غالب الشابندر
الحلقة التاسعة
علمُ الله سبحانه وتعالى
اشتغل علم الكلام كثيرا فيما يخص هذه الصفة، توصيف الله بـ (العالم)، اي في علم الله كصفة من صفاته الكمالية الجمالية، ولعل بعضهم يستغرب بل يستوحش هذا المبحث، حيث لا شك ولا ريب أن الله عالم بحكم كونه الكمال المطلق، وإنه خالق كل شيء، فما الداعي إلى مثل هذا العلم؟
الحقيقة كان هناك اكثر من داع دفع علماء الكلام الاشتغال بهذا الموضوع، أي علم الله تبارك وتعالى، من جملة هذه الدواعي بعض الاسئلة التي طُرحت في ذات الموضوع.
نماذج من هذه الاسئلة:
هل يعلم الله بالجزئيات؟
ومرد هذا السؤال من جهة أن الجزئيات في تغير مستمر، فإذا كان الله يعلم بالجزئيات فإن ذلك يستدعي التحول والتغير في علم الله، وبالتالي تكون الذات الإلهية عرضة للتحول والتغير، وفيما أن ان الله واحد احد صمد، ازلي سرمدي، فإن التغير والتحول يؤول إلى القول بالحدوث.
ومن هذه الاسئلة وهو سؤال يُطرح أزاء كل صفة من صفات الله الذاتية، الكمالية، الجمالية...
هل صفة العلم زائدة على الذات أم هي عين الذات، فإن الراي الاول كما يدّعي المعارضون يؤدي إلى تعدد القديم، باعتبار أن الله عالم قبل ان يصنع الوجود، ويبقى عالما بعد ان يصنع الوجود، ومما يترتب على ذلك تعدد القديم، فالذات قديمة وبحذاءها الصفات ايضا قديمة، والقديم واحد هو الله تعالى، وبالنتيجة وحسب هذا الاعتقاد يتقرر نوع من الشرك! فيما الرأي الاخر كما يقول معارضوه يؤول الى التعطيل، فكأن الله بلا صفات، فكيف به يخلق ويرزق ويحي ويميت!
هذه الاسئلة وغيرها دعت إلى نشوء علم الكلام، فإن من العلوم الاسلامية إبداعا: ـ
1. علم الكلام.
2. علم اصول الفقه.
3. علم الدراية.
وعلم الكلام ينطلق من الايمان، أو تمضية الايمان، ومهمته الدفاع عن هذا الايمان.
المصنِّف يتوسل بعلم الكلام هنا، وهذا طبيعي لأن من موضوعات علم الكلام هو الالهايات كما وردت في القرآن الكريم والسّنة المطهرة.
وكما هو ابحاثه السابقة، دليله العقل والفطرة والكتاب الكريم.
فالعقل يحكم بان صانع الشيء يعلم تفاصيله، وربما يعلم في بعض الاحيان مستقبل ما صنع، فكيف بالله تبارك وتعالى حيث هوالكمال المطلق؟!
فإن (كل كائن عبارة عن كتلة مجسَّمة من المعلومات المترابطة كما يراه العلم الحديث) ص 130
ولست أدري لو أن الكائن ليس كذلك، أي ليس كتلة من المعلومات فهل يخفى علمُه على الله تبارك وتعالى؟
ودليل الفطرة كما يقول بموجبه سماحة السيد الجليل (الفطرة، حيث إن فطرة الانسان تُشعِره أو تهديه إلى وجود كائن متّصف بالكمال، عالم بالامور كلّها، ماضيها وحاضرها مستقبلها، ومن ثم كان هذا الانطباع الشائع للاقوام في شان ما يعبدونه من الآلهة، وإن وجِد بعض ما يخالفه عند بعضهم) ص 132.
وفيما يخص ما يسمونه بـ (الدليل الفطري) من حيث المبدا كلام سوف اتعرض إليه فيما بعد.
والدليل القرآني يكفي قوله تعالى: (والله بكل شيء عليم) والشيء في الكتاب الكريم يُطلق على كل الموجودات بما في ذلك الموجودات الروحانية، كما هي الحزن والفرح وغيرهما.
وعلم الله على ثلاث ضروب كما يقوله السيد الجليل الاول: علمه بالاشياء قبل وجودها، ولا يحتاج ذلك إلى دليل ما دام هو الكمال المطلق، حتى الانسان في بعض نشاطاته يعلم بها قبل إيجادها وممارستها، بل قد يعلم ما تؤول إليه، وشروط نجاحها ومعوقات إنجازها فكيف بالكمال المطلق؟
والفطرة تدل على ذلك بنفس التقرير السابق، اي ان الله يعلم بما يصنع ويخلق ويفطر ويوجد.
كذلك الكتاب الكريم لا يعد الاشارة إلى ذلك مرارا وتكرارا.
الثاني: (العلم بالاشياءعند وقوعها، أي بمعنى الاطِّلاع عليها)!
وفيما ان الانسان لا يستطيع الاطلاع على ذلك فلا يعني انتفاؤه بالنسبة لله تعالى، والذي ارا ه ان صفة الكمال تكفي لإثبات ذلك، ولا داع إلى الاستدلال عليه من خارج كماله جلّ وعلا.
الثالث: (العلم بامور لم تقع)، وإذا ما علمنا إن الانسان وبفضل المعادلات الرياضية الحديثة، وما يمتلك من معلومات سابقة (قد) يعلم بأمور لم تقع، فكيف بالكمال المطلق؟
ويرى سماحة السيد الجليل أن أعظم مصاديق علمه سبحانه وتعالى (علمه بالقوانين التي سنَّ سبحانه عليها الكون والكائنات) ص 136.
هل الرأي الذي يقول أن أعظم مصاديق علمه ما تفيده الآية الكريمة: ـ
(يعلمُ السّر وأخفى)؟
فالسِّر يترتَّب عليه آثار تناسب طبيعته، فماذا لو انتفى السر، أو تغيِّر حيث تترتب آثارا غيرها الآثار التي تترتب على السِّر.
فهو علم بما هو أخفى من السر، مصير السر فيما إنتفى او حيل دون تحققه.
وبعد...
فإن مما يثير السؤال هنا...
يبدو أن علماء الكلام تعاملوا مع علم الله تعالى كما تعاملوا مع علم الانسان، فالإشكالات التي أثيرت حول علم الله منبعها ـ كما اتصور ـ وهمُ المطابقة بين علم الله وعلم الانسان، فهل هما علمان لكل منهما عنوانه الخاص وهويته الخاصة، أم هما مصداقان لمفهوم واحد؟
على بساطتي اعتقد ان الاشتراك لفظي لأن الله أحد صمد ليس له شبيه ولا مثيل ولا نظير.
تباركت ألله تباركت