TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > أهم ٢٠ كم لدى بارزاني!

أهم ٢٠ كم لدى بارزاني!

نشر في: 26 نوفمبر, 2012: 08:00 م

أدور في شوارع اربيل الموشاة برذاذ مطر يشبه رقة الشباب الاكراد الذين يبيعون الجوز والورد على سفح الجبل.. لكن المطر لا يفلح بتذكيري برائعة ابن بلدتي السياب، بل تأخذني الحكاية مع الشوارع المنظمة والعوائل العربية الامنة التي تتجول في شارع اسكان حتى الثانية فجراً، وتجعلني اتذكر خلف عبد الصمد محافظ البصرة. انه امر ينسيك الشعراء ويجعلك تفكر بمآلات المدن "وقصائد" الخراب والفشل التي يكتبها مسؤولونا التنفيذيون، ما يجعل اربيل تكتب نصها الناجح، ويترك "البصرة العظمى" كما كان يسميها سليمان فيضي الموصلي الراقد قرب ضريح ابن سيرين في الزبير، مدينة بؤس تشبه قصيدة تعمد الساسة كتابتها بشكل رديء.

ادور في اسواق اربيل العامرة الحديثة وأحدق بفرح في حدائق مزينة بطراز حديث، مبثوثة تحت المجسرات وحول الانفاق ووسط الاحياء السكنية، وفي سكون الليل والمطر اسمع نواح البصرة وهي مثقلة بسياسات صنعت خرائب الحروب، ودمرت فرص البحر والنخيل والبترول والصناعة.

وأخص البصرة بالذكر وانا اتحدث عن اقليم كردستان، لانها الاكثر حظا بين مدن العراق، فقد حصلت على مليار دولار سنويا في مشروع البترودولار وهدأت معاركها منذ ٤ اعوام، ولم تعان حربا اهلية، كما هيمن على ادارتها حلفاء سلطاننا وحزبه المالك لخزائن الارض والمحتكر لاخطر القرارات. وبدل ان تترجم هذه المزايا الى تغيير يحدث الفرق في حياة الناس، ظلت "المدينة البحرية الوحيدة" التي تشرب ماء البحر دون تحلية، بين مدن العالم الساحلية، الفقيرة او الغنية. وظل محافظها المنتمي لحزب السلطان، ينوح قائلا: ان مشاريع بقيمة نصف مليار دولار تنام على طاولة الحكومة وامانة مجلس الوزراء شهورا، انتظارا لمصادقة معاليه وفخامة مستشاريه واعوانه، دون جدوى.

افكر في دبابات سلطاننا على تخوم كركوك، وفي اعتراضات اهلي العرب على سياسات كردية عديدة، واحاور مع اساتذة وصحفيين، الساسة الاكراد بحثا عن حل نهائي لنزاع الارض يقدم لنا السلام المستقر، لكن نواح البصرة و"قصيدة عبد الصمد" في الشكوى من اذن السلطان الذي يتأخر شهورا وشهورا، يملأ رأسي بصور ساسة فاشلين يمتطون صهوة دبابة امريكية ليشغلونا بالحرب كي ننسى طعم ماء البحر الذي تزيده مرارة، درجة استهتارهم بكرامة الناس من البصرة حتى اقصى بقعة في الشمال.

وقد اتيح لي ان اسمع من رئيس الجمهورية جلال طالباني، ورئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني، خلال حوارات صحفية حضرها اساتذة وزملاء آخرون، وكنا امام اسباب تدعو للتفاؤل بأن اوان التصحيح والمراجعة لم يفت، وان الحوار مع القيادات العربية والتركمانية يحمل الكثير من عوامل النجاح، وان شبكة المصالح العظيمة يمكنها ان تحل بديلا عن اي خيار اقتتال بين ابناء البلد. لكن ما لا انساه هو كلمة اخيرة سمعتها من رئيس اقليم كردستان، بشأن معنى الفدرالية ومستقبلها. يقول: الاقاليم دستورية وهي مستقبل البلاد الذي اتفقنا عليه، وبعد كل ما جرى علينا وعليكم، هل يعقل ان تنتظر البصرة او اربيل او ديالى، اذن بغداد كي تبلط شارعا طوله ٢٠ كم؟

وماذا تتذكر حين تسمع من بارزاني هذه الكلمة البسيطة والصادمة في ان واحد، غير محافظ البصرة الثري والعاجز والذي تنام مشاريعه على طاولة السلطان شهورا؟

لكن الاهم من هذا، هو معنى هذه العشرين كيلومتر في خيار الاكراد لادارة اقليمهم. انها الحد الفاصل الذي تمسكوا به ومنعوا ادارة الفشل المؤسف من تحديد مصير مدنهم التي يحبون، وقد وجدوا شجاعة التمسك بحق كهذا، لانهم وجدوا شجاعة عدم الركوع حتى حين احترقت وجنات فتياتهم بكيمياوي علي حسن المجيد، اله الخراب في عراق صدام حسين.

النزاع على الارض مشكلة مألوفة في معظم البلدان، وهناك سيناريوهات حكيمة وجدها عقلاء البشر للحل. والمساحات التي يحلم بها الاكراد يمكن ان تتسع او تضيق وفق الحلول المحلية والاقليمية، لكن العشرين كيلومترا التي لا يحتاج تعبيدها اذنا من مكتب السلطان، هي مملكة بارزاني الحقيقية، اي الانتظام في بلد وفق شروط كريمة، وعدم الوقوع تحت رحمة جنرالات"افذاذ" يسيرون الجيوش لضرب مؤخرات مرتادي نادي السينمائيين، ويخططون لاستخدام اف ١٦ لحل الخلاف مع بارزاني اليوم، وعلاوي او الصدر غدا. انه حلم العشرين كيلومتر المشروطة بالكرامة والنجاح والمعايير الحديثة، وهذا ليس حلما كرديا يا اهل العراق.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وفاة الشاعر العراقي موفق محمد

قمة بغداد: السيسي وملوك الأردن والبحرين في مقدمة الحضور العربي

مرور الأنبار تؤمن انطلاق قوافل الحجاج حتى منفذ عرعر

أمين صندوق يختلس أكثر من 10 مليارات دينار من كمارك الجنوب

الورقة بـ143500 دينار.. استقرار أسعار صرف الدولار بالعراق

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: بيل غيتس ودراويش بلاد الرافدين

العمود الثامن: الطبيب أنور وصاحب "ألوان"

العمود الثامن: الزعيم منزعجاً

العمود الثامن: إخجلوا !!

تفكيك الأمم المتحدة ومنظومة العدالة الدولية..؟

العمود الثامن: إخجلوا !!

 علي حسين يخوض السياسي العراقي، وعذراً على كلمة "سياسي" التي لا تنطبق على 80 بالمئة ممن نشاهدهم على شاشات الفضائيات، معارك من اجل المغانم بحجة انهم تبحروا في علوم السياسة حتى تجاوزوا عميد...
علي حسين

قناطر: قبورنا التي تلتهمنا

طالب عبد العزيز بعيداً عن السردية الدينية التي تؤسس لمقبرة النجف(وادي السلام) يتوجب على الدولة العراقية أنْ تفكر ملياًّ في المساحات الشاسعة من الأرض التي تقضمها المقبرة، إذا ما علمنا بأن 500.000 الف جنازة...
طالب عبد العزيز

الغاز الإيراني و الفرصة التاريخية

ثامر الهيمص نعم الغاز الايراني بات درسا، بل قاسيا وضعنا في حرج شديد ووضع الحليف الامريكي في الاشد انسانيا واخلاقيا. اذ لا زال الغاز الايراني يتدفق باريحية عالية الى تركيا, فبطلت الحجة. وهكذا بلا...
ثامر الهيمص

بيت المنقسم والمعركة المؤجلة: أزمة الشرعية في ظل استحقاق انتخابي مضطرب

محمد علي الحيدري حين تقترب اللحظة الانتخابية، لا تختبر الأنظمة السياسية فقط قدرتها على التنظيم والإدارة، بل تُعرّي أيضًا بنية التفاهمات التي قام عليها التوازن السياسي في مرحلة ما. وفي الحالة الراهنة، يبدو أن...
محمد علي الحيدري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram