حكمت البخاتيتتماسك العلاقة بين القانون والدولة في جدلية الهوية والتعريف للدولة الحديثة وتشرع البداية في حضور مفهوم الدولة حضوراً ايديولوجياً في عقيدة المجتمع السياسية وهو ما يمهد في الاستجابة الى شرط الدولة الحديثة في تطبيق القانون وإجرائه إجراءً تنفيذياًً يوثق من علاقة المجتمع بالدولة باعتبارها مالكة لشخصية معنوية وفق ما يكسبها القانون من تعريف ومنوطة بها وظيفة الحماية والرعاية للمصالح والافراد حصراً، وفي هذا تختلف عن الدولة القديمة التي كانت تقوم على مبدأ حراسة العقيدة في الدولة الدينية وحراسة التاج والعرش في الدولة الملكية.
والدولة حين تجسد وتعبر عن ارادة الامة وفق ما تضفيه الحداثة على معنى الدولة فإنه لابد من ترسيخ قناعة اجتماعية بالدولة وايمان ايديولوجي بمفهوم الدولة تمر عبره ارادة وخطط الدولة الى التنفيذ وتعمل على انسداد الشرايين التي تؤدي الى الفوضى والعدمية المعنوية في علاقة الشعب بالدولة في حالة تراجع او غياب مفهوم الدولة في بعده الستراتيجي في الحياة الاجتماعية وافتقاد الايمان بشرعيتها نتيجة انسحاب التشارك فيها الى حيوزات فردية وانكفائية وهو ما يسبب علاقة الضد بالدولة. وتبدو نتائج هذه العلاقة المضادة في اول بدوٍ أو ظهور لها واضحة وجلية في معاملة المال العام وعدم احترام مصاديقه او جزئياته وتطبيقاته. فالمال العام منظوراً اليه بدخوله في دائرة الدولة بانه يفتقد شرعية علاقته بالامة بإحساس الانفصال والإقصاء الذي تتغذى به مشاعر شعوبنا عن الدولة او حول الدولة، فالدولة التي تحكمنا رغم كونها واقعاً سياسياً وحاكماً الا انها مفهوم غائي عن مدركنا الاجتماعي - السياسي فهو لايشكل مرجعية واعية ومختارة بارادة حرة في سلوكنا الاجتماعي والسياسي بل ما زالت مرجعياتنا تشكل نقيضاً صارخاً مع مفهوم الدولة وفاعلة في تغييبه وإقصائه عن أي دور ريادي في المجال الاجتماعي والسياسي وهو تغييب واقصاء يخدم مصالح السلطة ويصب في ديمومة السعي المتوارث في الاطاحة بكل ما يتضاد او يضاد السلطة. فالدولة تشكل بعداً ستراتيجياً في الاجتماع البشري السياسي يحتكم الى جهة اعلى هي القانون وتكمن ستراتيجية سلطته في القانون وهو حكم مفترض في الدولة -النموذج واذا لم تتوحد قاعدة الامة في الايمان بهذا القانون وتبني نموذج هذه الدولة ضمن أدلجة اجتماعية وسياسية تقوم على نسق تربوي في نقل الولاءات المفترضة، ولاءات فرعية الى ولاء يتمنطق بالحقوق والواجبات على اساس من عقد افتراضي لكنه فاعل او مفعل في العلاقة بالدولة وفيه يتم ضمان تواصل الامة بالدولة فإن مشاعر من اللاتواصل تطغى وتهيمن على واقع الامة ويرتبك الاتحاد بهويتها مما يفسح المجال واسعاً امام غياب مفهوم الدولة واستحواذ السلطة بحكم الفراغ الناشئ عن ازاحة الدولة وإشغال السلطة مفهوم الدولة فتولد عنه تاريخياً نوعاً من التماهي بين السلطة والدولة استبد بذهنية شعوبنا وتشكلت به مرجعية النظر والتعامل مع السلطة- الدولة في مجتمعاتنا وهذا يعود الى تراكمات تاريخية وضغوط اجتماعية -سياسية مارستها السلطات القائمة على دولنا وانظمتنا السياسية ورؤية مرجعياتنا الثقافية ومنها الدينية ودورها في زيادة حجم وشعور الانفصال عن الدولة في تاريخنا البعيد والقريب ، فانتجت هذه الممارسات السلطوية والرؤى الاجتماعية تصوراً اجتماعياً واحياناً عقائدياً في تماهي الدولة بالسلطة، ومن آثارها وحقائقها تسمية الدول في تاريخنا وحتى حاضرنا بأسماء القادة والسلاطين أو باسماء أسرهم وعشائرهم باستثناء دولة الخلافة التي مارست قسطاً وافراً من الفصل بين الدولة والسلطة وجعلت السلطة مسؤولة امام ارادة الامة ومصلحة الدولة . لقد خاطب احدهم الخليفة عمر بن الخطاب بقوله لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناك بقائم سيوفنا، وكان علي بن أبي طالب يقف امام القضاء الى جانب خصمه وهو على غير دين الاسلام في خلافته ، وعلى مدى هذا الفصل وتضاد التماهي بين الدولة والسلطة كانت الشريعة او القانون الديني هو شاغل او محرك العلاقة بين الامة والسلطة وبالتالي تبنت الامة في عصرها النبوي والراشدي من خلال ايمانها بهذه العلاقة . مفهوم الدولة وحضوره بحالة من ادلجة دينية اسهمت اخلاقيات الصحابة وبقايا الارث الروحي النبوي في رفده وتأسيسه، وعلى ضوئه نستطيع ان نفسر المساواة التي كانت بين السلطة الخلافية وعامة المسلمين في الدولة الاسلامية الاولى، وفي التاريخ المبكر للاسلام شواهد كثيرة على تطبيقات العدل والمساواة في الحقوق والواجبات وهي تطبيقات وسياسات اجتماعية ناتجة عن حضور مفهوم الدولة وايمان الامة بشرعية هذه الدولة ، لكن مع بداية عصر الملك واندثار عصر الخلافة مارست السلطة السياسية في تاريخنا استحواذا على الدولة ومصادرة الرأي العام في الامة بل واغتصاب الارادة فيها فشكلت عاملاً حاسماً في مغادرة مفهوم الدولة عن عقيدة الامة السياسية والمشبعة برؤية دينية وغيابه عن ذهنية جماهير هذه الامة التي ظلت تتوارث تقاليد هذا الغياب وتصوراته السياسية والتي صنعت مخيال هذه الامة السياسي، وفي اغلبه يدور حول موضع او موقع السلطة القدري مما ادى الى تهميش معنى الدولة على اثر إقصائه عن مفاهيم ومفردات القضاء والقدر ،وإن افتقاد هذا المعنى في ثقافة القضاء والقدر لدى المسلمين يكشف عن خلو الوعي الاجتماعي في هذه الامة من مفهوم الدولة، وبالتالي خروجه عن مخيال هذا الوعي والتصاقه بفضاءات من الخيال المسؤول عنه احلام المهمشين والمقصيين وضحايا السلطة من شرائح
مفهوم الدولة بين غياب المتن الاجتماعي وحضور الهامش السياسي
نشر في: 31 أغسطس, 2010: 05:32 م