ترجمة: عدوية الهلالي
مع ملحمة ريفية وعائلية في وقت واحد تجري أحداثها خلال فترة الحجر الصحي، يعمل الكاتب سيرج جونكور على الاحتفاء بالصلة بين الإنسان والطبيعة، وهكذا، يتردد صدى رواية سيرج جونكور الجديدة مثل قصيدة للحياة.
ويقدم جونكور في هذه الرواية التي تحمل عنوان (الدفءالانساني)والصادرة عن دار البان ميشيل للنشر تكملة لرواية (الطبيعة البشرية)، تلك الرواية الجميلة جدًا التي أكسبته جائزة فيمينا للأدب لعام 2020، عام الحجرالصحي. فقد كانت تلك الفترة بالتحديد هي بمثابة إطار لها: ففي مواجهة خطر الوباء، تجد عائلة مشتتة تتكون من الوالدان المزارعان والابن الاكبر ألكسندرالذي بقي معهم، والأخوات اللائي قضين حياتهن في مدن باريس، وتولوز وروديه، نفسها متحدة رغمًا عنها في المزرعة الأصلية. وهذه فرصة دسمة للكاتب ليقدم مشاعر انسانيةحقيقية، اضافة الى صورة مذهلة لريف فرنسا (ولكن أيضًا، ضمنيًا، لصور المدن) في القرن الحادي والعشرين حيث تحتل القضايا البيئية واجهة القضايا المصيرية.
ويمكن القول ان مهن ابطال الرواية تشير الى المجتمع ككل، فاحدى الاختين معلمة، والثانية تعمل في التقنيات الحديثة وعلاوة على ذلك، كما تعمد الكاتب ان يكون تواجدهما في تولوز وباريس وروديه، وهي ثلاثة نماذج للمدن داخل بلد تسحق فيه العاصمة كل شيء. أما حالتهما الاجتماعية فواحدة مطلقة، وأخرى ما زالت متزوجة، وكل هذا منسوخ من الحياة! وبالنسبة لزوجها، فهو في المقام الأول من جماعة"السترات الصفراء"، ولكنه أيضًا تاجر يدير مقهى ويريد استئناف عمله. اذن، كان هناك نوع من الغضب المشتعل، وفي الوقت نفسه، تلك الحاجة إلى العثور على الذات.
أما شخصية الاخ الاكبر الكسندر فهو منشق مناهض للطبقة، على عكس أخواته، وشخص يرى في الزراعة مهنة المستقبل التي تستحق الاهتمام والاحترام خاصة بعد ظهور مشاكل المياه والجفاف والاحتباس الحراري إذ صارالحديث عن الحاجة الى القمح على سبيل المثال أمرا مهما. اذن، فالرواية تعبر عن اهتمامات الكاتب البيئية فهو يعيد اختراع الواقع–كما يقول-لإن هدف الرواية الأساسي ليس التعبيرعن الأحاسيس فقط بل رؤية المناظر الطبيعية والنباتات وهي تتحول، فتصبح أوراق الشجر أقل كثافة، وتصبح الطيور أكثر ندرة بسبب الظواهر البيئية. يقول الكاتب: " إن قراءة تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ حول الانحباس الحراري العالمي تميل إلى جعل الكوارث البيئية مجردة. لكننا نرى أشجار البقس دائمة الخضرة،ورمز الخلود، تموت بالآلاف بسبب فراشة من آسيا... لقد ذكّرنا فيروس كورونا بأننا كنا أحد العناصر الفاعلة في هذا النظام البيئي تمامًا مثل الخفافيش في أعماق لاوس... ونحن نعتمد على هذه البيئة التي قمنا بتعديلها كثيرًا لدرجة أننا نواجه مشكلات خطيرة –وقد يكون هناك أوبئة أخرى - وهذه هي الأشياء التي يجب أن آخذها في الاعتبار، على عكس الكتاب الذين ليس لديهم ما يدعو للقلق "...
ويؤكد جونكوربأنه يكتب لإصلاح الذكريات عندما نميل إلى نسيان كل شيء،فالرواية هي راسب للواقع والحياة والتاريخ. ويمكنالقول إنهيقوم بالتوثيق، مع الاهتمام باللغة أيضًا من باب الرغبة الشخصية والبحث الجمالي، ولكن من دون أن يكون هذا البحث أولوية. انه يحرص على وصف السمكة الذهبية في قاع الماء حيث تغمس الأبقار رؤوسها للشرب مع انعكاس الشمس وكأنه يرسم لوحة طبيعية.
والكاتب سيرج جونكور روائي وكاتب سيناريو فرنسي ولد في عام 1961 في باريس ودرس الفلسفة في الجامعة. نُشرت روايته الأولى UV عام 1998. ومن أبرز كتبه) الكاتب الوطني) الذي فاز بجائزة (دوماغو)، ورواية (اعتمد علي) التي فازت بجائزة انتيرالييه، و(الكلب الذئب) التي حازت على جائزة لانديرنو للكتاب وتم ترجمتها الى اللغة الانكليزية، ورواية (الطبيعة البشرية) التي نالت جائزة فيمينا لعام 2020.. كما كتب العديد من السيناريوهات للافلام السينمائية ومن اهمها سيناريو فيلم (كان اسمها سارة) من بطولة كريستين سكوت توماس والذي عرض عام 2011.
