بغداد / بسام عبد الرزاق
أقام بيت المدى في شارع المتنبي، أمس الأول الجمعة، جلسة احتفاء بمئوية الرائد التشكيلي جميل حمودي، تحدّث خلالها مختصون عن تجربته الفنية الفريدة والمبكرة، حيث كان من أوائل العرب الذين استخدموا "الحرف" والرموز التراثية في لوحاته التشكيلية.
في مستهل الجلسة التي ادارها الباحث رفعت عبد الرزاق، قال ان "جميل حمودي شخصية فنية كبيرة في تاريخ الفن التشكيلي العراقي ويعد من اعلام الرعيل الاول في هذا الفن، ويعد مع شاكر حسن آل سعيد ومديحة عمر وآخرين من مؤسسي جماعة البعد الواحد، وهذه الجماعة هي التي استلهمت الحرف العربي في بناء اللوحة، ولا شك في ان جميل حمودي هو المبرز بين هؤلاء وهو الاسم الكبير والمؤسس لهذا الاتجاه في تاريخ الفن التشكيلي في العراق".
واضاف، ان "جميل حمودي من مواليد 1924 في بغداد واكمل دراسته في معهد الفنون الجميلة ثم ذهب الى فرنسا في بعثة دراسية، ولكنه انغمر بعالم الفن في فرنسا وبقي 20 عاما هناك، وفي سنة 1945 اصدر مجلة باسم الفكر الحديث وعلى الرغم من عمرها القصير تعد من اوائل المجلات العراقية التي اعتنت بالفن الحديث والادب الحديث، وربما اراد ان يشابه من خلالها مجلة سلامة موسى "العصر الحديث" في مصر ولكن في بلد لم تنضج فيه مثل هذه المشاريع الكبيرة".
من جانبها، قالت الباحثة وداد ابراهيم انها سعيدة ان تكون لها فرصة للحديث عن كتابها الذي صدر عن دار الشؤون الثقافية حول الراحل جميل حمودي.
واشارت الى انه "في عام 2002 اتصلت بي السيدة عشتار وطلبت مني تدوين سيرة حياة والدها وكنت وقتها اكتب في الفن التشكيلي والثقافة، واتفقنا ان اذهب الى الراحل جميل حمودي في جلسات لمدة ساعتين، وتفاجأت اني دخلت في عالم كبير من الفن والعبقرية والكتابة والشعر".
وقرأت الباحثة، من مقدمة كتابها قائلة، انه "عندما كلفت من قبل الفنانة عشتار جميل حمودي بالكتابة عن حياة والدها ومن خلال زيارات اقوم بها لبيته في منطقة السيدية ببغداد ولمرتين في الأسبوع عشت بقلق وترددت بالكتابة عنه كوني كاتبة صحفية ولست بناقدة، ومن دون ان ارفض قررت ان ادخل بيتهم، وحين زرته وكان وقتها يجلس على كرسي متحرك جلست معه في اول لقاء لأكثر من ساعتين ومن هذا اللقاء فكرت انه لا بد لهذا الكتاب من ان يُنجز".
وتابعت، انها "وجدت ان الذي يهمه ويوقد عواطفه وخياله ويستحوذ على افكاره كونه راصدا لكل تفاصيل الفن والتاريخ ومثالي صلب الرأي، وكنت حين اعود من زيارته اقرأ كل ما كتبت معه فأجد انه بحق وضع معي صفحات رجل حديثه بليغ وصمته اكثر بلاغة وهو شديد الحيوية وهو كنز ادبي وثقافي وفني ووطني، وعلي ان احلق معه في عالمه الابداعي، ومن ثم اكتب امامه وهو يملي علي حياته يصوغ العبارات بعبارات واسلوب ووعي وثقافة ولديه ذاكرة لا تمل التفاصيل الحساسة".
بدوره قال الكاتب د.جمال العتابي، ان "الحديث عن جميل حمودي الفنان التشكيلي ربما يأخذنا إلى ميدان إبداعي آخر تميز به، فهو شاعر صدر له ديوان (احلام من الشرق) وديوان (آفاق) في خمسينيات القرن الماضي، وحضوره في مؤتمر للأدب العربي في روما عام 1961 مع رمزين للثقافة والشعر وهما بدر شاكر السياب وجبرا إبراهيم جبرا".
واضاف، انه "انشغل بالحياة الثقافية وهو لم يبلغ العشرين من العمر، وكان من مؤسسي جمعية أصدقاء الفن في 1941 ثم أصبح سكرتيرا لها، مع رواد الحركة التشكيلية الكبار، جواد سليم وحافظ الدروبي وشاكر حسن آل سعيد وعطا صبري وآخرين".
وأكمل؛ "ثم انشغل بميدان الفكر والكتابة، وفي الافكار التنويرية، وهو من المساهمين فيها منذ خمسينيات وأربعينيات القرن الماضي، خلال التحولات الفكرية والسياسية والاجتماعية التي شهدها العالم"، لافتا الى انه "من امثال جميل حمودي هناك اسماء اخرى لم تأخذ دورها الفكري المهم على الرغم من تفوقهم بالإبداع في مجالات مختلفة ومن بينهم نجيب المانع ومحمود البريكان". الكاتب علي الدليمي اشار في مداخلته الى ان "جميل حمودي بدأ عام 1942 بتوظيف الحرف العربي في لوحاته التشكيلية وهو فنان اكثر مما هو خطاط، وكان يهوى الحرف وجماليته واعتمدت تجربته على شيئين وهما مهنيته، اذ تعلم على ايدي الملالي وكانت الكتابة مهمة لديهم وكذلك تعلم منذ طفولته فنون النجارة والخياطة واستفاد منها بتجربته الفنية كثيرا".
بدوره شكر الاكاديمي والمسرحي د.عقيل مهدي بيت المدى الذي دائما ما يتحفنا بأسماء مهمة وراقية، على حد وصفه.
واضاف، ان "هناك غبنا يلحق بالكثير من المبدعين في حياتهم ولكن الراحل جميل حمودي كان متألقا وما زال الى يومنا هذا وبدلالة هذه الجلسة النبيلة الطيبة عنه"، مشيرا الى ان "الراحل جميل حمودي حوّل اشتغاله مع اللوحة الى مؤسسة تشكيلية محترفة وفي حواراته تطرح موضوعات راقية ولديه وعي نظري كبير".
وبين انه "استطاع على الرغم من العتمة في العراق آنذاك ان يؤسس هذا التيار الواعي، وانطلق من الكتاتيب فأغنى ذاكرته بالقيم العربية الفلسفية التي جعلته يفلسف اللوحة واهتم بفلاسفة العرب والمسلمين وعمل لهم منحوتات".
واوضح، ان "الراحل ترك بصمة في باريس كما فعل المغاربة هناك، حيث عاش فيها 20 سنة، حتى انه اصدر مجلة باللغة الفرنسية في اشارة الى امكانيته وتبصره".