TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > الصوم دروس وعبر

الصوم دروس وعبر

نشر في: 31 أغسطس, 2010: 08:22 م

كاظم الجماسي(الصوم) مفردة تحمل مدلولات عدة، فهي تعني فضلا عن امتناع الصائم عن تناول الاطعمة والمشروبات، تعني ايضا امتناعه عن القول الكاذب، ما يعني قوله الصدق في كل الاحوال.. وهي مهمة، تبعا لتعدد حاجاتنا كمواطنين لهم الحق في الحصول على الخدمات، التي تحفظ لهم الحد الادنى من القيمة الانسانية كبشر، وتلك مهمة ملقاة على عاتق المسؤول،
 والمسؤول في بلادنا بنحو عام، وكما اثبتت الوقائع، لم يكن ابدا على قدر كاف من الشعور بالمسؤولية، فطوال ما يزيد على الاربع سنوات المنصرمة، شهدت قطاعات الخدمات بمختلف تصانيفها تراجعا مستمرا، حتى بلغت مستوياتها حد البؤس المكتمل..وطوال تلك المدة ظل المواطن يسمع الوعود تلو الوعود، ولم تكن سوى جعجة من دون طحن، وامتلأت صفحات الجرائد بمفردات (سوف) و(سنفعل) و(من المؤمل) و(وضع حجر الاساس) و..و.. وليس من اساس صادق لكل ماقيل على السنة اولئك المسؤولين مع الاسف. ظلت ظاهرة الكذب رديفا لافكاك منه لظاهرة القسر بشتى تصانيفها ومسمياتها، بدءا من قسر الاعراف والتقاليد مرورا بقسر المعتقدات الميثولوجية ومن ثم الدينية- السياسية أو ما اصطلح عليه بـ(الثيوقراطية)، حتى عهد سن القوانين والتشريعات. ولست اعرف تاريخا محددا لظهور اول حالة كذب في عمر البشرية،غير ان ما يمكن ان يجمع عليه الاغلب الاعم من ذوي الشأن، أن الكذب وجد مع ظهور النواة الأجتماعية الاولى التي تجسدت بميثولوجيا (الخطيئة الاولى) مع تعدد بواعثها/ الغواية ومن ثم العقاب الالهي..ولم تكن ظاهرة الكذب نتاجا خيطيا لظاهرة القسر حصرا، بل تضافرت مولدات عدة في صنعها، نفسية واجتماعية وبيولوجية ايضا، غير ان ما يعنينا منها هنا تتبع اثارها السياسية وحصرا السلطوية منها، من اجل حصر اضرارها الفادحة التي باتت تهشم في الصميم توازن وسلامة الشخصية العراقية وبالتالي النسيج الطبيعي للمجتمع العراقي.الامر اللافت قوة وفاعلية، الخطاب السلطوي السياسي، عبر التاريخ، في التأثير الضار لتعضيد ظاهرة الكذب وقد حفل تاريخنا بنماذج عدة من الحكام الذين اختطوا سياقات وانماط لتلك الظاهرة بل ابدعوا في خلقها ايما ابداع، وظلت المفارقة الحادة بين القول عبر انواع الدعاية السياسية لصالح الحكام و الفعل عبر سلوكهم اليومي في تضاد تام لفحوى تلك الدعاية، كما ظلت تلك المفارقة مهيمنة تاريخية دائبة الفعل والتأثير وبنحو بالغ السوء في مصائر الناس وحياتهم. يحكى ان رجل دين يدعي العفة والورع أمام الناس،ويقيم علاقة خاطئة مع أحداهن، وبينما هو منهمك بفعل الخطيئة معها، اخبرته ان الناس باتوا يتهمونها بعلاقتها الخاطئة معه، رد عليها رجل الدين وهو منشغل بها: انتخي بالله ان يقتص لي ولك منهم... مع ملاحظة الوظيفة التبريرية لدين السلطة على مر التاريخ.وبتأثير آلية التشبه بالمثال فقد قدم الحاكم نفسه على الدوام مثالا ينبغي ان يحتذى بوصفه ايضا قد حذا حذو الآله، من قبل، في سماته جميعها حتى اختاره خليفة له على الارض، بغض الاعتبار لتمظهرات الفكرة ذاتها،وقد وجد من بعده كثرة كاثرة ممن راح يحذو حذوه، فانتجت فكرة الحاكم، وهو في الاغلب الاعم مستبد وطاغية،مستبدين وطغاة صغار، الامر الذي بتنا نعايشه يوميا أيام طاغية العراق المقبور،وأصبحنا نعايش بعضا من ملامح الصورة ذاتها بعد انعطافة 9/4/2003. وعند البحث المتريث عن السر في استمرارية تناسل الطغاة على اختلاف يافطاتهم وهيئاتهم سنجد الظاهرة ذاتها، ظاهرة الكذب،مافتأت تتغذى وتغذي في الوقت عينه ذلك التناسل المستمر. فهل ستتوقف عن التدحرج والتضخم المستمر أيضا كرة ثلج الكذب؟ وهل ستتوقف معها اوضاعنا عن التدحرج نحو الاسفل؟ سؤال تتوقف على الاجابة عليه، أحوال سبعة وعشرين مليون مصير من مصائر العراقيين، لأربع سنوات طوال مقبلات.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الصحة العالمية تحذر من خطر حدوث وباء عالمي جديد

طقس بارد ينتظر العراق في هذا الموعد

دخول أكثر من 5 آلاف لبناني للعراق خلال 10 أيام

تعطيل الدوام الرسمي 7 أيام في العراق للمكون الإيزيدي

الرئيس الإيراني: سنرد بشكل أقوى وأشد إذا قامت إسرائيل بالرد علينا

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram