وديع غزوانما زال من المبكر الادعاء بأن لدينا رأياً عاماً قوياً وسليماً كالذي موجود في دول العالم المتقدم يتأثر ويؤثر في مجرى الأحداث الكبيرة بشكل خاص. ومع ان ظروف ما بعد 2003، وفسحة الحرية التي صاحبتها قد أسهما، بهذا الشكل او ذاك، بإيجاد نواة تشكيل رأي عام،
الا ان ما واجه عملية التغيير في العراق من تحديات في مجال عدم استقرار الوضع الأمني وما صاحب ذلك من هيجان وغضب شعبي استثمر بشكل سيئ من قبل بعض الأطراف، فكانت عملية التجاوز على مؤسسات الدولة، او ما صار يصطلح على تسميته بـ (الحواسم)، وممارسات الحاكم بريمر سيئ الصيت في مجال توجيه سير الأحداث، وعدم وجود رؤى واضحة او برنامج عمل عند بعض أطراف العملية السياسية، وغيرها من العوامل المعلنة والمخفية، عرقلت عملية التأسيس لرأي عام فاعل ومنظم، فظلت ممارساته عبارة عن غضب شعبي او ردة فعل على حالة معينة، ولم ترتق في اغلب حالاتها، الى ما تحتاجه عملية بناء نموذج ديمقراطي في العراق، كان يمكن لو قدر له ان ينمو بشكل صحيح وغير مشوه ان يسهم فعلاً وليس ادعاءً بعمليات تغيير كبيرة نحو الديمقراطية في المنطقة.وعدا نشاطات متميزة لعدد قليل من منظمات المجتمع المدني، حاولت ان ترسم معالم طريق صحيحة لتنظيم الرأي العام وتفعيله باتجاه التأثير بالأحداث، فإن كل ما حصل منذ 2003حتى الآن، في اغلب المفاصل التي لها علاقة بتكوين الرأي العام، لا يمكن توصيفه الا بالتخبط والمظهرية، وإن نظرة فاحصة الى دور منظمات المجتمع المدني التي نشأت، والكم الهائل منها، وحجم المبالغ المالية التي اهدرت على منظمات كانت إما واجهات لأحزاب او وسيلة تكسب وسفرات ووجاهة لبعض من ركب الموجة، تعطينا أكثر من نموذج على الفرص التي ضاعت علينا في خلق أسس رأي عام تحسب له الأطراف السياسية ألف حساب، لانه سيكون عامل ضغط وتأثير عليها.ومن دون مبالغة قد يمكننا القول انه لو كان لدينا مثل هذا التوصيف للرأي العام فلربما ما تأخر تشكيل الحكومة كل هذا الوقت، ولما ساءت الخدمات، بل لما وصلت الأمور الى هذا الحد.ولكي نكون موضوعيين لابد من القول ان من بين حسنات ما حققته حالة التغيير، هي تجاوز ثقافة (كل من يأخذ أمي، يصير عمي)، وصار المواطن قادراً على التعبير عن رأيه بحرية، كما ان وسائل الإعلام باتت تبدي رأيها بالأحداث بفضاء كبير من الحرية، مع ما يواجه هذه الحالات أحياناً من تصرفات وسلوكيات من قبل بعض الساسة والجهات المتخصصة التي تسيء لعملية البناء الديمقراطي.ما نريد ان نصل إليه هو ان الحاجة ملحة لدراسة موضوع الرأي العام لدينا وتنظيمه، دراسات وبحوث معمقة تتناول هذا الموضوع الحساس والدقيق، ليكون قادراً على المشاركة فعلياً بصنع القرار، لان بقاءها بهذا الشكل السائب غير صحيح ويجعلها عرضة للاستغلال من قبل جهات متعددة، وهي مسؤولية كل أطراف العملية السياسية والحكومة التي يجب ان تنتبه عند التعامل مع مثل هكذا قضايا، وان لا يكون رد فعلها سلبياً كما حدث مع التظاهرات الشعبية احتجاجاً على سوء الخدمات وخاصة الكهرباء وصدور تعليمات بأخذ إجازة للتظاهرات.
كردستانيات :رأي عـــام
نشر في: 29 أغسطس, 2010: 07:55 م