ثائر صالح
لا نعرف سوى القليل من أسماء الموسيقيين في الدنمارك، منهم كارل نيلسن الذي كتبت عن عمله علاء الدين مرة، سمعنا كذلك عن نيلس كاده دون أن نسمع الكثير من موسيقاه،
رغم كون كوپنهاكن عاصمة الدنمارك مدينة مهمة في الشمال الأوروبي. فقد جذب بلاطها مبكراً موسيقيين كبار مثل جون دولاند الموسيقي الانكليزي الشهير أو هاينريش شوتس الموسيقار الألماني الأشهر وكلاهما ولد في القرن السادس عشر. ونعرف عن ديدريش (ديتريش) بوكستهوده عازف الأورغن الدنماركي العظيم الذي سافر إليه باخ مشياً على الأقدام من تورينجيا حتى لوبيك الشمالية القريبة الى الدنمارك للتعلم عنده، مثلما زاره هندل الشاب. ولا تزال اوركسترا البلاط الدنماركي تنشط منذ تأسيسها في العام 1448 حتى اليوم وقد مرّ على منصة قيادتها أعظم قادة الأوركسترا في العصر الحديث مثل كارايان وستوكوفسكي وفالتر وأورماندي حتى نصل سير سايمون راتل في العقود الأخيرة. لهذا أعتبر جهلنا الفاضح بموسيقى وموسيقيي الدنمارك غير مبرر على الإطلاق.
لو طالعنا القائمة بأسماء المؤلفين الدنماركيين في الويكيبديا لوجدناها طويلة بشكل مذهل، فهي تضم حوالي 350 اسماً. نجد بينهم نساء مؤلفات، منهن نانسي دالبري (1881 - 1949) التي صادفت اسمها الأسبوع الماضي أثناء استماعي لواحد من أعمالها في الراديو. تبين أنها من الموسيقيين المهمين في الدنمارك، ولا تقل سيرة حياتها الفنية أهمية عن غيرها من مشاهير الموسيقيين الذين نستمع إلى أعمالهم يومياً. فهي أول مؤلفة دنماركية كتبت سيمفونية، وألفت نحو 50 أغنية منها ثلاث مع الأوركسترا، لكن أهم ما كتبته بين أعمالها قليلة العدد هو رباعياتها الوترية الثلاث وسكرتسو للأوركسترا وكاپريچيو للأوركسترا.
ترعرعت نانسي هانسن في جزيرة فين التي تتوسط الجزر الدنماركية، وأخذت لقب زوجها المهندس إريك دالبري (دالبرك) بعد زواجها وانتقالها إلى كوپنهاكن سنة 1901 حيث درست في الكونسرفاتوار. قدمت أول حفل لها على البيانو في 1907 بأعمال كلاسيكية لبيتهوفن وموتسارت، وكانت ستصبح عازفة بيانو ماهرة لولا إصابتها بمرض في أنسجة اليد والذراع، فتوجهت إلى التأليف. أخذت دروسا خصوصية في البداية عند الموسيقي النرويجي يوان سفنسن منذ 1909 حتى وفاته في 1911 ثم عند نيلسن منذ 1913، وتعاونت مع نيلسن في التوزيع الموسيقي لعمليه "علاء الدين" و"ربيع فين"، واستمر تعاونهما حتى فترات لاحقة قبيل وفاته في 1931، فقد سافرت معه في بعض الجولات الفنية (إلى هلسنكي وإسبانيا). أمضت كذلك فترة في بسكرة بالجزائر، حيث دونت بعض الأغاني الشعبية الجزائرية استعملت بعض ألحانها لاحقاً في تأليف "موسيقى عربية من الصحراء" في 1928 لفيولا وأوبو وطبل.
برز في أعمالها تأثير استاذيها، سفنسن ونيلسن، لكنها طورت لنفسها لغتها الموسيقية الخاصة بها، وهذا هو ما يميز أي مؤلف موسيقي جاد. فكثيراً ما نخمن اسم مؤلف قطعة موسيقية لم نسمعها من قبل استناداً إلى اللغة المميزة لمؤلفٍ ما وبصماته وصوته المميزين.