ستار كاووش
الجمال لا يكمن فقط في اللوحات والأعمال الفنية، بل هو أكثر إتساعاً ويشمل كل شيء في حياتنا تقريباً، واذا نظرنا حولنا بطريقة جيدة، فيمكننا أن نلاحظ الجمال في كل الزوايا، كما يمكننا أن نصنعه من كل الاشياء تقريباً.
لكن هذا لا يمكن أن يكون عفو الخاطر، بل علينا أن نمتلك عيناً جيدة وحساسية مناسبة لإيجاد بعض العلاقات بين الأشياء والأشكال والتفاصيل، حتى وإن بدت للكثيرين عادية ومألوفة. وبرأيي الشخصي إن أحد الأشياء الأساسية التي نكتسبها من العمل الفني، هي المتعة التي نحصل عليها أثناء تفاعلنا معه. فسواء كان الجمال ينبع من لوحة مثل (الحراسة الليلية) أو من طابع بريدي صغير، أو حتى من قرط تتزين به سيدة عابرة فالأمر هنا لا يخلو من المتعة التي تبثها هذه الأعمال. ولأني أضع المتعة في مقام رئيسي بالنسبة للابداع، وأراها مرادفة للجمال، فهذا كان سبباً كافياً لجعلي أتوقف وسط متحف الفنون بمدينة هامبورغ، حيث جلبتْ إنتباهي مجموعة من صور بدت كإنها لشخصيات بعض الدمى والرسوم المتحركة، وحين إقتربتُ من مدخل القاعة المحاط بالصور، إكتشفتُ إنها تعود لشخصيات المسلسل الشهير (شارع سمسم) والمعروف عندنا تحت إسم إفتح ياسمسم. فتوجهتُ مباشرة نحو الفتاة الجالسة خلف طاولة ملونة لمدخل القاعة وسألتها عن المعرض، فأكدت لي بأنه معرض يستمر الى نهاية الشهر، حيث تجد فيه الكثير من التفاصيل الجميلة التي تتعلق ببرنامج شارع سمسم. وهنا حاولتُ أن أسترخي قليلاً وسط هذه الشخصيات الفريدة. وما أن دخلتُ القاعة حتى وجدتُ نفسي وسط عالم غريب وساحر، حيث إنفتحتْ صالات صغيرة وغرف وأماكن جلوس وطاولات وملابس ملونة وغريبة كإنها جاءت من أماكن قصية، هنا ترى كل ما يتعلق ببرنامج الدمى الشهير، وتقف أمام الشخصيات اللطيفة بحجومها الطبيعية. ولا يخلو الأمر طبعاً من الكثير من الإكسسوارات وقطع الزينة والأدوات اليومية التي كانت تشتهر بها شخصيات شارع سمسم في عروضها الشهيرة، وحتى غرف النوم التي كانت تظهر في البرنامج، بُنيَتْ هنا بحجومها الطبيعية حيث ترقد بعض الشخصيات في سبات، حالمة بحلقات جديدة وممتعة من عروضهم الشيقة. وقد أخذت أغلفة عشرات المجلات التي صدرت عن البرنامج أماكنها على أحد الجدران، كذلك القصص التي صدرت حول بعض الشخصيات الطريفة، وبين كل هذا توزعت بعض التماثيل الملونة الصغيرة التي كانت تستعمل كهدايا أو تذكارات يحصل عليها الناس المتابعين للبرنامج. ياللجولة الممتعة وسط عالم من الدعابات والألوان والحكايات التي اشتهرت بها هذه الدمى التي يعرفها القاصي والداني.
لكن الأمر لم ينتهِ عند هذا الحد، فبعدَ أن صرتُ وسط القاعات الصغيرة المليئة بالألوان والحركة والدعابات، ظهرت أمامي يافطة استقرت على حافة (شارع) صغير يؤدي الى نهاية الجهة الخلفية من العروض، وقد كُتبَ عليها (شارع سمسم) وبجانب (الشارع) إنتصبَ عمود نور مماثل لتلك الأعمدة التي كانت تظهر في البرنامج. وهكذا سحبتُ خطواتي على هذه الجادة الصغيرة متأملاً الألوان والأشكال والمفاجئات الأخرى التي بانت على جانبي الطريق. وفي النهاية بانت في إحدى الزوايا مجموعة من القبعات والأوشحة وقطع ملابس ملونة واكسسوارات متنوعة يمكن لأي زائر استعمالها مؤقتاً داخل المعرض إن كان يرغب بالتشبه بالشخصيات التي تعجبه من عالم سمسم، فما كان مني سوى أن أَلِفَّ على عنقي شالاً أزرق فاقع، واضع على رأسي قلنسوة برتقالية، مع بعض التفاصيل الصغيرة الأخرى التي حاولت من خلالها أن أصبح جزءً من هذا الحفل البهيج.
إمتلأ المكان بناس من مختلف الأعمار، حيث جاءت الكثير من العوائل صحبة أولادهم وبناتهم ليعيشو أجواء الشخصيات التي أحبوها. وقبل خروجي من هذا الحلم الملون، إنتبهتُ في عمق الصالة مترامية الأطراف، الى جدار كبير أصفر اللون، توزعت فوقه عشرات الرسومات الصغيرة التي رسمها الأطفال الذين يزورون المعرض، إقتربت من الرسومات، فإنتبهتُ الى طاولات منخفضة وطويلة بذات لون الجدار ومحاذية له، وقد توزعت عليها الأقلام الملونة والاوراق، حيث يجلس الأطفال ويرسمون ما يحلو لهم، ويسلمون الرسومات لشابة عملها الوحيد هو تثبيت الرسمات بمتعة على الجدار. هنا يمكن مشاهدة كل ما يسر العين من الأشكال والألوان والدمى والرسومات… ويُضافُ الى ذلك المتعة التي أعتبرها أحد أسس الجمال.