اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > أسلوبان متعارضان للحياة

أسلوبان متعارضان للحياة

نشر في: 31 أغسطس, 2010: 05:31 م

أوس عز الدين عباسأفلحت تيارات العولمة في فرض نفسها على مظاهر الحياة اليومية، وتغيير الكثير من القيم والسلوكيات المتوارثة وفرضت قيم وأفكار جديدة مستوردة من المجتمعات الغربية، وقد خلقت التقارب بين الثقافات والشعوب المختلفة، والسؤال الذي يفرض نفسه علينا هنا هو: هل قضت تلك التغييرات الجذرية التي طرأت علينا وطالت كل شيء ،على الهويات الفردية والثقافية والاجتماعية لدينا؟
 والإجابة هنا ستكون  نعم  فلقد أدت كثافة الاتصالات إلى تقليص واختزال مفهومي المكان والزمان وكان لذلك آثار واضحة للتغييرات التي طرأت على شخصية الفرد ونظرته إلى نفسه والى الآخرين،وإعادة تشكيل العلاقات الإنسانية على أسس ومبادئ جديدة تعبر عن تراجع الفوارق المميزة للأفراد والجماعات ، وقد أصبح الإنسان المعاصر الآن يواجه وعلى جميع المستويات وشتى المجالات ،مشكلة البحث عن هوية في عالم تختلط فيه القيم والثقافات واللغات ، وتتعرض فيه الخصائص والمقومات المتمايزة لعوامل ومؤثرات تحاول ان تحل التشابه والتجانس محل الاختلاف والتغاير والتباين الذي عهدته الإنسانية من خلال تاريخها الطويل، وان ابسط هذه المظاهر هي التي تنشأ عن الهجرات البشرية الواسعة والتي تعتبر احد أهم متطلبات ونتائج العولمة ، وما يرتبط بها من تغييرات في التركيب السكاني والثقافي للمجتمعات التي تتعرض لتلك الهجرات .وهنا يجد المهاجرون أنفسهم أمام أسلوبين متعارضين للحياة ، فهناك من ناحية الممارسات اليومية والتي تقوم بالفعل بين الأفراد في المجتمع الجديد ،للتدليل على الرفض المبدئي لفكرة قبول واستيعاب الوافدين ، وهو أسلوب حياة يحاول التوافق والتلاؤم مع القواعد السلوكية والقيم المتعارف عليها في ذلك المجتمع الجديد ، وهو الذي يتعارض مع ما يمكن أن نطلق عليه بـ (أسلوب الانتماء) ، والذي يشير إلى الروابط بالمجتمع الأم عن طريق التمسك بقيمه ، لذلك فان هذه الازدواجية الناشئة عن الانتقال الواسع المدى لا تستمر الا مع الجيل الأول الذي حمل معه ذكريات الماضي ، والتي لا تلبث أن تختفي تدريجيا في الأجيال القادمة.. وعلى الرغم من اتساع مجالات المعرفة فإن التفكير يظل حبيس تلك الشاشة المحدودة المساحة التي تفتح له كل آفاق العالم الواسعة والمتنوعة ،وبينما يجد الإنسان نفسه مشدودا إلى تلك المساحة الصغيرة ومقيداً بالزمان والمكان المحدودين بحدودها ومرتبطا بالفضاء المعلوماتي الافتراضي ، وإذا بتلك المساحة نفسها تنقل إليه صورة من ذلك العالم الواقعي من ناحية، ومن الناحية الأخرى تفرض تغييرات جذرية ايجابية وسلبية على شخصيته وتفقده جانباً من هويته الأصلية التي يجاهد للحفاظ عليها .وأياً ما يكون الأمر ، فإن الاتصال بين الثقافات والشعوب والبشر يتم عن طريق الاحتكاك المباشر الناجم عن الحرااك الفكري للسكان ، من خلال وسائل الإعلام والتكنولوجيات الرقمية ،فالمحصلة النهائية هي حدوث تغييرات جذرية في الهويات ، أي بمعنى ظهور هويات جديدة هي مزيج من عناصر أساسية، فالإنسان المعاصر إنسان مهجن إلى حد كبير، وله هوية شاحبة وغير مستقرة .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram