اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > أدباؤنا: الرواية بحاجة إلى الشعر لتتألق وتحقق وعدها الجمالي الباهر

أدباؤنا: الرواية بحاجة إلى الشعر لتتألق وتحقق وعدها الجمالي الباهر

نشر في: 29 يناير, 2024: 08:16 م

هل ضعف الشعر أمام جبروت الرواية نظماً ونشراً؟

علاء المفرجي

هل أضعفت الرواية مكانة الشعر، الذي كان يوما (ديوان العرب)، أم أن هناك ظرفا موضوعيا جعل الرواية تتسيد المشهد الأدبي في العراق،

فالبعض يرى ان السيادة مازالت للشعر، فيما يرى اخرون أن الرواية أزاحت الشعر من عليائه،في حواراتنا المستمرة مع روائيينا وشعرائنا، والذين طرحنا عليهم هذا تراوحت اجاباتهم بين هذا وذاك:

عبدالهادي السعدون: الرواية بحد ذاتها فن الهضم الكلي لكل الموجات الفنية والأدبية

سالنا الروائي عبد الهادي السعدون بالذي يراه في من يدعي انه عصر الرواية، وهو من بلد كان الشعر فيه على عرش الاولمب، فهل استطاعت الرواية أن تزيح الشعر من عليائه.. أجاب:

- أعتقد أن كل الفنون الأدبية واحدها مكمل للآخر، ولا لإزاحة نوع على حساب نوع آخر، الفرق ان لكل زمان عدته وذائقته الخاصة. لا أجد الشعر مضادة لحضور الرواية، بل مكمل لها. اليوم نحن في تداخل فنون مع فنون أخرى، والرواية بحد ذاتها فن الهضم الكلي لكل الموجات الفنية والأدبية، وتجد لها مكاناً وحيزاً ممكناً في متن الرواية أياً كانت. الرواية موجة عصور مطولة وفي كل عصر تهضم وتتقبل وتضم ما تجده في دربها، بل تستفيد منه وتخرج به بحلة جديدة. أعتقد أن الرواية متجددة بتجدد ما تجده من ثقافات مغايرة في كل فترة معينة، وهذا سرها الأكبر. واضيف لولا الشعر والفنون الحكائية، ما استطعنا الحديث اليوم عن نوع أدبي معاصر مبتكر هو الرواية. أجزم أن هناك اكثر من عرش وليس عرشاً واحداً للتسيد والمكانة.

شاكر الانباري: الشعر بشكل عام تعبير فردي، والرواية لصيقة بالواقع والتحولات المفصلية

وفي سؤال للروائي شاكر الانباري: انك اخترت الرواية مجالا لانشغالاتك. هل ترى أن الرواية، قد أزاحت الشعر عن عرشه.. أم أنك ضد هذا الرأي؟ قال:

- الشعر بشكل عام تعبير فردي عن الوجود في النهاية، وهو محكوم بالصورة والخيال والمفارقة والرؤية الفلسفية، وله في تراثنا العربي أساسات صلدة ومدارس وأغراض تغوص في عمق القرون. أما الرواية فلصيقة بالواقع والتحولات المفصلية في حياة شعب من الشعوب، وتقدم إيقاعات جماعية عن مرحلة من المراحل الزمنية في بقعة مكانية ذات ملامح واضحة. وهي مصنع للأفكار، والتحليلات، والشطحات الفلسفية، والمعرفية، والحوارات الحرة بين أشخاص يفترض أنهم يمتلكون تقييمات متباينة للأحداث. وأعتقد أن ما تمر به مجتمعاتنا من خضّات سياسية وفكرية وهجرات جماعية وانفجارات في النسيج الاجتماعي ومآس غريبة، يناسبها التعبير عن كل ما سبق بالرواية، فقد أصبحت اللسان الجمعي، والمرآة الشاسعة، مكانيا وزمانيا، عما جرى ويجري من كوارث في العقود الأخيرة. لا على صعيد العراق فقط، بل في معظم البلدان العربية. الشعر حقل محروث منذ آلاف السنين، بينما الرواية أرض جديدة على الذائقة المحلية. والرواية مؤشر على خروج الذهنية العربية من شرنقة الخرافة، والعقل الأسطوري إلى جحيم الواقع، بعد أن هجرت اللغة الجديدة مساحات الانشاء والضبابية والمراوغة. أصبحت لغة الرواية محددة، قاطعة، منحازة بشدة إلى الفكرة الواضحة والموقف الانساني مما يجري. تنسج خيوطا متينة مع ثقافة العالم عبر الترجمة، وتهضم كل ما وصلته العلوم الحديثة والابتكارات العلمية والاجتماعية. غادرت الرمز والضبابية والمطّ اللغوي والتقعر اللفظي، وفي النهاية جاءت الرواية لتكون قطيعة مع إرث الماضي بكل منظوماته، جماليا وبنائيا، وقداسة، وركودا، عكس الشعر.

عبد الله صخي: محيّر حقا هذا الاهتمام بالرواية ليس داخل العراق فقط بل في خارجه

عن شيوع السرد الروائي في العقدين الأخيرين في العراق بلغ حدا نافس الشعر على عرشه.. هذه اليقظة الروائية المفاجئة، ماذا قال عنها الروائي عبد الله صخي:

- محيّر حقا هذا الاهتمام بالرواية ليس داخل العراق فقط بل في خارجه. هذا الشيوع الهادر بحاجة إلى دراسة نقدية انثربولوجية تكشف لنا أسبابه وخصائصه وأهميته الفنية. هكذا فجأة ما إن تغير النظام السياسي عام 2003 حتى اندفع الجميع لكتابة الرواية (بمن فيهم ربات البيوت) وكأن النظام السابق كان مسؤولا عن كتمانها. ربما كانت الحرية النسبية القصيرة التي تلت ذلك أحد أسباب هذه الظاهرة، ثم سهولة النشر بعد غياب الرقابة، وتطور وسائل الاتصال التكنولوجية، وتراجع الدراسات النقدية الجادة المخلصة للأدب وليس إلى الصداقة. لاحظت أن هناك "ناقدا" لا يهتم إلا برواية واحدة لصديقه! كل تلك العوامل ربما هي التي أدت إلى فيضان ورقي في أغلب الأحيان. السؤال هو: هل تطورت الرواية لدينا بهذا الكم الهائل؟ شخصيا لا أظن. هناك استخفاف بهذا الفن الصعب الذي بحاجة إلى موهبة حقيقية ومعرفة حقيقية. أمام الحركة النقدية اليوم مهمة عسيرة هي دراسة هذا النتاج وتصفيته. نعم أستطيع أن أتوقف عند روايات مثل "مقتل بائع الكتب" لسعد محمد رحيم، "السيد أصغر أكبر" لمرتضى كزار، "طشاري" لأنعام كجه جي، و"مطر الله" لهدية حسين.

احمد عبد الحسين: الرواية تتقدم لكن ليس على حساب الشعر

وفي سؤالنا للشاعر أحمدعبد الحسين عن رأيه في أن الشعر تخلى عن صولجانه لصالح الرواية، وخاصة في العراق الذي شهد في العقدين الأخيرين سيادة تكون مطلقة على غيرها من الاجناس الأدبية، ما رأيك. إن كان هذا الانطباع صحيحا ما السبب في رأيك؟

أجاب الشاعر أحمد عبد الحسين:

- ليس للشعر صولجان. هناك مفارقة وهي أن الشعر يزدهر تداوله حين يمرض، حين يكون منشغلاً بغرض سياسي أو اجتماعي، أو لنقل حين يكون ذا نفع "بالمعنى الهيدغري". كان الشعر عند الجواهري مثلاً مرتبطاً بقضايا عامة وهذا سبب تداوله، ولا يمكننا اليوم الحديث عن انحسار الشعر بإطلاق. ألاحظ أن الشعر الشعبيّ وبدرجة أقل الشعر العمودي مزدهر مطلوب متداول وتتناقله الشفاه ومواقع التواصل، لأنه شعر متجذر في الغرضية. الذي ينحسر هو الشعر المصفى من كدورة الغرض كقصيدة النثر مثلاً، وهذا النوع من الشعر قليل القراء دائماً وأبداً. يدور في أبهاء دائرة مغلقة من الشعراء أو من في حكمهم من القراء المنشغلين به.

الرواية تتقدم لكن ليس على حساب الشعر. وهذا نبأ مفرح. نحن بحاجة إلى الرواية، بمعنى عميق نحن بحاجة إلى هذه الانتقالة من رواية الحدث كتاريخ أو كخبر صحفي إلى روايته كفنّ. شيوع هذه الممارسة سيغير وجه الثقافة. لدينا فيض أحداث لا نعرف ما نصنع بها، ولدينا فائض مشاعر بعون من الشعر، حاجتنا لمن يقص علينا حكايتنا لا كتاريخ ولا كخبر صحفي عاجل بل أن يقدم لنا حياتنا كقطعة فنية مشغولة بعناية.

فلاح رحيم: العلاقة بين الرواية والشعر في ثقافتنا تحديداً من أهم المعضلات التي تواجهها الرواية.

ووضعنا الروائي والمترجم فلاح رحيم في قضية كون الرواية تسيّدت المشهد الأدبي العراقي خلال العقدين الأخيرين إلى حد أنها أزاحت الشعر عن عرشه ـ كما يرى بعضهم ـ علق رحيم:

- أعتقد أن العلاقة بين الرواية والشعر في ثقافتنا العربية والعراقية تحديداً من أهم المعضلات التي تواجهها الرواية. يبقى العراق بكل تاريخه الأدبي بلد الشعر والشعراء الكبار، أسماء الروائيين الكبار تعد على أصابع اليد الواحدة بينما الشعراء لا حصر لهم. هذه الحقيقة مهمة في فهم التحديات التي تواجه الرواية العراقية. هنالك من يرى أن الرواية بحاجة إلى الشعر لتتألق وتحقق وعدها الجمالي الباهر. ودعوى النص المفتوح بدلاً من الصنف الأدبي تنطوي على فتح أبواب الصنف الروائي أمام سائر الأصناف الأخرى وأهمها في حالتنا الشعر. شخصياً أرى أن لغزو الشعر للرواية نتائج سلبية تحدّ من قدرتها على الوفاء بوعدها الفارق. أول الاختلافات بين الشعر والرواية يتصل بطبيعة اللغة المستخدمة في كليهما ووظيفتها. الشعر يضع ثقله في اللغة أساساً، وبحسب جان بول سارتر وميخائيل باختين الشعر لغة وفن لغوي أولاً. تحيل اللغة في الشعر القارئ إلى ذاتها، إلى تراكيبها وأصواتها وجمالياتها فكأنها في نزهة لعرض مفاتنها. للغة شأن مختلف تماماً في الرواية لأنها متورطة في وظيفة إخبارية تقذف بها بعيداً عن ذاتها وتجرح نرجسيتها. عندما نقرأ نصاً روائياً ونجد أنفسنا منصرفين إلى التمتع بجماليات نسيجه اللغوي غير أبهين بمحتوى اللغة نكون أقرب إلى الشعر منا إلى الرواية. لا يعني هذا أن الروائيين لا يتفوقون في أدائهم اللغوي. بينهم أعظم الناثرين في تاريخ الأدب، لكن استخدامهم اللغة يبتعد كثيراً عن افتتان الشعر بذاته. يبقى الروائي مشدوداً إلى مرجع نصه الواقعي يمنحه الأولوية ويتصرف في لغة السرد بما يتفق مع هذا الولاء للمرجع. لقد قطعت الرواية العربية رحلة شاقة من أجل تصفية نفسها من ثقل العبارة الموروثة عن حقبة سيادة الشعر في الثقافة العربية، يكفي أن نقارن لغات المنفلوطي وطه حسين وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف إدريس لنتلمس الحركة المطردة باتجاه تأهيل اللغة للعمل لحساب الرواية وحاجاتها.

صلاح حسن: ما يقال عن تسيّد الرواية وإزاحة الشعر مقولة وليست رأياً نقدياً

أما الشاعر صلاح حسن فأجاب عما يقال من أن الرواية أزاحت الشعر من مكانته لتتسيد هي ساحة الإبداع؟ والدليل ضخامة الانتاج الروائي في العراق في العقدين الأخيرين:

– لن يكون هناك بديل للشعر فهو يدخل في كل الفنون والآداب وما يقال عن تسيّد الرواية وإزاحة الشعر جانباً هي مقولة وليست رأياً نقدياً خصوصاً في العراق وكل ما في القصة هي أن العراقيين خرجوا من وضع الدكتاتورية ولديهم الكثير من القصص التي لم يستطيعوا كتابتها في زمن الدكتاتور وقد اتيحت لهم الفرصة الآن لكتابة هذه القصص المرعبة التي عاشوها في زمن الدكتاتور. الحرية المفترضة في عراق اليوم تتيح للجميع الكتابة دون رقيب طالما هناك دور نشر تقبض من هؤلاء الكتاب أو الروائيين الذين ينشرون رواية كل ستة أشهر. من بين كل هذه الروايات التي صدرت وهي كثيرة حقا لن تجد روايات مهمة تزيد على عدد أصابع اليد الواحدة.

خضير الزيدي: عناصر العيش لم تعد ملائمة ليحتويها الشعر كما كانت من قبل

فيما يرى الروائي خضير الزيدي في كون الشعر تنازل عن عرشه للرواية، خاصة في العراق:

* إن مكانة الشعر محفوظة في العلياء. لم أقل مجمّدة بل محفوظة. لكنَّ عناصر العيش لم تعد ملائمة ليحتويها الشعر كما كانت من قبل. نعم رب قائل يقول بأنَّ الشعر بات نرجسيا ومهتما كثيرا بذات الشاعر وجوّانيته العميقة، التي لا تهمَّ سوى الشاعر وحده. ثمة موسيقى شعرية وجماليات لغوية في القصائد هاجرت كطيور مهاجرة إلى السرد وباتت واحة الشاعر المحبّبة. القارئ غير معني بـتفاصيل "الذات المُنرْجَسة" للشاعر، ليذهب بعيدا ليصوّر من الداخل انفعالات الذات الشاعرة. نعم هناك قصائد وشعر عظيم يطربنا الجمال اللغوي ودقّة التصوير وترادف الصور الشعرية، ولكن سرعان ما يزول تأثيرها كأغنية لا نردّدها إلاّ لمرة واحدة فقط. ليس الشعر هو من تنازل عن عرشه، بل أنَّ حتّى الرواية الملحمية انتهى عصرها. لم يعد شكل الرواية الكلاسيكي / الملحمي متطابقا مع تطلّعات قارئ اليوم. حتى في السينما سيختفي تدريجّيا مقولة الفلم الكوميدي أو التراجيدي، بل هناك فلم مشوّق وعميق فيه الابتسامة اللطيفة والدمعة الراجفة معا.

أيضا فثمة أنواع جديدة من فنون الرواية ظهرت إلى السطح. هل تعلم أنَّ هناك من تقرأ رواية المطبخ أو الرواية البوليسية أو رواية الرعب؟ ولا تهتمّ كثيرا بأمّهات الروايات الخالدة والعظيمة. تلك تصنيفات جديدة تطابق أمزجة القرّاء في الغرب المتسارع الخطى وفي عالم اليوم. وستنتقل هذه العدوى قريبا لنجد هذه الأنواع من يهتمّ بها هنا.

بثينة الناصري: بعض روايات العقدين الاخيرين أن هناك خلطا عجيبا بين اليوميات والروايات

عن سؤالنا هذا أجابت الروائية بثينة الناصري:

خلال العقدين الأخيرين استطاعت الرواية بشكل خاص أن تزيح الشعر من عليائه في العراق، حيث يصرح الناشرون أن دور النشرتستقبل الكثير من الروايات على النصوص الشعرية.؟

استطعت قراءة بعض روايات العقدين الاخيرين واعتقد ان هناك خلطا عجيبا بين اليوميات والروايات التي صدرت حتى ان بعضها وصف بأنه (رواية سيرية) وهو توصيف عجيب لأن الرواية خيال والسيرة واقع فما المقصود؟ لماذا لا يقولون انها (مذكرات) أو (سيرة حياة)؟ لماذا (رواية)؟ اعتقد لأن الجوائز تمنح للروايات فقط في كثير من المؤسسات المانحة للجوائز أو لأن القارىء يريد ان يهرب من واقعه الى عالم يقضي بين اوراقه ساعات وربما اياما وليس دقائق يقرأ فيها قصة قصيرة او قصيدة.

برهان شاوي:

ولأن الروائي والشاعر برهان بدأ كشاعر، وشاعراً يحسب له كثيرا، حتى إنه أصدرت ما يقرب من 7 مجاميع شعرية قبل ان تكسبه الرواية إلى جانبها، سألناه هل لأن للرواية فضاء أوسع قادر ان يلم بكل ماتريده، أم لأنه زمن الرواية كما يرى الكثير.. قال:

- مازلت شاعرًا. وقد توجهت إلى الرواية بروح الشاعر. لذا فالروح الشعري تهيمن على بنية السرد الروائي لديّ، بل الشعر يهيمن على عالمي السردي، لذا تكثر النصوص الشعرية في رواياتي...

أما عن سؤال الانتقال من الشعر إلى الرواية، لأن فضاءها أوسع من القصيدة، اعتقد في صحة هذا، ولأن بنية القصيدة تعتمد على الإيجاز في اللغة والتكثيف، بينما السرد الروائي يعتمد على البوح والاسترسال الطويل. ولقد عارضت مقولة المتصوف عبدالجبار النفّري المشهورة: (كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة)، بأنها تخص الشعر والبلاغة والأمثال والحكم، لكنها لا تخص السرد الروائي، وقلت: (كلما اتسعت الرؤية تفجرت اللغة وفاض الكلام).

هناك آراء عشوائية في عالمنا الأدبي، بعضها يقول إن الشاعر الذي يذهب إلى الرواية هو شاعر فاشل، وكذا الناقد الأدبي فهو فاشل في السرد والشعر لذا توجه لنقدهما، وهذا الأمر ينم عن جهل فاضح بتاريخ الرواية والشعر أيضا، لأن تاريخ الأدب العالمي بكل قومياته ولغاته يثبت أن معظم الروائيين كتبوا الشعر وانتقلوا إلى الرواية. وساضرب مثلا بروائييّن هما شاعران مجيدان أيضا، وهما ميلان كونديرا التشيكي، وبول أوستر الأميركي. وهما المرشحان الدائمان لجائزة نوبل في الآداب. فكونديرا حينما كان في تشكوسلوفاكيا أصدر أربع مجاميع شعرية، بينها نصوص تجريبة، وأعد من المجددين في الشعر، قبل أن يتحول إلى الرواية لاسيما بعد هجرته إلى فرنسا. وكذا بول أوستر، الذي يُعد من أفضل المترجمين للشعر الفرنسي إلى الإنكليزية، بل ونال جائزة البوليتزر على مجامعية الشعرية، قبل أن ينطلق ويعرف كروائي. وفي الأدب الروسي مثلا، يُعد بوشكين الهرم الأكبر في الشعر الروسي، لكنه أيضا من المؤسسين الأوائل للرواية الروسية من خلال رواياته القصيرة: إبنة الآمر، ملكة البستوني، دوبروفيسكي. وكذا الأمر مع السينمائي الإيطالي بازوليني، الذي لديه مجموعات شعرية عديدة، وكان يكتب الرواية أيضا ولديه مجموعة روايات أشهرها (أكتونا) التي أخرجها بنفسه كفيلم سينمائي. وكذا الأمر مع لورنس صاحب سلسلة الرواية الشهيرة: عشيق الليدي شاترللي، وغيرها، فقد كان شاعرا، وقد صدرت قصائده في مجلد ضخم. وهكذا كان أميل زولا الفرنسي، وفونتانه الألماني صاحب رواية (إيفا بريست)، ويمكنني أن أضرب المثل برابندرانات تاغور، بأنه كتب أجمل الروايات. ولو عرجنا على الرواية اليابانية لوجدنا إن معظم كتابها كانوا شعراء أيضا. وعربيا وعراقيا، باستطاعتي الإتيان بعشرات الأسماء الروائية أو الشعرية، على سبيل المثال لا الحصر: عبدالخالق الركابي، أحمد سعداوي، حميد قاسم، وعربيا، عباس بيضون، وأمير تاج السر. وغيرهم.

أما الحديث عن الأزمنة، فهذا ليس دقيقا. إذ إن انتشار الرواية أكثر من الشعر والفنون الكتابية الأخرى صحيح جدا. انتشار الرواية صار ظاهرة عالمية، ويمكن، على المستوى العربي، إلقاء نظرة بسيطة على وثائق جائزة كتارا القطرية، لفئات الروايات المنشورة ولغير المنشورة، فسنجد مئات الروايات المنشورة، وأضعاف ذلك من الروايات غير المنشورة، بينما لا نجد ذلك في الشعر مثلا. لكن هذا لا يعني أن هذا هو زمن الرواية وليس الشعر. ربما الرواية فعلا أكثر انتشارا من الشعر، لكن هذا لا يعني غياب الشعر أو تراجعه، وإلا لو نظرنا لمسألة الانتشار فقط، ونظرنا مثلا لانتشار الشعر الشعبي في مجتمعنا لقلنا إنه زمن الشعر الشعبي.

أنا أتحفظ على مسألة إزاحة الرواية للشعر عن عرشه. لكني من خلال حواراتي مع الناشرين العراقيين والعرب، اعرف جملتهم المعروفة (الشعر لا يباع، وليس هناك من يشتري كتب الشعر)، فمثلا يطلبون من الشاعر تكاليف الطباعة، بينما أحيانا يدفعون له من أجل نشر روايته أو يعطونه نسبة بسيطة من المبيعات. فما زال لدينا شعراء نقرأ لهم بمحبة: كالسياب، وسعدي، وسركون بولص، وعلي جعفر العلاق ومن المعاصرين، نقرا لنصيف جاسم، وحميد حسن جعفر، ولحميد قاسم، وعبدالعظيم فنجان، و.و.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram