اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > رغد السهيل: في الرواية الحديثة يكون القارئ مشاركا مع الكاتب في كتابة النص وتأويله

رغد السهيل: في الرواية الحديثة يكون القارئ مشاركا مع الكاتب في كتابة النص وتأويله

نشر في: 22 يناير, 2024: 09:15 م

ترى انها تستمتع للغاية بالكتابة فهي تمنحها التوازن النفسي في عالم كل ما فيه غير متوازن

حاورها علاء المفرجي

رسخت الروائية رغد السهيل حضورها الادبي والروائي بشكل خاص في المشهد الادبي العراقي، من خلال منجزها الذي نال اهتمام النقاد واعجاب المتلقي.

وهي تحمل شهداة الدكتوراه في علم المناعة/ كلية العلوم/ جامعة بغداد / 2004، وتحمل عضوا في هيئة تدريسية بدرجة استاذ في قسم علوم الحياة/ كلية العلوم/ جامعة بغداد/ بغداد/ العراق.. أصدرت العديد من البحوث العلمية في الاختصاص المنشورة في المجلات العربية والاجنبية، كما حازت على براءة اختراع عن علاج أحد الفيروسات التي تصيب الجهاز التنفسي في بحث مشترك بين جامعة بغداد وجامعة درهام البريطانية في 2015.

صدر لها: ضحكة الخاتون- مجموعة قصصية، سايكو بغداد مجموعة قصصية، أحببت حمارا رواية- 2015، كللوش مجموعة قصصية 2017، منازل ح 17- رواية 2019، بانت سعاد، محموعة قصصية، محنة كورو، رواية 2023، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت.

وهل تعتقدين أن دراستك العلمية أثرت على أسلوبك السردي؟

أظن دراستي العلمية أثرت على شخصيتي وطريقة تفكيري، فعادة قبل أن أكتب أدون هدفي على ورقة وارسم طريقي لتحقيق الهدف وعلى أساسه أصمم الشخصيات، وأفكر بالظاهرة وأسبابها العميقة فأفتش بالجذور وأظل انبش فيها وأربط الأحداث مع بعضها بطريقة الفعل ورد الفعل من قاعدة نيوتن العلمية: (لكل فعل رد فعل يساويه بالمقدار ويضاده بالاتجاه) وهذا تفكير علمي محض، ويصدف أحيانا أن أتوه في السرد وأبتعد عن الهدف فأسال نفسي ما الذي أريد قوله؟ ويساعدني هذا بالعثور على دليلي السردي، اما الأسلوب لست أدري حقيقة ربما الناقد يجيب عن هذا.

بداية في كل أعمالك، تبدين وكأنك تفترضين التأويل لموضوعاتها، هل ذلك جدار الصد لقراءات النقاد، ان أنك تمنحين القارئ والناقد نوافذ أكثر لقراءة هذه الاعمال؟

في الرواية الحديثة يكون القارئ مشاركا مع الكاتب في كتابة النص وتأويله، وأتذكر عبارة جميلة لكافكا بما معناه (على الأدب أن يطرق على الرأس) فما جدوى المنجز ان لم يجعل القارئ يفكر ويعيد النظر بما حوله، من زاوية أخرى يا عزيزي نحن أساسا نعيش في عالم عجيب يحتاج الى التأويل لكل ما يحدث حولنا، هناك أمور عجيبة ومدهشة، شخصيا لم أفقد الشعور بالدهشة ولا أستطيع التآلف أو تقبل القبح مثلا فقط لأنه مستمر، هذا جزء متعب من شخصيتي، مثلا لا أستطيع تقبل انقطاع الكهرباء في العراق في القرن الواحد والعشرين هذه قضية بسيطة جدا لم نعد نتكلم عنها لكنني ما زلت مندهشة منها، الخطورة تكمن عندما نفقد الدهشة ونتعود القباحة ونتوقف عن التفتيش عن تأويلات وكما يقول الجاحظ (أعجب من العجب فقدان التعجب من العجب) فلماذا تطلب مني قبول العجائب دون أن أفتش عن تأويلات بمساعدة القارئ؟!

نبدأ من روايتك (أحببت حمارا) وهي بالأصل فكرة قصة في مجموعتك (سايكو بغداد)، ليتم تطويرها وكتابتها كرواية. اسال هل لأن المرأة، ليست بالمهمش من مشاكلها بل بجوهر المرأة، هو الموضوع؟

صحيح أحببت حمارا كانت قصة بعنوان (الأحذية المجنحة) في مجموعتي الثانية سايكو بغداد الصادرة عن دار الأدهم في القاهرة 2013، بعد أن كتبت تلك القصة التي تناولت وضع المرأة في العراق شعرت أنني لم أمنح الموضوع حقه وأن مشاكل النساء كثيرة، فكرت بجمع غالبية تلك المشاكل في عمل واحد لأقول هذا هو حال النساء، طبعا الفكرة بالبداية كانت صعبة، فعادة الرواية تتناول مشكلة واحدة او اثنتين لكنني حشدت كل ما أعرفه من صور للمعاناة في عمل واحد: مثل قضية النساء المهمشات والنابشات في النفايات والمتسولات والخارجات من السجون والمعاناة الاجتماعية للمبدعات، وجريمة غسل الشرف، ومعاناة المثقفات والعاملات في المسطر مع العمال، وقدمتهن كلهن في صورة القويات اللواتي يتحدين الظرف ويناضلن من أجل حياة كريمة، لأيماني بقوة العراقية هذه حقيقة وليست انحيازا ولا مبالغة، وصورت معاناتهن في المتن ومقاومتهن للظروف وبالمقابل صورت كيف يتعامل الآخر مع قضايا المرأة عبر صورة فنتازية عن مشروع وطني لفرض ارتداء الاحذية المجنحة والملابس البالونية على النساء لتحقيق الديمقراطية في العراق، طبعا كانت نوعا من الكوميديا السوداء لتوضيح فكرة استغلال قضايا المرأة ومعاناتها لخدمة مصالح خاصة بعيدة عن حقوق المرأة، هي ليست مهمشة بقدر ما هناك استغلال لقضاياها والمتاجرة بها فالجميع يتشدق براية نصرة المرأة حين يريد الحصول على صوت انتخابي مثلا لكن الواقع يقول شيئا آخرا.

في روايتك (منازل ح 17) محاولة جديرة بالمتابعة في كتابة الرواية التاريخية، ما الذي تعنيه لك كتابة الرواية التاريخية، هل هي الانصياع لقوة الوثيقة لكي تكتسب الرواية الصدقية، ام هي إعادة كتابة هذا التاريخ بالانحياز للصدق الفني، باعتبار أن الخيال أحيانا ضرورة لكتابة التاريخ؟

منازل ح 17 هي رواية من التاريخ المتخيل فلم ألتزم كثيرا بالتاريخ وان كنت قد وضعته تحت المجهر وشرحت كل جوانبه لأخطط حركتي في السرد محافظة على خطوطه العريضة، من يريد قراءة التاريخ عليه بكتب التاريخ ومصادرها، أما الرواية فهي بالدرجة الأولى عمل فني لسد الثغرات التي لم يذكرها التاريخ بالاستعانة بالخيال لخدمة رسالة معينة يريد السارد توصيلها، ولابد أن ترتبط تلك الرسالة بالحاضر الذي نعيشه كي لا نكرر أخطاء الأمس لكن يخبرنا هيجل(يعلمنا التاريخ أن لا أحد يتعلم من التاريخ)، تعمدت في تلك الرواية استخدام النقل الشفاهي للحكاية من قبل النساء وأغلبهن متخيلات، هذه التقنية وحدها رسالة بأن النساء هن من يتبادلن تناقل الحديث لكننا لا نجد في المرويات التاريخية ما ينقل عن النساء الا ما ندر ويبدو هذا غريبا للغاية! أين المرويات التاريخية على شفاه النساء؟!

القضية الثانية التي طرحتها هي موضوع فقه المرأة في الاسلام حيث هناك الكثير من القضايا الخلافية بين الفقهاء، والفقه هو بوابة للاجتهاد المفتوح والى الآن تلك الخلافات موجودة، قد يكون بعض تلك القضايا سببا في التطرف الديني فهو ليس وليد الحاضر وعلينا امتلاك القدرة على توجيه النقد الموضوعي العلمي لمضمون الكتب التاريخية اذا أردنا حقا التخلص جذريا من التطرف، بكل حال كانت منازل ح 17 تجربة مختلفة بالنسبة لي اضافت لي فكريا الكثير فلا يمكن ان تتخيل الكم الذي قرأته حتى أتمكن من كتابتها ومحاولة الاقتراب من لغة القرن التاسع عشر، وسببت لي الكثير من الأرق والقلق والتعب الفكري كنت أرى البطلة في أحلامي صدقني، وأشعر بها تراقبني كأنها تطلب مني كتابة هذا والابتعاد عن ذاك لأطلب منها ألا تتدخل بعملي، شعرت بها تحاول السيطرة علي وأنا أتصارع معها، والحمد لله أعتقد خرجت بصورة أكثر من مقبولة، وان لم يتم تناول الرموز والشفرات السرية في هذا العمل كثيرا في النقد استثني بعض المقالات المهمة لأساتذة أفاضل.

مثل الكثير من الروائيين العراقيين بدأت بالقصة القصيرة، لتنتهي الى كتابة الرواية، لماذا؟ هل وجدت ان القصة القصيرة أنها لا تلبي حاجتك الأدبية، رغم انها الفن الأصعب؟ ام أنك وجدت في الرواية فضاء أوسع للتعبير عن عالمك؟

طبيعة الفكرة أو الموضوع تفرض نفسها ونوعية السرد، والقاعدة هي المضمون يحدد الشكل، هناك قضايا تصلح لقصة وأخرى تحتاج فضاء أوسع مثل الرواية، شخصيا أحب كتابة القصة واستمتع بالتجريب فيها وبأنماط السرد وتقناياته، وسبق أن وصلت مجموعة كللوش القصصية الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2017 الى القائمة الطويلة في جائزة المتلقى للقصة بالكويت.

ببداياتي لم أفكر بكتابة الرواية لكن الموضوع حين يسيطر علي لابد من اخراجه على الورق، كتابة الرواية أمر صعب يتطلب الكثير من الصبر ويتسبب بالكثير من التوتر خصوصا حين يعلق معي الأبطال فأجد صعوبة بالتخلص منهم، وبعد انتهاء العمل يلامسني حزن خفي لأني سأفارقهم بعد رفقة طويلة، ولكي اتخلص من هذه الحالة ألجأ عادة لكتابة القصة نعم هي الأصعب لأنها تتطلب التكثيف والاهتمام البالغ بالتقنية لكنها تظل واحتي التي أرتاح اليها.

حصلت أخيرا على جائزة الابداع، ونحن بانتظار مايلي هذه الجائزة من جوائز، هل ترين في الجوائز الأدبية ترفا ما، أم ضرورة للمبدع، خاصة وقد كثرت في الفترة الأخيرة عربيا الكثير من هذه الجوائز؟

بكل صدق لا أكتب من أجل جوائز، فأنا أستمتع للغاية بالكتابة فهي تمنحني التوازن النفسي في عالم كل ما فيه غير متوازن من خلالها اكتشف ذاتي وما حولي، أما الجوائز هي وهم ومطب للمبدع حين يجعلها هدفا له، فهي لن تصنع روائيا حقيقيا أو مبدعا صامدا في وجه الزمن، انها فقط تعمل على الترويج الآني للكاتب، وتلفت نظر القارئ نحو كتاب معين ولفترة زمنية محددة، وبالتأكيد تقدم نوعا من الدعم المعنوى والتشجيع للكاتب ليواصل طريقه، شخصيا أحب العمل البطئ بعيدا عن الضجيج فلا أتعجل الاصدار، وكثيرا ما أدخل كهفي كما أسميه في حالة من العزلة فأغلق صفحة التواصل الاجتماعي وانغمر في عالم سردي أراقب فيه تحركات أبطالي، وصدقني عندما قدمت محنة كورو للمسابقة كنت أفكر في ايجاد تقييم لهذا العمل الذي كتبته بطريقة مختلفة ورغبت بعرضه على المختصين فهو فكرة مجنونة حقا، ولست أعرف من أين جاءت لي؟ يحدث كثيرا أن أستغرب ما أكتبه، لكنه يخرج من عقلي هكذا، دائما أشعر بأنني أمام تحدي مع نفسي ولست أنافس أحدا، بكل الأحوال ستظل هذه الجائزة عزيزة عليّ لأن درعها يحمل رمز العراق أقصد النخلة وأبدع الفنان أحمد البحراني في تصميمه.

أما كثرة المسابقات لا أرى انها تخدم المبدعين، صارت هوسا بين الشباب، لأنها جعلت الجائزة هي الهدف وليس نضج العمل الابداعي، انظر صرنا نجد مسابقات حتى على وسائل التواصل الاجتماعي، وصارت كلمة الروائي الكبير او المبدع العظيم متداولة وعادية، وليس هناك كبيرا على الأدب فالأدب والفكر هو العالم الكبير الذي يجب ان ننحني له جميعا، أما عن المعروف من المسابقات فمقاييس الحكم في أغلبها (ولن أعمم) يكون ايدلوجيا أو مبنيا على مجاملات أو علاقات أو دعم الناشر وغيرها من الاسباب التي لا علاقة لها بالابداع، أظن أن الجوائز هي ضربة حظ، فكم من الروايات فازت بمسابقات عالمية وعند قراءتها منحتنا الخيبة، الجوائز الحقيقية للمبدع تأتيه من القراء الذين يتابعون أعماله ولعل باقة ورد من قارئة مجهولة وصلتني لباب البيت لتبارك لي تضعني أمام مسؤولية كبيرة تجعلني أفكر ألف مرة قبل اصدار أي منجز، الزمن هو الذي يمنح الجوائز الحقيقية حين يصمد العمل ويظل يجذب القارئ بعد انطفاء الأضواء المؤقته لبريق الجائزة..

أعتقد ما نحتاجه حاليا هو تنشيط عملية النقد الموضوعي البناء للمشهد الروائي الغزير، ومع الأسف حتى النقد صار استسهالا فهو ليس ملخصا للحكاية كما يُنشر هذا يستطيع أي قارئ أن يكتبه، لكن مهمة النقد جسيمة وبالغة الأهمية حين يضيء الناقد العمل بما يراه هو ولا يراه القارئ العادي، وحين يتناول التقنيات الفنية المستخدمة في العمل هل كانت موفقة وهل الانتقالات السردية مقبولة وهل تحولات الشخصية كانت ناجحة؟ وغيره من القضايا الفنية والفكرية المصاحبة للمنجز، فالنقد الموضوعي البناء البعيد عن المجاملات هو الذي يضع الروايات في مكانها الصحيح وهو الذي ينفع المبدع ويثري تجربته، فليس هناك عملا متكاملا وكل متكامل يحمل معه نقصانه، هذا النقد النوعي المفقود ربما هو ضرب من المثالية لكنني أظنه الأهم خصوصا اننا لا نعرف وجهة نظر المحكمين في المسابقات ولا لماذا فازت هذه الرواية؟ وما الذي ميزها عن غيرها وما الذي اضافته لعملية الابداع السردي فنيا؟! فحكاية المتن ليست هي القضية.

حسنا هل تحديثنا عن مشاريعك القادمة؟

عندي حنين جارف لكتابة القصة، وأشعر بالذنب تجاهها كأن هناك خيانة ما، فأنا أبنة القصة تلك واحتي الآمنة خصوصا وان الاضطرابات والحروب في العالم المتزايدة تؤثر هذا على نفسيتي كثيرا، وأشعر بالحاجة لدخول بستان من الورد أي عالم القصة، لا رغبة عندي حاليا بتفحص شجرة ضخمة بفروعها الكثيرة وساقها الواحدة لافتش عن عمق جذورها وتلك الرواية ربما لاحقا بانتظار أن تنضج الشجرة التي في رأسي، لذا سأعمل حاليا على تطوير أداوتي بحقل القصة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram