اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > (حياة) رياض الغريب

(حياة) رياض الغريب

نشر في: 27 يناير, 2024: 09:52 م

د. كريم شغيدل

يغير الشاعر رياض الغريب لغة الخطاب في نصه (حياة) من مجموعته(واقف بانتظاري) ليحول صيغة الأنا إلى صيغة الآخر (هو) إذ يوظف سيرته الذاتية بكونه شاعراً،

على أن الحرب هي اللازمة التي تتكرر في غالبية القصائد التي توظف السيرة الذاتية، يبدأ نص الغريب بأداتي جزم ونفي وقلب (لم) وهي أداة ذات وقع حاد، ودلالة قطعية، وتقديم النفي في النص يعطي انطباعاً أولياً لدلالة الزوال أو الغياب، أو السلبية المرتبطة بالمقموع، والاستلاب القسري لنفي ما حقه الإثبات:

" لم تكن فكرته/ ولم يلوح لغروب العمر"

ثم ينتقل النص إلى سردية أريد لها أن تكون هادئة وسلسة ومحافظة على نثريتها:

" ببساطة متناهية سارت به الحياة/ هو الوحيد الذي لم يكترث للحروب/ بل كان يسمع الموسيقى/ ويكتب القصائد"

يواجهنا النص بنثرية تبدو مقصودة، فعبارة (ببساطة متناهية) لا وظيفة لها على المستوى الدلالي سوى توكيد النثرية، فما الذي سيتغير على مستوى الدلالة لو بدأ المقطع أعلاه بالجملة الفعلية (سارت به الحياة)؟ وقد تعمد الشاعر في هذا النص أن يكون بمثابة الراوي لسرد سيرته بصيغة الآخر، أي إنه أراد أن يحول سيرته الذاتية بكونه شاعراً إلى سيرة عامة لكل شاعر، ونجد بأن المقطع السابق يحمل دلالة قد تبدو متناقضة، تؤكد فردية الشاعر أو فرادة موقفه من الحرب، فهو الوحيد لم يكترث بها، مرة لأنه شاعر له موقف ضد العنف والدموية والخراب، ومرة أخرى هو موقف إنساني ضد الحرب بأية صورة كانت وتحت أية ذريعة، ولا يملك سلاحاً لإيقافها أو مناهضتها سوى الجمال بمدلولاته الفنية والأدبية (الموسيقى والقصائد)، وهناك دلالة قد تبدو سلبية ضد الشاعر، فعدم الاكتراث يحيلنا إلى اللامبالاة بإزاء القضايا المصيرية التي تهدد وجود الإنسان، فهل الشاعر كائن ضعيف لا يمتلك موقفاً أم أن موقفه أن يردَّ على قبح الحرب بجمال الشعر والموسيقى؟! بينما يؤكد المقطع اللاحق اللامبالاة بمصيره إذ يقول:

" بينما/ القذائف تتساقط قربه/ لم يفكر بالموت/ ولا بالشيخوخة في المرآة"

فهل يريد القول إن الشاعر كائن أبدي أو لديه شعور بالأبدية إذ لا يفكر بالموت ولا بالشيخوخة، هل الشعر كافٍ ليصبح إكسيراً للحياة، أم هو نوع من اليأس أملته الحرب التي دنت من حياته بقذائفها؟ أم هو الهروب من الواقع باتجاه الوهم، كما يشير المقطع الآتي:

" كل ما كان يعنيه/ امرأة توهم أنها تحبه/ وهي بالانتظار/ لعل أحدهم يعود/ يحمل قصاصة صغيرة/ كتب عليها/ من أقصى الجنون/ إلى...... / توهم حتى أصبح شاعراً "

الشاعر الذي افترض بأن سيرة حياته هي سيرة آخر، منظور إليها من الداخل، يريد أن يختزل بدلالة العنوان (حياة) سيرته معطوفة عليها الحرب، من خلال الخروج من أجواء الحرب مرة إلى الذات ومرة إلى الآخر (المرأة) حتى وإن كانت وهماً، فهي دال جنسوي على الحياة والحب وستفضي علاقته الوهمية بها إلى أن يصبح شاعراً، ثم بعد ذلك ينقض النص مدلوله: " ولم تكن تلك الحياة التي صادفها / حياته/ لذلك/ حاول أن يتخلص من لحيته الزرقاء/ وبكاءه المرير/ قرب أقرب حرب/ لبلاده"، حياة من إذاً؟ هل هي حياة شاعر آخر؟ أم أراد القول إنها حياة ليست من اختيار الذات، وليست بإرادتها، ثم يعود إلى قفزة سردية خارج الحرب، تحيلنا إلى الحصار الاقتصادي الذي أعقب الحرب، وهنا تصبح هذه السيرة حياته التي أراد أن تسجل على بطاقته التموينية ودفتر نفوسه وبقية القصائد، ثم يعود لينكر بأن هذه الحياة ليست فكرته، بل هي لعبة ساذجة، ثم ينتقل خطاب السرد إلى صيغة آنية بدلالة جديدة توحي بالنهاية، لكن بمدلول غير مباشر للموت: "مع ذلك/ لأعبر هذا الشارع/ ربما/ أعثر في نهايته/ على ورق/ يلفني به الأصدقاء/ كأقدم تمثال/ يعترض المارة/ والبلاد!!!!!!"

وهنا يعود الشاعر لما بدأ به من مدلول أبدي، وكأنه يريد القول بأن الشاعر يشكل أثراً يعترض حركة المجتمع والبلاد، تمثال ملفوف بورق، كما لو أنه حياة جامدة مغلفة تنتصب في حياة الآخرين، أما صفة القدم (كأقدم تمثال) فتحتمل عدة تأويلات منها: أن يكون قديماً في زمن مستقبلي، أو كما لو أنه قديم بمعنى أن العصر ليس للشعراء، أو أن الحروب والمجاعات قد جعلت الإنسان/ الشاعر سلعة بالية زائدة عن الوجود، وغير ذلك.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram