28 أغسطس, 2010: 08:27 م