طالب عبد العزيز
إطلاق اسم الفنان الكبير فائق حسن على المجسر الجديد ببغداد فعل من أفعال العقل والمنطق، التي تحسب لصالح حكومة السيد السوداني، وهذه بادرة خير في التحول المديني، سبقتها الحكومة المحلية في البصرة بإطلاق اسم الاديبين محمد خضير وكاظم الحجاج، على شارعين في المدينة، ولا يقع تمثال الشاعر موفق محمد في بابل خارج التفكير العملي هذا، الذي يقضي ببعث الروح الوطنية، عبر قناة الثقافة في ضمير الشعب التي مزقتها الاديان والمذاهب والطوائف والحروب بالنيابة وغيرها.
تختلف الشعوب على الزعامات السياسية، وتزداد نسب الحب والكراهية بين شخصية وأخرى، وبين نقطتي اليمين واليسار يتأرجح كثيرون، ممن اختلفوا على هذا وذاك، وهو امر طبيعي في السياسة، وفي الاقتصاد ربما، وباقي مفاصل الحياة المادية، لكنها لا تختلف على قيم الفن والجمال والشعر والموسيقى، فهذه أدوات محايدة، لا تؤثر فيها الميول ولا الاتجاهات، ورأينا خلود امرئ القيس والمتنبي والجاحظ وناظم الغزالي ومائدة نزهت ووو في ضمائرنا، ولم تنل من بريق اسمائهم وافعالهم تقاطعات الحياة، ولا بنادق المحتربين. كان وزير المستعمرات البريطاني يقول:" بأن حكومة جلالة الملكة اليزابث فخورة بانها تصدر الى العالم أرقى المكائن والمعدات ومعها شكسبير".
ربما يرى البعض بأننا لم نخلق في ثقافتنا وأدبنا من الاسماء الى ما يرقى الى الافعال تلك، وأنَّ ثقافتنا عاجزة عن استيعاب مثل هكذا تسميات في شوارعنا وساحاتنا العامة، وهو قول مردود، لا قيمة له، ذلك لأننا لم نسوّق مثقفينا كما يجب، وأنَّ أسماءهم واعمالهم تم تجاهلها بفعل ممنهج وقصدي، لصالح كل ما هو ديني وطائفي ومذهبي ومحترب في حياتنا، إذْ لم تأخذ الاسماء التي فرضتها على أعيننا بعضُ الجهات أهميتها وشيوعها من كونها فاعلة، ومؤثرة في الحياة، لكنَّ الاصرار على وجودها هناك هو الذي منحها حق الشيوع والتسيد. هناك العشرات والمئات من الصور التي تصادفنا يومياً ولا نعرف تواريخ ومنجزات أصحابها، ولم نقف على شيئٍ عن أعمالهم، لكنها لم تكن لتوجد وتكتسب شرعية وجودها خارج الرافعات الدينية والطائفية التي تقف وراءها.
نعلم أن وجود أمثال هؤلاء هو وجود آني، مرهون بوجود القبضة الحديدية التي تفرضهم، وأنَّ البقاء للأصلح، كما تقول القاعدة الحياتية، إلا أنَّ ذلك يضرُّ بمصلحة البلاد، ويبقي على الكراهية والبغضاء في النفوس، لأننا مجتمع متعدد الطوائف، ومختلف المشارب والاهواء، وعدد الذين ينشدون الحياة فيه يفوق عدد الذين مازالوا يرددون نشيد الموت، وسنن الوجود ترجّح كفّة الصفح والعفو والعيش الآمن المشترك. ذات يوم ستنتهي الحاجة الى أمثال هؤلاء، فلماذا نضع العصيَّ بعجلة التحول والتطور الانساني والمديني، لماذا لا نقدم رموزنا التي لا يختلف عليها أحد، بدلاً عن الرموز المختلف عليها عقائديا وطائفيا؟
لا يستجيب الجنديُّ السنيُّ لنداء من يقول: دافعوا عن وطن جعفر الصادق، ومثله لن يستجيب الجندي الشيعي إذا سمع نداء يقول: دافعوا عن وطن ابي حنيفة، لكنهم سيدافعون مشتركين، ومن خندق واحد إذا سمعوا نداء يقول دافعوا عن العراق! لم نسأل ونحن طلاباً عن هوية الاب الكرملي ومعروف الرصافي والزهاوي و الكاظمي والجواهري والسياب ونازك الملائكة... ممن صنعوا ثقافتنا والجانب المشرق من هويتنا، ولولا النبش القميء الذي قام به زعماء حروب الطوائف لما عرفنا عن معتقداتهم شيئاً. في المدن التي نزورها نقرأ اسماء ادبائها وموسيقييها وفنانيها في لوحات التعريف بالشوارع والساحات، فكانت مدعاة لنا للبحث عن نتاجهم في مشغل الجوكل، وكثيرا ما نقع على الجميل والعظيم من كتبهم ومؤلفاتهم، ترى على ماذا سيقع المتصفح العراقي إن بحث عن عشرات الصور المعلقة في شوارعنا اليوم؟
جميع التعليقات 1
عدي باش
نردد عند رؤية صور السياسيين التي تلوث مدننا قولاً للإمام علي : لا مرحبًا بوجوهٍ لا تُروى إلا بعد كلُ سوءةٍ