حيدر المحسن
(ندى مغيزل نصر) أستاذة في العلوم التربوية في جامعة (القديس يوسف) في بيروت، ولديها خمسة مؤلفات باللغة الفرنسية، بالإضافة إلى كتاب "أشياء بسيطة"، مطبوعها الوحيد بالعربيّة. مجموعة مقالات قصيرة لا يتجاوز أغلبها 200 كلمة،
لكن فيها من فيض الحنان والأفكار ما يملأ الساعة التي جمعت بين كونفوشيوس والرجل الحكيم، وأوحت له أن يعادلها بعشر سنوات من القراءة. وحدهم الطوباويون قادرون على إغاثة البشر، والمؤلفة امرأة طوباوية: "كي تربّي مراهقين، عليكَ أن تجيدَ الرقص. عليك أن تعرف، كما على الحلبة، متى تقترب من شريكك ومتى تبتعد عنه. متى تنظر إليه ومتى تتظاهر بالعكس، بينما تتبع كلّ حركة من حركاته".
تعود المؤلفة مع الفتاة المراهقة إلى طفولتها في مقالة (الأمهات والمصّاصة): حاول الوالدان كل شيء في سبيل أن تتخلى الطفلة عن هذه الأداة الملهّية، وباءت جميع المحاولات بالفشل. لكن أبناءنا هم نحن بالصورة القريبة، تركت الابنة المصّاصة من تلقاء نفسها عندما أنجزت الأم التي تعمل صحافيّة، فيلما هو بالنسبة إليها تحدٍّ كبيرٌ. لقد ساعد هذا النّجاح في نموّ الأم، وسمح لها بتخطّي مخاوفها، وباكتساب ثقة أكبر بنفسها. في ذلك اليوم غادرت الابنة طفولتها، وتخلّت عن عادة ملازمة للطفولة دون عقاب أو ثواب. نحن وأبناؤنا إذن صورتان في مشهد واحد، الألوان ذاتها، واللّطخة تنوشنا معا في اللحظة نفسها، وكذلك الخطوط في المشهد، وكلّ التفاصيل في حياة أبنائنا هي صورة مماثلة لنا، معكوسة كأنما في مرآة.
أيّ ثمن باهظ يدفعه المرء حتى تتّضح له السعادة الحقيقية في الوجود، عندما يجد نفسه عضوا في عائلة متماسكة بواسطة الحبّ؟ ويبلغ هذا بين أفراد العائلة أن الجدّ والجدّة يكبران دون أن يشيخا: "لحسن الحظّ أننا نحتوي أهلا. نحبّ ظهور التجاعيد على وجوهنا، كما نظر الأهل إلى ظهور أول سنّ في صغرنا". عنوان المقالة هو: (لا نصبح يتامى عند موت أهلنا)، تتكرّر فيها عبارة (لحسن الحظّ أننا نحتوي أهلا) تسع مرات، وفي كلّ مرة يكتشف القارئ نوعا جديدا من السّعادة على الأرض لم يجرّبه من قبلُ، مع أنها ممّا يصحو عليه كلَّ يوم، ويبيت عليه كذلك: "لحسن الحظ أننا نحتوي أهلا لنبقى أولادا لحسن الحظ أننا نحتوي أهلا فلن تصبح حياتنا مشرّعة أو مجرّد ممّر في حياة الآخرين".
كلّ فرد في العائلة يخرج من ذاته في اتّجاه الآخرين فيكونوا عندها هم النعيم، وتسمّى الدار عندها الجنّة، ونشكر (ندى مغيزل نصر) كثيرا لأنها تصف لنا تفاصيل ما يحدث في هذه الدار، جاءت بها من تخوم طفولة وصبا غربت شمسه. ويشهد البيت الواحد ولادة أطفال عديدين ووفاة عُجّز عديدين كذلك، ولا يوجد مدار واحد لكلّ فرد في البيت، الكلّ يمثّل الجزء، وهذا صورة من الكلّ، وتدخل الحياة مدارا قطبيّا مشتركا قوامه حبّ عظيم،مع نظام قِيم توارثته الأجيال عن بعضها، ومن أول هذه القيم "الحق في السعادة". يأتي الطفل إلى الدنيا ويولد معه في الوقت نفسه جميع أفراد العائلة. "يجب إعلام الطفل بهذا الأمر حين يكبر. ويجب إعلامه كيف عاش كلّ من هؤلاء الأفراد حدث ولادته. هذه المعلومة تؤثر في طريقة اندراجه في العائلة وفي العالم".
الحقّ في السعادة يتساوى فيه الجميع في البيت السعيد. هذه المقالة تحمل عنوانها في آخر سطر فيها: كان الشابّ طويلا ضخم البنية، مولعا بالعلوم والاقتصاد، ولم يكن الأدب محور اهتمامه، ولا قصص الحبّ. كان عليه أن يخضع لفحص طبّي وأن يتغيّب عن المدرسة يوما واحدا. طلب من أمه أن لا يكون هذا اليوم الأربعاء، لأنهم يقرؤون في الصفّ مسرحية "فادر" لراسين، وهو لا يريد أن يفوّت عليه هذهالفرصة. ماذا يقول راسين للمراهقين، فكانوا يحرصون على دروسه؟ انتهى المقال، والمقصود به ليس الشّابّ بالطبع، إنما هو الشاعر والكاتب المسرحيّ، العبقريّ راسين، الذي استطاع حجز مكان له في قلوب الشباب اليافعين وأذهانهم.(ندى مغيزل نصر) أستاذة في العلوم التربوية في جامعة (القديس يوسف) في بيروت، ولديها خمسة مؤلفات باللغة الفرنسية، بالإضافة إلى كتاب "أشياء بسيطة"، مطبوعها الوحيد بالعربيّة. مجموعة مقالات قصيرة لا يتجاوز أغلبها 200 كلمة، لكن فيها من فيض الحنان والأفكار ما يملأ الساعة التي جمعت بين كونفوشيوس والرجل الحكيم، وأوحت له أن يعادلها بعشر سنوات من القراءة. وحدهم الطوباويون قادرون على إغاثة البشر، والمؤلفة امرأة طوباوية: "كي تربّي مراهقين، عليكَ أن تجيدَ الرقص. عليك أن تعرف، كما على الحلبة، متى تقترب من شريكك ومتى تبتعد عنه. متى تنظر إليه ومتى تتظاهر بالعكس، بينما تتبع كلّ حركة من حركاته".
تعود المؤلفة مع الفتاة المراهقة إلى طفولتها في مقالة (الأمهات والمصّاصة): حاول الوالدان كل شيء في سبيل أن تتخلى الطفلة عن هذه الأداة الملهّية، وباءت جميع المحاولات بالفشل. لكن أبناءنا هم نحن بالصورة القريبة، تركت الابنة المصّاصة من تلقاء نفسها عندما أنجزت الأم التي تعمل صحافيّة، فيلما هو بالنسبة إليها تحدٍّ كبيرٌ. لقد ساعد هذا النّجاح في نموّ الأم، وسمح لها بتخطّي مخاوفها، وباكتساب ثقة أكبر بنفسها. في ذلك اليوم غادرت الابنة طفولتها، وتخلّت عن عادة ملازمة للطفولة دون عقاب أو ثواب. نحن وأبناؤنا إذن صورتان في مشهد واحد، الألوان ذاتها، واللّطخة تنوشنا معا في اللحظة نفسها، وكذلك الخطوط في المشهد، وكلّ التفاصيل في حياة أبنائنا هي صورة مماثلة لنا، معكوسة كأنما في مرآة.
أيّ ثمن باهظ يدفعه المرء حتى تتّضح له السعادة الحقيقية في الوجود، عندما يجد نفسه عضوا في عائلة متماسكة بواسطة الحبّ؟ ويبلغ هذا بين أفراد العائلة أن الجدّ والجدّة يكبران دون أن يشيخا: "لحسن الحظّ أننا نحتوي أهلا. نحبّ ظهور التجاعيد على وجوهنا، كما نظر الأهل إلى ظهور أول سنّ في صغرنا". عنوان المقالة هو: (لا نصبح يتامى عند موت أهلنا)، تتكرّر فيها عبارة (لحسن الحظّ أننا نحتوي أهلا) تسع مرات، وفي كلّ مرة يكتشف القارئ نوعا جديدا من السّعادة على الأرض لم يجرّبه من قبلُ، مع أنها ممّا يصحو عليه كلَّ يوم، ويبيت عليه كذلك:
"لحسن الحظ أننا نحتوي أهلا لنبقى أولادا لحسن الحظ أننا نحتوي أهلا فلن تصبح حياتنا مشرّعة أو مجرّد ممّر في حياة الآخرين".
كلّ فرد في العائلة يخرج من ذاته في اتّجاه الآخرين فيكونوا عندها هم النعيم، وتسمّى الدار عندها الجنّة، ونشكر (ندى مغيزل نصر) كثيرا لأنها تصف لنا تفاصيل ما يحدث في هذه الدار، جاءت بها من تخوم طفولة وصبا غربت شمسه. ويشهد البيت الواحد ولادة أطفال عديدين ووفاة عُجّز عديدين كذلك، ولا يوجد مدار واحد لكلّ فرد في البيت، الكلّ يمثّل الجزء، وهذا صورة من الكلّ، وتدخل الحياة مدارا قطبيّا مشتركا قوامه حبّ عظيم،مع نظام قِيم توارثته الأجيال عن بعضها، ومن أول هذه القيم "الحق في السعادة". يأتي الطفل إلى الدنيا ويولد معه في الوقت نفسه جميع أفراد العائلة. "يجب إعلام الطفل بهذا الأمر حين يكبر. ويجب إعلامه كيف عاش كلّ من هؤلاء الأفراد حدث ولادته. هذه المعلومة تؤثر في طريقة اندراجه في العائلة وفي العالم".
الحقّ في السعادة يتساوى فيه الجميع في البيت السعيد. هذه المقالة تحمل عنوانها في آخر سطر فيها: كان الشابّ طويلا ضخم البنية، مولعا بالعلوم والاقتصاد، ولم يكن الأدب محور اهتمامه، ولا قصص الحبّ. كان عليه أن يخضع لفحص طبّي وأن يتغيّب عن المدرسة يوما واحدا. طلب من أمه أن لا يكون هذا اليوم الأربعاء، لأنهم يقرؤون في الصفّ مسرحية "فادر" لراسين، وهو لا يريد أن يفوّت عليه هذهالفرصة. ماذا يقول راسين للمراهقين، فكانوا يحرصون على دروسه؟ انتهى المقال، والمقصود به ليس الشّابّ بالطبع، إنما هو الشاعر والكاتب المسرحيّ، العبقريّ راسين، الذي استطاع حجز مكان له في قلوب الشباب اليافعين وأذهانهم.