ثامر الهيمص
ثبت عمليا ان(صدقة السر) لها مفعولا عمليا اكثر بكثير من استعراض العطاء جهارا نهارا، يستبطن هدفا يتقاطع مع المقصود شرعا، اذ بات (منة) لا عطاء لوجهه تعالى، ولا لاعتبارات انسانية اخلاقية. هناك مشروع فريد مبتكر في اطار صدقة السر فقط ليشيد 100 دار وزعت على المستحقين من مهاجري ريف ناحية الشوملي بمحافظة بابل والان بصدد اكمال مئة اخرى لايواء ما تبقى منهم، والسبب الغالب لهذه الهجرة هو من نتائج خفض تاريخي لمياه دجلة والفرات, يضاف لذلك بناء جامعين ومدرسة ابتدائية.
وتسلم المستحقون الاوائل دورهم باسم الاب العاطل او العاجز لمدة 25 عام بعقد اسكان، قابل لتحديد شروط (منظمة ملاذات الفقراء), لفتح المجال لمعوزين اخرين بعد ان يقف الابناء على اقدامهم. (رائد وقائد وصاحب هذه الفكرة العملية هو سيف عباس كطوف / مفوض شرطة) اذ كان ولا زال شرطه الاساس المؤسس هو صدقة السر من قبل المؤمنين قولا وعملا وسر وعلنا. بحيث لا تعرف الناس المستفيد والمتبرع الاخر من المتبرعين، وهذا ما ابعد الجهات الرسمية او الدينية او السياسية وحتى الجمعيات الخيرية، كونها ربما تخترق شروط صدقة السر، بحيث لا تعلم اليمنى ما اعطت اليسرى.
اقل ما يقال عن هذه المنظمة انها حدت من الهجرة الى المدن الكبرى بغداد واخواتها، كون الملاذ امن والرعاية الاجتماعية عاملة حتى يشب الابناء عن الطوق، ولكي لا يتحول الابناء الى متسولين في المدن الكبرى وماسحي زجاج السيارات كتسول منظم، ممهدا الطريق الى غياهب الجريمة المنظمة وصولا لمافيات وعصابات السرقة والمخدرات، ليتضخم الجهاز الامني بكلفه الباهظة ليدفع مشاريع تنموية كثيرة, كان الاستحقاق الامني له الافضلية عليها حماية للامن ومن مستفيدين منه اولا.
فالهجرة الداخلية في بلدنا قديمة فهي بدات منذ ما بعد الحرب العالمية الاولى ثم الثانية وصولا لفيضان 1954، وكان الامل في قوانين الاصلاح الزراعي عام 1958 و 1970 في الحد من الهجرة المعاكسة, حيث حصلت مرحلة ازمة الفرات عام 1974 مع سوريا, فقد نجم هجرة اعداد كبيرة من سكان منطقة حوض الفرات, نتيجة انقطاع او شحة مياه النهر. (د. رياض ابراهيم السعدي / الهجرة الداخلية للسكان في العراق / اطروحة دكتوراه / جامعة بغداد / ص 82-83/ 1976). وهناك من يضع تاريخ انشاء سدة الكوت وقيام الحرب العالمية الثانية بداية فعلية لحركة الهجرة الداخلية في العراق، حيث انخفضت مياه دجلة عن الانهر الصغيرة ذات الارواء السيحي في العمارة. (نفس المصدر ص79) كما يعزي السبب للهجرة اساسا الى قانون تسوية حقوق الاراضي لسنة 1932 وتعديلة سنة 1938 فاصبح الشيخ اقطاعيا وادت الى تحلل العلاقات القبلية القديمة القائمة على الاخلاص الى القبيلة مما ادى لتضاعف الهجرة كلما تدهورت هذه العلاقات. (ص80/ نفس المصدر). والان بعد 2003 باتت الهجرة بدون عوائق قانونية تحد من الهجرة، اصبحت بغداد تشكل ربع سكان العراق مما باتت المشكلة سياسية واقتصادية وخدمية وامنية لنبني ابراج لا تخدم هذه الشرائح وانما تدعوهم للهجرة المعاكسة.
والان الخيارات العملية المطروحة لعل اولها مشروع /نموذج / الشوملي /سيف عباس كطوف. حيث قلده ومضى في ذات الاتجاه بمعالجة الهجرة للنواحي والاقضية في 42 نموذج بمختلف نواحي واقضية العراق، وحسب شريعة صدقة السر منها مشروع في الموصل حيث التغطية الاعلامية الرسمية صفر الى جانب التغطية المالية حتى في الارض، وهكذا جميع القوى الاجتماعية والدينية التي لا تتعاطف مع صدقة السر ليكون المشروع رحمانيا لالاف المهاجرين داخل بلدهم ووطنهم عراق الخيرات.
اما الخيار الثاني فهو لمعالجة زخم وزحام المدن الرئيسية ونحن نتقدم بفضل ثورة المرشات الزراعية وحاجتها للعمالة بعد نقل المعامل ذات العلاقة بالانتاج الزراعي والحيواني اهمها مثلا مشاريع الالبان والدواجن والزيوت النباتية ومعامل المعجون والمطاحن والنسيج الصوفي ومصانع السكر في الموصل والعمارة وهكذا نوفر كلف النقل للمواد الاولية الزراعية والحيوانية وكذلك معامل الاسمدة ونحن ندخل في الصناعات البتروكياوية ومشروع طريق التنمية عمودنا الفقرية لتنمية بلدنا، وتلتحق معاهد وجامعات الزراعة والانتاج الحيوني لتطبق عمليا ونظريا وهكذا هندسة النفط والغاز, لكي تتكامل المشاريع، لنخلي مددنا من التلوث والزحام الذي يسبق الترقيع والاجندة الانتخابية البائسة التي تتراجع بكل دورة، وهكذا تتفاقم الفجوة بين الاغنياء المتخمين وحاسديهم لحد اللعنة.
فقد اعلنت وزارة التخطيط في الحادي والثلاثين من شهر اب الماضي لسنة 2023 ان نسبة الفقر العراق ستصل الى 30% بعد ما كانت 19% وعزت هذه الزيادة الى تفاقم نزوح اكثر من مليون وستمائة الف مواطن من بعض المحافظات العراقية بسبب التدهور الامني العاصف التي تعرضت له تلك المحافظات من قبل داعش وانسحابات غير متوقعة من قبل القطعات العسكرية التي كانت تتولى زمام الدفاع عن امن الوطن ضد الهجمات الخارجية. (ابراهيم المشهداني / امراض الاقتصاد العراقي وسبل مراجعتها /ص155/ 2024).
لذلك كانت ولا زالت السياسات الاسكانية هي ورقة سياسية اولا رغم التفاقم وسعة الفجوة بين ابناء المجتمع العراقي, فكلما تزايدت ابراج السكن ارتفاعا ستكون العلاقة طردية مع العشوائيات التي تتراكم حول بغداد وباقي المحافظات، فنحن حسب الاحصائيات امام استحقاق خمسة ملايين وحدة سكنية، لا يسع مجمع بسماية ولا مدينة الجواهري ولا مدينة علي الوردي وغيرها في المحافظات، كونها لم تتم حسب متطلبات المستفيد الاساسي العراقي من سكنة العشوائيات بل مجرد مواجهة للزخم السكاني من سكان ما قبل العشوائيات. ونحن نزداد سنويا باكثر من مليون نسمة. لذلك تكون معالجة الهجرة من خلال المرشات الزراعية اولا لفك الاشتباك بين المهاجر والمتوطن اساسا، نعم قد تكون العمالة للمرشات ومقتضياتها ولكن التنمية الصناعية الزراعية وتكاملها امرا مقبولا في التخفيف من الزخم لحين لمس نتائج طريق التنمية ليأتي متناغما مع التصنيع الزراعي المنتشر من خلال قرى عصرية تبدأ من ربيعة الموصل وصولا للبصرة بعد حسم امر الغاز المصاحب وعودة الزراعة في ميسان حتى الرز وسكر القصب والبصرة تزدهر على الاقل في زراعة وتصنيع طماطة الزبير مع اخواتها في الصناعة البترو كيمياويات والحديد وغيرها، مرورا بتبغ السليمانية وسكر البنجر في الموصل وصناعة زجاج الرمادي وعكاشات والمشراق، وجميع الصناعات النفطية التي تؤلف وتجمع قلوب العراقيين بعيش مشترك لا شعاراتي فحسب, بل بمصالح متآخية عمليا.
فالهجرة المستمرة لا تلجمها الترقيعات تفاقماتها ولا يحد الجانب الامني شرورها اذ لا زال اكثر من مليون لاجئ عراقي لم تحسم امورهم السياسة والامن والتحالفت والتفاهمات, اذ باتت ورقة سياسية في بازار يزدهر اقليميا ودوليا ليصبح ذريعة للتدخل والتداخل.
في ضوء ما تقدم تكون الطرق والجسور محورا اقتصاديا واجتماعيات ففي الاولى تقل الكلف في النقل وحتى الى الوصول للمدينة كما هو الطريق الرابط بين بغداد وبسماية اذ الطرق الجيدة تسهل الانتقال لاطراف المدن، وهكذا الجانب الاجتماعي والتواصل الاجتماعي، مثلا بين القرى العصرية اوالمراكز الصناعية والمدن.
فنموذج تجربة الشوملي لا زالت يتيمة رسميا ودينيا، اذ المفترض دعم نماذجها بالارض من قبل الحكومة او الجهات الشرعية التي تعرف عمق جدوى صدقة السر في سجل اعمال المكلف وحسناته ومفعولها الايجابي البناء قياسا بالاستعراض المغرض.
اما البديل الاخر رسميا وحتى شعبيا وحسب علمنا ان هناك عروضا كثيرة لبيوت وشقق منخفضة الكلفة وحسب المناخ العراقي الذي يزداد حرارة بموجب ايقاعات البيئة الملوثة ومشكلة الكاربون، ينبغي تفعيلها لجدواها الفنية والاقتصادية في الميدان البديل لعشوائيات تسابق الزمن بفعل شحة المياه والجانب الامني نتيجة السلاح المنفلت وتفاقمة والذي ستحد منه وتحجمه عمليات التصنيع والزراعة الحديثة.
اخيرا ستكون صدقة السر بمشروعها الرائد قاطرة الحد من الهجرة الريفية الى المدن الكبرى، لتفتح ذراعها للعائدين من المدينة لقراهم ونواحيهم كعمالة او من منتسبي الرعاية الاجتماعية، ضمن برنامج للتعاون الخلاق بدون تسيس بين الرواد الابطال امثال سيف عباس وهشام الذهبي الذين يتشرف بهم العراق رسميا وشرعيا.
وختاما على الجهات الرسمية تشريع القوانين التي تخدم هذا التوجه لقطع دابر الهجرات الداخلية بكل اسبابها التي شكلت عورات بجبين اغلب الساسة والمتصدين. ولكن بعد حدل الارض لطمس تضاريس الحواجز الاثنية والطائفية الى الابد, لنرتفع منافسين متكافئين اقليميا مع غيرنا. ان صدقة السر معيارا نهائيا ومختبرا وحيدا للتدين الحق بحسن النية التواق لرضى الرب وعباده. حيث افلست اغلب الشعارات.