ميعاد الطائي كاتبة إذا ما أردنا ان نؤسس لدولة حديثة في العراق علينا ان نتجاوز الكثير من الممارسات والمفاهيم الخاطئة والتي تعد من الموروث الاجتماعي والسياسي الذي ورثناه عبر العقود الماضية من خلال أنظمة استبدادية لم تكن تؤمن بالمفاهيم التي تمكننا من بناء تلك الدولة . ولقد غابت عن الدولة العراقية أهم الأسس المهمة التي تقوم عليها مثل هذه التجربة.
ومنها ترسيخ مفهوم المجتمع المدني وحقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية التي تتحقق من خلال انتخابات ديمقراطية تجعل الشعب المصدر الأول للسلطات وضرورة الفصل بين هذه السلطات التشريعية والتنفيذية منها والقضائية ,وكذلك ضرورة التزام السلطة بالدستور وبالقوانين التي تحكم البلاد .ولقد كان مفهوم الدولة وما زال في العديد من الدول النامية عبارة عن رئيس يحكم البلاد لعقود من الزمن ينظر اليه الشعب على انه المنقذ والبطل الخارق ويختصر جميع الرموز الوطنية فيعتبرونه رمز السيادة والكرامة لذلك لا يحبذون تغييره فيجددون له البيعة كل مرة في طقوس دكتاتورية و بغياب كامل للديمقراطية عن المشهد السياسي والاجتماعي العام وبغيابها غابت فرص بناء الدولة الحديثة وغاب دور المواطن في عملية البناء وتحول الى مجرد متلقٍ لمفاهيم يفرضها النظام وفكره الاستبدادي الضيق .ولقد وجد العراق نفسه أمام تحديات حقيقية عندما تخلص من النظام الشمولي بعد 2003 وتوجهت إليه الأنظار من كل مكان لترى إمكانية نجاح تجربته الديمقراطية وهل يتمكن من التخلص من موروثه السابق ويتجه لبناء دولة حديثة تسودها مفاهيم الحرية والديمقراطية وسيادة القانون في دولة مدنية يزدهر فيها المجتمع المدني بعد أن شهد العراق على مدى سنوات طويلة عسكرة المجتمع من خلال أنظمة عسكرية تقود البلاد حتى في تفاصيله المدنية حيث كان معظم رؤساء الدوائر بضمنهم المحافظ ومدير الناحية وكل المسؤولين في الدوائر المدنية هم ضباط كبار في الجيش وان لم يكونوا كذلك فهم يرتدون الزي العسكري في دوائرهم ومدارسهم في تكريس للطابع العسكري التقليدي المتعصب الذي يرسخ مبدأ الولاء للانتماءات الضيقة كالولاء للحزب او لشخص القائد , الأمر الذي يؤدي الى غياب مفهوم المواطنة الحقيقية والتي تعد من ركائز الدولة الحديثة؟ومن الجدير بالذكر ان التجربة العراقية تواجه الكثير من الصعوبات في طريقها لبناء دولة مدنية حديثة ومنها ان الإرهاب والعنف في البلاد يشكلان عائقا أمام الإصلاحات السياسية والاجتماعية لذلك نجد ان الدولة قد أعطت الأولوية لتحقيق الأمن الذي يعد مهما لتوفير الأجواء المناسبة لكل التفاصيل الأخرى بدل ان تعمل على توفير مستلزمات الدولة الحديثة.ومن المعوقات الأخرى هو تكريس الانتماءات الضيقة وتقديم الولاء للدين أو المذهب أو القومية على الولاء للوطن .ومن المؤسف إننا لا نجد هذا لدى المواطن البسيط فحسب بل نجده للأسف لدى النخب السياسية والثقافية التي تعلقت هذه الانتماءات في ذاكرتها وحملتها معها من الحقبة الماضية وانه من الخطورة بمكان ان يحمل هؤلاء مثل هذه الأفكار والولاءات لأنهم أمل التجربة العراقية في نقل المفاهيم الجديدة إلى المجتمع الفاقد للثقافة الديمقراطية باعتبارهم قادته وممثليه. ولابد من الإشارة الى ان دور التثقيف والتوعية لا يتوقف على هؤلاء فقط إنما يتحمل الجميع هذه المهمة وخاصة الإعلام الحر والنزيه الذي يجب ان يأخذ دوره في تبني المفاهيم الجديدة والعمل على إيصالها إلى المجتمع لكونه من أهم وسائل الاتصال وأسرعها والتي تجعل المواطن يتفاعل مع الحدث ويتعايش مع العصر .وكذلك لابد من دور مهم لمنظمات المجتمع المدني والتي لها الدور الأكبر في نشر المفاهيم الجديدة من خلال عقد الندوات لتثقيف المجتمع بضرورة استيعاب الديمقراطية بكل تفاصيلها ولكي نتمكن من بناء مجتمع مدني يكون رقيبا على سلطة الدولة ويساعدها في عملية الإصلاح الديمقراطي والاقتصادي والاجتماعي لتحقيق التقدم في إعادة البنى التحتية والانتقال بالعراق الى مصاف الدول التي حققت مفهوم الدولة الحديثة التي يكون فيها الدستور عقدا اجتماعيا بين المواطن والدولة حيث يتساوى فيها المواطنون ويعيشون بحرية بغض النظر عن انتماءاتهم او توجهاتهم وتكون الديمقراطية فيها مسخرة للنهوض بالوقع الاقتصادي والاجتماعي للبلد من خلال تنمية شاملة تتحقق في ظل هذه الدولة .
كيف يمكن بناء الدولة الحديثة؟
نشر في: 30 أغسطس, 2010: 05:53 م
جميع التعليقات 1
مصطفى عبدالله سمين
مساء الخير انا طالب ماجستير ولدي بحث مهم عن هذا الموضوع واحتاج للتواص مع الكاتب ميعاد الطائي