TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > الصهاينة يرتكبون الأفعال ذاتها المنسوبة الى أيخمان

الصهاينة يرتكبون الأفعال ذاتها المنسوبة الى أيخمان

نشر في: 17 فبراير, 2024: 10:45 م

هادي عزيز علي

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية تمكن القيادي في النظام النازي " آيخمان "من الوصول الى الارجنتين بجواز سفر باسم مستعار وعمل عاملا في مدينة "بوينس آيرس". وفي ليلة الحادي عشر من مايس من لعام 1969 وهو يهبط من الباص عائدا من عمله هجم عليه ثلاثة رجال وألقوه قسرا في سيارة كانت متوقفة على حافة الطريق،

أيقن الرجل انه في قبضة الموساد وبعد تسعة ايام حملته طائرة العال من "بوينس آيرس" الى الاراضي الفلسطينية المحتلة ليمثل امام محكمة صهيونية في الحادي عشر من نيسان من العام 1961 وعلى أثرها وجهت اليه (15) تهمة اهمها تهمة ابادة الشعب اليهودي استنادا للقانون الموسوم: (محاكمة النازيين والاشخاص المتعاونين معهم) الصادر في العام 1950. واثناء المحاكمة قدم محاميه "الدكتور سيرفانتوس" دفوعه المتضمنة: (بأن محكمة القدس غير متخصصة وغير مؤهلة لمحاكمة "آيخمان" كونها غير مخولة من جهة المانية بأجراء محاكمته وطالب على إثر ذلك الحكم ببراءته استنادا الى القوانين الارجنتينية باعتباره لاجئا ولا تجيز قوانين الارجنتين تتبعه، كما لا يجوز الحكم بإعدامه مثلما طلب المدعي العام لان المانيا باعتباره مواطنا المانيا الغت عقوبة الاعدام. لكن المحكمة الصهيونية حكمت عليه بالإعدام وتم تنفيذ الحكم وحرق الجثة والقاء رمادها خارج المياه الاقليمية.

هذا وقد كانت المفكرة "حنة ارنت" قد حضرت جلسات المحاكمة كمراسلة لصحيفة "نيويوركر" وخرجت من ذلك بكتاب قيم معنون (ايخمان في القدس) مع عنوان فرعي: (تقرير حول تفاهة الشر) بينت فيه اعتراضها على المحاكمة والحكم الصادر عنها وبأسلوب لا يقل اهمية عن الاسلوب الذي يكتبه كبار فقهاء القانون في حالة مشابهة لمثل تلك الحالة مبينة ان المحكمة التي مثل امامها "ايخمان" هي محكمة تم فيها التجاوز على اهلية القضاء وهي سابقة غير مقبولة قانونيا وذهبت المحكمة بنفسها الى ميادين غير ميادينها، وعلى الرغم من ان "حنة ارنت" يهودية الا انها واجهت الكثير من المتاعب من قبل الصهاينة، فقد وجهت اليها الكثير من الانتقادات حتى من قبل طلبتها في الجامعة على اعتبار انها لا تناصر ابناء جلدتها من اليهود لا بل ان البعض منهم لم يكتف بالانتقاد بل عمد الى تهديدها بشكل ارهابي الا انها استمرت في اعلان قناعاتها في تلك الاجراءات التي قامت بها المحكمة، وكان للفلم الممتع الذي يحمل اسمها تجسيدا لما قامت به هذه المرأة الصلبة تجاه موضوع "آيخمان"، ويمكن ان نلخص ملاحظاتها حول المحاكمة ونتيجة الحكم بالشكل الاتي:

1 – ان القانون الصهيوني الصادر في العام 1950 قد طبق بأثر رجعي لذا فأنه يعد انتهاكا قانونيا من الوجهة الشكلية وجرم افعالا باعتبارها ابادة للشعب اليهودي اذ ان من معلوم ان (جريمة الابادة الجماعية) كفعل جرمي لم تكن موجودة ايام المد النازي ولم يكن لها وجود تشريعي لا على الصعيد الدولي او الصعيد المحلي لا بل انها غير معروفة على صعيد ادبيات القانون الدولي حينذاك وتأكيدا على ذلك هو ان محاكمات "نورنبرغ" وجهت تهم عدة الى القادة النازيين لم تكن من بينها تهمة (جريمة الابادة الجماعية) لأنها غير موجودة حتى على صعيد ادبيات القانون الدولي وقد عرفت لأول مرة تشريعيا على صعيد القانون الدولي بعد صدور (اتفاقية منع جريمة الابادة الجماعية والمعاقبة عليها في العام 1948). ومعلوم ان محاكمات نورنبرغ لم توجه التهم الى القادة النازيين بالإبادة الجماعية (وهذا يعني ان القانون الصهيوني الصادر في العام 1950 وجه تهمة الابادة الجماعية الى المتهم من دون ورود غطاء تشريعي او نص يحكم هذه الحالة.

2 – ان محكمة القدس استمرت بمحاكمته مع التجاهل التام في ان المتهم الماثل امامها قد جرى اختطافه خلافا لقانون الدولة التي كانت تأويه (الارجنتين) ومن قبل جهاز الموساد الصهيوني وبأشراف مباشر من قبل "بن غورين" وهذ يعني ان دعوة المتهم للمحاكمة تمت بشكل مخالف للقانون الدولي لا بل مخالف حتى للقوانين المحلية بما في ذلك القانون الصهيوني وهذا ما تم طرحه من قبل المحامي "الدكتور سيرفانتوس" الا ان المحكمة لم تعر اذنا صاغية لاية اعتراضات واستمرت بإجراءاتها مع الانحياز المسبق للإدانة المخل بمبدأ استقلال القضاء.

3 – ان هذه المحكمة غير مؤهلة لمحاكمة "ايخمان" لان المحاكم الدولية وحدها هي المؤهلة من الوجهة القانونية على وفق احكام القانون الدولي لمحاكمة مثل هذه الحالات اسوة بالقادة النازيين الذين حوكموا امام محكمة نورنبرغ وان التهم الموجهة للقادة النازيين حينذاك هي جرائم ضد الانسانية وليس استنادا لأحكام جرائم الابادة الجماعية ولكن محكمة القدس سارت بقصدها المسبق الى ما تريد ضاربة عرض الحائط كل من يخالفها بالرأي.

الخلاصة – الكيان الصهيوني وجه عدة تهم الى "أيخمان" اهمها ابادة الشعب اليهودي وتم تكييف الافعال المنسوبة اليه من قبل الادعاء العام باعتباره مرتكبا لجريمة ابادة جماعية بقصد اهلاك الشعب اليهودي ونسبوا اليه القصد المسبق للقتل حتى يضمنوا الركن المعنوي للجريمة وهو القصد الجنائي ونسبوا اليه الاعتداءات الخطيرة على السلامة الجسدية والنفسية فضلا عن اخضاع اليهود الى ظروف معيشية من شانها ان تؤدي الى الهلاك الكلي او الجزئي اي ألبسوه كل اركان جريمة الابادة الجماعية الواردة تفاصيلها في المادة الثانية من اتفاقية الامم المتحدة التي تمنع الابادة الجماعية الصادرة في العام 1948 وفي ضوء ذلك حكموا عليه بالإعدام وتم تأييد الحكم من قبل محكمة الاستئناف بقرارها المتكون من (51) صفحة. ان هذه الافعال الموصوفة في قرار محكمة الاستئناف بصفحاته الـ (51) قام الكيان الصهيوني بارتكابها في قطاع غزة وهو ما بينته تفصيلا لائحة الدعوى المرفوعة الى محكمة العدل الدولية من قبل جنوب افريقيا متوفرة على غطاء تشريعي دولي مفصل ونافذ المفعول فضلا عن كونه مثبت بالأدلة القانونية المعتبرة دوليا وبالصوت والصورة بالإضافة الى البينات القانونية الاخرى.

ان احفاد ماندلا لا يطلبون من محكمة العدل الدولية أكثر من الحكم الذي صدر بحق "آيخمان" ما دامت الجريمة المنسوبة الى الكيان الصهيوني متماثلة مع تلك الجريمة ومستوفية لأركانها والثابت ارتكابها

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram