اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: مشاهدات من معرض الكتاب في القاهرة

قناطر: مشاهدات من معرض الكتاب في القاهرة

نشر في: 10 فبراير, 2024: 11:01 م

طالب عبد العزيز

زرتُ القاهرة مرتين، واحدة في العام 2013 ومصر تحت حكم الاخوان، وقبضة مرسي، بدعوة من دار اروقة للنشر، وثانية في مطلع شهر شباط 2024 وقد استعاد الجيش سيطرته عليها، وعبد الفتاح السيسي رئيساً، بدعوة من معرض القاهرة للكتاب.عقدٌ من الزمان يفصل بين زيارتين، لمدينة تتحول بشكل لافت، وهي واحدة من أهم حواضر الشرق، ومزدحمة، وضاجة، وصاخبة، ويقطنها أكثر من اربعين مليون انسان، ولا يكاد زائرها أن يرى من معالمها شيئاً، وأنَّى له الوقت والمطاولة والصبر!

قد لا يصحُّ أيُّ رأيٍّ عابر وسريع في تفكيك بنية مدينة كالقاهرة، ولن يحملَ أيُّ قولٍ الدقة العالية في فهم تركيبة مجتمع فيها، على الرغم من أنَّ الهمَّ العربيّ واحدٌ في شرقنا هذا، ولن يحتاج الكاتب الى عقد مقارنات تفصيلية بين بغداد والقاهرة ودمشق وبيروت إلا بحدود بسيطة، فما يعاني منه الانسان في مصر يعاني منه الانسان في العراق وسوريا وغيرها، لكنَّ الشخصية المصرية مختلفة الى حدٍّ ما، ولو شيئَ لنا التدقيق في الامر أكثر لعثرنا على نوع فريد من البساطة في فهم العيش وإن لم تخفَ مظاهر البرم والضجر والقنوط عند الناس.

من زار معرض الكتاب ووقف على الحشود البشرية الكبيرة التي ظلت تتوافد عليه سيكتشف جانباً من حياة الإنسان في المدينة الكبيرة هذه، وسيبتهج بمنظر الأسر المصرية، وهي تتزاحم داخل اروقة المعرض، أو وهي تنتقل من دار الى اخرى، ومن سقيفة الى ثانية، في المعرض المتاهة، الذي لن يُكتشفَ باسبوع قصير واحد. شخصياً كنت غير مصدقٍ الامر، لكنني حين وصلت الى قاطع الهيئة المصرية للكتاب- على سبيل المثال- لاقيت صعوبة بالغة في شقِّ طريقي الى الارفف، وأخذ ما أمكنني من الكتب، ومن ثم الى الكاشير.

لا شكَّ بأنْ ليس كل من دخل المعرض اقتنى كتاباً! وهو أمر يحدث في كل معارض الكتب، وربما كانت الفرجة ولقاء الاصدقاء ضمن مقاصد الذهاب، وهو طبيعي جداً، لكنْ، ألا نرى بأنَّ الكتاب كان السبب الاول في الحضور والتزاحم والمعاناة تلك؟ وأنَّ الالكترون لم يحسم شهية القراءة عند الجيل الجيديد، ولم تبدُ القضية عندي بحدود التظاهر بالمعرفة كذلك، أبداً، فقد رأيتُ طيفاً من الناس واسعاً، ظل يبحث عن الكتاب الذي جاء من أجله، وبشكل لافت، مع ضراوة ناب الحياة الذي أوغل باللحم والعظم، وصعوبة البقاء الحي في ظل الارتفاع شبه اليومي لتكاليف العيش.

سمعتُ بأنَّ توجيهاً حكومياً أمر ببيع الكتب الصادرة عن بعض الدور الحكومية بالسعر الرسمي القديم، وأن صدرت قبل سنين، ووجدتُ أنَّ سعر بعض الكتب، وعلى أهميتها، لم يتجاوز الـ 20 جنيهاً، وهو رقم متواضع جداً، إذا ما علمنا بأنَّ سعر وجبة طعام بسيطة في المعرض قد تتجاوز الـ 50 جنيه(كل 100 جنيه=2$) تقريباً، وهنا سنكتشف بأنَّ الحياة في مصر مختلفة ايضاً، فحكومة تعاني من ضغوط المال وهيمنة البنك الدولي وجملة المشاريع غير المكتملة وحاجة أكثر من 100 مليون انسان الى الخبز والخدمات والتعليم والصحة ووو لكنها لم تغفل الثقافة، التي لم تتأثر بشكل كبير بما تتعرض له البلاد، فقد بدا واضحاً أننا ازاء شعب غير مستغن عن تاريخه وثقافته وفلكلوره، فالروح المصرية حيةٌ ما تزال.

يحدثني صديق عائد من مؤتمر ثقافي عقد بإحدى العواصم الخليجية عن جمال وحداثة وتطور المدينة وعن العمارات الشاهقة والجسور، ومعه رحت سارحاً مقارناً بين مدينتين قد تكون القاهرة أو بغداد أو بيروت او دمشق واحدة منهن أما المدينة الثانية فهي التي وصفها الصديق، ولم أخف قرفي من مدينة حديثة بلا هوية، عربية، وإسلامية تزكمك فيها رائحة النفط والغاز ولا يزيد عدد سكانها على 400 ألف نسمة وبين مدينة مثل القاهرة تحدثك كل حجارة في شوارعها عن معنى من معاني العربية والأثر وصدى العظمة، وتفغمك فيها رائحة الإنسان محمولا على أول عجلة صنعت قبل عشرات الآلاف من السنين، وبيده الواح الطين والرقم والقصبات حيث كتب الحرف الاول في التاريخ.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram