ميسان/ مهدي الساعدي
ترتبط العديد من احياء ومناطق سكنية في مدينة العمارة مركز محافظة ميسان، بتاريخ يعود لحقب زمنية مرت على المدينة ومازالت تحمل بين طياتها ذكريات كثيرة يفوح منها عبق الماضي، ومنها منطقتا السرية والسراي التي تنبعث منها ذكريات العهد العثماني.
ويقول الاكاديمي منذر نعيم عن تاريخ المنطقتين، اللتين عدهما ابناء المدينة منطقة واحدة لتلاصقهما في حديث لـ(المدى) "تعد منطقتا السرية والسراي من اقدم مناطق مدينة العمارة، وغالبا ما يعتبرها ابناء المدينة منطقة واحدة وتعودان رسميا للعهد العثماني وتواجده في المدينة، ومن المرجح انهما كانتا منطقتين سكنيتين ولكن العثمانيين اطلقوا عليهما تسمياتهما المعروفة بهما للوقت الحالي". وأضاف، أن "محلة السرية تأسست عام 1871 وأطلق عليها اسم الوالي العثماني في ذلك الوقت سري باشا، وتعد واحدة من اقدم المناطق العمرانية في المدينة، اما السراي فهي مكان تجمع الجنود العثمانيين قرب سراي الحكومة العثمانية آنذاك، وموقعهما المهم في مركز المدينة اعطاهما مكانة متميزة".
مازالت تحتفظ منطقتا السرية والسراي بالعديد من البيوت القديمة والشناشيل، التي عكست بوجودها عمق التنوع الجنوبي والتعايش السلمي بين ابناء المدينة الواحدة، اذ سكنها المسلمون والصابئة وحتى اليهود في اربعينيات القرن الماضي، فضلا عن شخصيات سياسية وثقافية مهمة. من جهته، يقول الباحث والمدون المحامي حازم رزاق في حديث لـ(المدى) "كانت هناك منطقتان معروفتان في السرية والسراي في ذلك الحين، وهما السالمية وسميت نسبة إلى الحاج سالم محمود مهدي الدفاعي، والسوارية وكانت مكانا لوقوف خيول الشرطة العثمانية وتسمى الجندرمة، وتعد منطقتا السرية والسراي من المناطق التي تحتضن أحد تفرعات نهر دجلة شط العمارة ضمن كورنيش جميل ممتد على طول تلك المحلتين، قبل أن يتفرع ذلك النهر إلى شطي المشرّح والكحلاء كما توجد فيهما شناشيل قديمة جدا". وتابع: "مازالت منطقتا السرية والسراي زاخرتين بالعديد من البيوت القديمة والشناشيل، التي اعطتهما ميزة متفردة وخاصة عن غيرهما من المناطق والتي تعود الى سكنة المنطقة في ذلك الوقت، اذ سكنهما سابقا اليهود والمندائيون بالاضافة الى العديد من ابناء المذاهب الاسلامية، ومازالتا محتفظتين بتراثهما المعماري القديم وازقتهما الضيقة ودورهما المتلاصقة". وكما جرت عادة احتفاظ الاحياء القديمة بتسمياتها، تحتفظ منطقتا السرية والسراي بأسماء مازال يعتز بها ابناؤها، إذ يقول الحاج سلمان هادي احد سكنة المنطقة لـ(المدى) "تعد السراي اقدم مناطق مدينة العمارة، ومازالت بها اماكن تحتفظ بأسمائها القديمة، مثل دربونة السوامرة والدفافعة، وكان وجهاء العمارة يتخذون منها محلا للسكن وتعد من المناطق التاريخية ويفصل بين السرية والسراي شارع واحد، واغلب ساكنيها القدماء تركوها خصوصا بعد رحيل آبائهم وتفرقوا الى داخل وخارج العراق، وانجبت الكثير من الادباء والسياسيين".
وحفاظا على معالم المدينة وتاريخها، علت في الآونة الاخيرة اصوات المطالبين بالمحافظة على طراز المنطقة، التي اخذت تزحف عليها الحداثة خصوصا بعد هدم العديد من البيوت القديمة والشناشيل.
وبهذا الصدد، بين المهتم بالفولكلور الميساني مصطفى محمد لـ(المدى)،أن "منطقتي السرية والسراي حيين من احياء مدينة العمارة التي تمتاز بالارث التاريخي، الممتد لمئات السنين ابان الحقبة العثمانية التي اسست الكثير من مناطق وأحياء المحافظة، والتي مازالت شاخصة للعيان لغاية الان وينبغي الحفاظ على ذلك الموروث ليبقى شاهدا حيا، على عمق المدينة التاريخي وامتدادها الكبير".