تحقيق وتصوير/ إيناس طارق لم تكف عن الصراخ وكأن سخونة الأرض من تحتها لا تجعلها تصمت والام تصر على إعطاء ابنتها انمار البالغة من العمر عاما ونصف العام زجاجة الحليب الاصطناعي الذي تعودت عليه منذ الولادة.السكون يخيم على المكان.. انمار صمتت ولم تحرك ساكناً، واختفى ذلك الصراخ المدوي في المكان.
والام تعتقد أن انمار غطت في نوم عميق بعد أن أكملت رضاعة الحليب، ولم تكن تعلم أن ابنتها فارقت الحياة بعد أن أصيبت بتسمم حاد في الدم.الحليب الذي تتناوله يحوي مادة "الملامين" ونحن لانتحدث عن اكتشاف تلوث إشعاعي أو وجود جسم مشع، ولا عن نوع من المتفجرات أو "السي فور" شديد الانفجار أو أسلحة كاتمة، بل هي مادة تقتل بصمت وتدمر الخلايا وتنشر المرض ويواظب أطفالنا على تناولها ويصمم أولياء أمورهم على شرائها لرخص أسعارها بعد أن وجدوا فيها منفذاً للخلاص من ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل عام، في بلاد انتشرت فيها بضائع من كل حدب وصوب.تلك البضائع التي حملتها شاحنات تجار عراقيين وعرب وسط حدود مفتوحة ابوابها على مصاريعها يثير شكوك المختصين والخبراء في مجال الصحة في ان اغلبها غير صالحة للاستهلاك البشري، وقد تسبب هذه المواد للأطفال أمراضاً سرطانية، وتدون المشافي العراقية سبب الوفاة في سجلاتها على انه "الاصابة بمرض عضال" بينما أرصدة التجار تزداد من ارباح تجارة تثير القلق والمخاوف.rnأنواع الحليب أنواع من علب حليب الأطفال صينية المنشأ تباع وتشترى من دون أي اكتراث بما تحتويه من سموم قاتلة، فمادة الميلامين الكيميائية التي تستخدم في إنتاج المواد البلاستيكية والأسمدة، تضاف إلى الألبان الصينية لتحسين محتواها من البروتين، ولا يخفى على احد، انه لم يبق شيء صيني لم يخترق امعاءنا ومنازلنا،علب الحليب بالذات تباع في كل مكان في المحال التجارية و البسطيات وبسعر بخس والناس تواصل شراءها من دون إن تعلم إن هذا الحليب محظور تناوله عالمياً. إذن أين الرقابة الصحية من كل هذا؟ ولماذا لا تمنع فرق الرقابة ووزارة الداخلية وكل جهة معنية بصحة المواطن هذه الأنواع من الحليب، وحتى بالنسبة لوزارة التجارة التي اصبحت في الاونة الاخيرة مع الاسف الشديد خارج نطاق الخدمة، والمفروض ان تقدم للمواطن افضل الخدمات من خلال استيرادها البضائع الرصينة ومراقبة البضائع الغذائية الداخلة من مختلف دول العالم ان كانت مجاورة او عبر البحار وصولا الى سور الصين العظيم. rnبداية الحكاية بعد أن فارقت البطاقة التموينية الحياة، وصارت من الماضي، دفع بالعائلة العراقية المنهكة الى التوجه والاعتماد في توفير ما تحتاجه من المواد الغذائية الأساسية على البضائع الصينية الرخيصة لكونها تتناسب مع المدخولات اليومية او الشهرية، من دون النظر الى الإضرار الناجمة من جراء استهلاك مختلف أنواع الأغذية والأطعمة المعلبة، في ظل غياب المراقبة والمتابعة من أي وزارة او جهة رقابية اخرى.المادة التي نتكلم عنها موجودة في نوعية معينة من أنواع حليب الأطفال المعبأة في العلب المعدنية، ومهما كان الاسم الذي تشتهر به هذه العلب فإنها تملك العديد من الاسماء و"الماركات" المختلفة، لكنها تتميز باغلفة براقة وزاهية الألوان لتمويه المستهلك فقط لان الشركة المنتجة هي واحدة وتحمل جملة واضحة (صنع في الصين) وما خفي بداخلها كان أعظم. من أين تأتي هذه البضائع؟rnشاحنات كبيرة شاحنات كبيرة محملة بمختلف أنواع الحليب الاصطناعي تصطف في طابور الانتظار الطويل امام السيطرات الأمنية حتى تدق الساعة العاشرة مساءاً ليسمح لها بعد ذلك بالتحرك والذهاب بها إلى أماكن خزنها.المخازن التي تجمع فيها تلك المواد عبارة عن "جملونات" كبيرة مفتوحة الجوانب تسمح بدخول وخروج الهواء و الحرارة والرطوبة بكل يسر، وهي مخصصة لحفظ البضائع المستوردة من دول الجوار وخصوصا مادة حليب الأطفال وتقع على الخط السريع العام المؤدي إلى منطقة نفق الشرطة (المنطقة الصناعية) سابقاً. هذه "الجملونات"،او المعامل كما يطلق عليها أصحابها، كانت مخصصة لقوالب "الكاشي والمرمر والموزايك"، لكن اليوم المئات من علب الحليب المستورد تخزن هناك، وفي مناطق متعددة اخرى صناعية مثل مخازن جميلة والشورجة، ولا نعلم كيف يسمح باستيراد بضائع تمس بحياة أطفالنا على وجه الخصوص في الوقت الذي ترفض وتعلن فيه جميع الدول العربية وحتى الدول نفسها التي نستورد منها الحليب الاصطناعي من ان بيع علبة واحدة تحمل مواد ضارة، يؤدي إلى موت الطفل وإصابته بالأمراض خصوصا بعد أن حذرت دول الاتحاد الأوربي، وهيئة سلامة الأغذية الكندية، وهيئة التقييس البريطانية والايرلندية والنيوزيلندية، وهيئة الغذاء العربي، من استخدام الحلوى التي تحمل العلامة التجارية "White Rabbit" وذلك لأنها منتجة في الصين ومن المحتمل أن تكون ملوثة بمادة الميلامين، كما حذرت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية،
من "سور الصين" الى جميلة والشورجة.. شبح الامراض يسافر مع حليب الاطفال
نشر في: 1 سبتمبر, 2010: 05:44 م