يبدو أن الأزمة بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية لن تتوقف عند حد معين، وعلى الرغم من وجود مساع للحلحلة وإنهاء المشاكل العالقة بين الطرفين فان ما تناقلته بعض وسائل الإعلام مؤخرا بشأن حقيقة منع رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي رئيس الإقليم والمحافظين من السفر دون علم الحكومة، أجّج الوضع وأثقل الأزمة تصعيداً آخر لن يساعد في التخفيف من حدة التوتر.
وقال المالكي مؤخرا "إنه لم يعد بمقدور رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني والمسؤولين الكرد المغادرة إلى الخارج من دون موافقة الحكومة المركزية".
واعتبر ائتلاف دولة القانون قرار زعيمهم الأخير تنفيذا لبنود الدستور وللحفاظ على علاقات خارجية متوازنة تتولاها الحكومة الاتحادية حصرا، لكن التحالف الكردستاني رفض تصريحات المالكي، مؤكداً أن رئيس الوزراء لا يملك الحق في منع أي شخص من السفر خارج العراق وان الإقليم يسعى لفائدة كل العراق من خلال علاقاته الخارجية الاقتصادية.
ومن جانبها، رأت القائمة العراقية أن المالكي يسعى للتصعيد بدل إيجاد الحلول، بينما يقول خبير قانوني إن الصلاحيات الدستورية تمنع الإقليم من عقد صفقات السلاح ولكنها لا تمنعه من عقد الصفقات التجارية والاقتصادية.
وكانت تقارير صحفية قد ذكرت أن المالكي طالب بحصر سفر مسؤولي الإقليم إلى الخارج عن طريق الحكومة الاتحادية، خوفا من توقيع عقود مختلفة. واشارت التقارير إلى ان قرارا كهذا غير قابل للتنفيذ، حيث يوجد في عاصمة الإقليم أربيل مطار دولي لا يخضع لسيطرة بغداد.
ودافع ائتلاف دولة القانون عن قرار المالكي من دون أن يؤكده أو ينفيه، لكنه "اعتبره مناسبة جيدة لتذكير رئيس إقليم كردستان بصلاحياته ومنعه من تنفيذ سياسة العراق الخارجية عبر الإقليم".
وقال النائب عن ائتلاف دولة القانون محمد الصيهود "لا يحق لرئيس الاقليم او اي محافظ ان يعقد صفقات أو ان يورد السلاح الى البلاد او ان ينفذ سياسة البلاد الخارجية، كل ذلك ينحصر بيد الحكومة الاتحادية".
وأضاف الصيهود في حديث لـ"المدى" أمس أن أبرز مهام "الحكومة الاتحادية إدارة ملفات الأمن والدفاع والنفط وتنفيذ السياسة الخارجية، ولا يمكن لأي محافظة او إقليم أن يتجاوز على تلك الصلاحيات".
ويعتبر الصيهود أن "الإقليم حين يقوم بعقد صفقات سلاح أو يقوم بزيارة دول أخرى دون علم الحكومة الاتحادية، إنما يتصرف كدولة منفصلة".
ويرفض الصيهود أن يربط تصريح المالكي بمنع المسؤولين من السفر إلى الخارج دون علم الحكومة بالأزمة العالقة منذ فترة بين حكومة بغداد وأربيل، مؤكدا أن "بارزاني كرر خرق الدستور بزيارة دول أوربية وعربية دون علم الحكومة أكثر من مرة وفي كل مرة كنا نشدد على انه أمر غير مقبول".
وتساءل الصيهود عن مدى إمكانية تطبيق رئيس إقليم كردستان لبنود الدستور، مضيفا أن "بارزاني يتحدث دوما عن التزامه بالدستور، وحتى اعتراضه على قيادة عمليات دجلة كان بحجة تعارضها مع الدستور"، مطالبا رئيس الإقليم بـ"الالتزام بالدستور وإشعار الحكومة بتحركاته خارج العراق".
وذكر الصيهود في وقت سابق أن بارزاني "يحاول تخريب" اتفاقيات المالكي مع روسيا، على خلفية إعلان بارزاني نيته زيارة براغ بعد أن زارها المالكي لعقد اتفاقيات سلاح. وقال ان "رئيس الاقليم زار واشنطن عقب انتهاء زيارة المالكي واتفاقه على صفقة اسلحة، واليوم يقرر زيارة موسكو بعد زيارة رئيس الحكومة وشراء اسلحة روسية "، ورأى ان "بارزاني يسعى إلى تخريب ما يتفق عليه المالكي في روسيا وباقي الدول".
ورجح الصيهود ان يحاول بارزاني الحصول على صفقة تسليح للاقليم، معتبرا ان "الاقليم لا يحق له وفق القانون والدستور وما معمول به في الدول الفيدرالية ان يتفق على صفقة أسلحة".
وصرح الصيهود أيضاً بأن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي يمكن أن تزود إقليم كردستان بالسلاح خلال الفترة المقبلة، وزعم أن الولايات المتحدة وروسيا رفضتا طلبا من رئيس الإقليم بتزويده بالسلاح.
ومن جانبه يرى التحالف الكردستاني أن منع سفر رئيس الإقليم والمسؤولين الكرد ليس من صلاحيات المالكي.
وقال المتحدث باسم التحالف مؤيد طيب إن "سفر رئيس الإقليم غالبا ما يأتي لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين دول العالم والعراق"، مؤكدا في اتصال هاتفي مع "المدى" سعي "بارزاني لتقديم الفائدة لكل العراق لا للإقليم فقط".
وطالب طيب حكومة بغداد بعدم النظر لعلاقات الإقليم مع دول العالم بعين المؤامرة، مضيفا أن "الدستور لا يعطي الحق للحكومة الاتحادية بمنع سفر رئيس الإقليم او المسؤولين الكرد".
ورفض المتحدث باسم التحالف الكردستاني الاتهامات التي يلقيها دولة القانون ضد إقليم كردستان بسعيه إلى عقد صفقات سلاح، مبينا أن "الاقليم لم يسع الى شراء سلاح واي دولة سوف ترفض ان تزودنا بالسلاح لانها ذلك ليس من صلاحيات الاقليم".
وأوضح طيب ان عدم تنسيق الاقليم مع الحكومة الاتحادية في ما يتعلق بالزيارات الخارجية يعود لتأزم الأوضاع بين الطرفين، مرجحا ان تعود العلاقات الى طبيعتها بعد ان تنتهي المشاكل العالقة بين الإقليم والمركز.
ورفض أيضاً المتحدث الرسمي باسم رئاسة إقليم كردستان أوميد صباح تصريح المالكي، وقال لوسائل إعلام إن "هذا التصريح لا يستحق الرد، لأن الدعوة التي أطلقها المالكي غير قانونية ومخالفة لروح ومبادئ الدستور".
وفي غضون ذلك، عدت القائمة العراقية تصريحات المالكي الأخيرة بمثابة تصعيد للازمة بين اقليم كردستان والحكومة الاتحادية.
وشكك عضو العراقية احمد المساري في قدرة الحكومة ورئيس الوزراء على السيطرة على إقليم كردستان، مؤكدا في اتصال مع "المدى" يوم أمس أن "المالكي يسعى من وراء هذا القرار ان يزيد الأوضاع توتراً".
ولم يفت الخبير القانوني طارق حرب القول بإن من حق الإقليم أن يقيم علاقات اقتصادية مع دول اخرى، لكنه اعتبر ان ليس من حق الاقليم عقد صفقات تسليح.
وقال حرب لـ"المدى" إن الدول الفيدرالية وحتى الكونفدرالية التي تتمتع بها الاقاليم بصلاحيات أوسع لا يحق لها استيراد السلاح وإنها صلاحيات اتحادية حصرية".