المدى
صدر رواية للناقد والروائي عبد الكريم قادري بعنوان (حقيبة واحدة لا تكفي)، تنقل الرواية وقائع قبل أسابيع قليلة من استقلال الجزائر سنة 1962،
من خلال تتبعها يوميات جاك، وهو مدرّس فلسفة في العقد الرابع من العمر، متزوج من ابنة رجل ثري،ومن خلال مكالمة هاتفية واحدة تغيّرت حياته رأسا على عقب، إذ طُلبَ منه المتصل الانخراط في "منظمة الجيش السري" التي تهدف الى التشويش والتخريب ورفض"إتفاقيات إفيان" الموقّعة بين فرنسا والجزائر لإنهاء الحرب.
عزلة جاك الاختيارية قبل تلك المكالمة لم تسمح له بأن يعرف ما يحدث في بلده الجزائر، لهذا تعمّق واقترب أكثر من مجتمعه ليفهم المشهد السياسي الساخن، وأكثر من هذا كان شاهد ميداني على عمليات انتقامية وتصفية وتخريب قامت بها المنظمة في حق الكثير من معارفه، لهذا رفض الانخراط فيها لتوجهها العنيف، خاصة وأنه فهم الكثير من الأشياء السياسية ولو بشكل متأخر، انطلاقا من صديقه القديم الصحفي مايكل سانتوري الذي مات هو الآخر في تفجير مقر جريدته، لتتوالى الأحداث ويكتشف بأن يد زوجته كريستين ملطخة هي الاخرى بدماء الأبرياء.
تغيّرت حياة كريستين بعدها من النقيض الى النقيض حين عرفت أحد الأسرار التي ما كان يجب ان تعرفها، وهو الامر الذي جعل زوجها يعطيها فرصة ثانية لتراجع حياتها ومواقفها وعلاقتها مع محيطها، لكن مع تزايد عمليات الانتقام من "الجيش السري"انتشرت الأحقاد في المدينة، ولم تعد كما كانت سابقا، عامرة بالأفراح والمباهج، أصبحت شوارعها بلا روح، وتحولت لساحات اقتتال وتصفية، جعلت الآلاف من الفرنسيين يتركونها ويتوجهون لمارسيليا خوفا على حياتهم، وهو ما حدث مع جاك الذي أرعبوه حين علّقوا على شجرة الخرّوب المقابلة لبيته جثة حركي، ليفهم هذه الرسالة الدموية ويرحل من أرض حملت ذاكرته وذكرياته، لكن عندما يصل الى فرنسا تنكشف له العديد من الأسرار التي لم يكن ليتخيلها، واكثر من هذا لم يجد ما كان ينتظره، ليحس وقتها بأنه فقد الوطن الذي كان فيه وأصبح لاجئاعلى أراضي أجداده القدامى.
رواية "حقيبة واحدة لا تكفي" من الأعمال الأدبية النادرة جدا، لأنها ذهبت صوب الأقدام السوداء، واعطتهم مساحة ليعبروا من خلالها عن علاقتهم بالجزائر، ونظرتهم الى الثورة وفرنسا الأم، اضافة الى سرد مآسيهم واحزانهم خلال الهجرات الكبيرة التي تعرضوا لها قبل الاستقلال بشهور.
وفي فصل من الرواية:"كانت أصابعي تتحرّك بخفّةٍ على لوحة مفاتيح الآلة الكاتبة كراقصات باليه، تنساب الكلمات على الورقة دفعةً واحدةً،وكأنّ طيفًا خفيًّا يملي عليّ ماأكتبه،أحسست حينها بعظمة الأفكار التي دوّنتُها، كأنّها كلمات إله،أملاها ملاكٌ على نبيّ. كانت أصابعي ترتعش كلّما وقعت على لوحة المفاتيح. ورغم ارتفاع ضجيج النقرات، لم أكن أسمع سوى صوتِ شهيقي وزفيري.