حسين علي الحمداني(حـقـوق الإنسان) عبارة، تركيبها اللفظي يدل على مفهوم يتألف من مفهومين هما (الحــق) في صيغة الجمـع، و(الإنسـان) في صيغة المفـرد. وإذا ما كان لكل مفهوم جذوره، ومرجعياته التاريخية، التي تنتمي لمجتمع ما، ولغة ما،
فإن مفهوم (حقـوق الإنسـان) يأخذ صيغة تجـريدية، لانتمائه إلى جميع المجتمعات البشرية، لأنه يخص الإنسان ككائن، وكجنس، منذ أن وجد على هذه الأرض والى يوم زواله عن وجهها. صحيح إننا نستطيع أن نجد جذور هذا المفهوم في الأديان، باعتبار إن الأديان كلها تكرم الإنسان وتفضله على غيره من الكائنات الحية، وتقر جميعها بالحرية والمساواة، وتأمر الإنسان، وبالتالي الحاكم والسلطة، بالعـدل والإحسان، إلا أن بعض الباحثين يجدون الإسراع في إيجاد مرجعيات تاريخية لحقـوق الإنسان في الأديان ما هي إلا محاولة اصطناعية، قسرية، لتفكيك المفهوم ونسفه من الداخل بإحالته إلى الدين وتفسيره بالنوايا والتوجهات الأخلاقية الطيبة، لأن مفهوم (حقوق الإنسان) الذي يتناوله المفكرون والساسة والمنظمات الإنسانية العالمية لا يدل على المفهوم نفسه الذي نفهمه قانونياً اليوم. باسم (حقوق الإنسان) قامت الحروب وارتكبت المجازر، واجترحت المظالم، وسفكت الدماء، وشرعت الجرائم. وباسم (حقوق الإنسان) خاض الإنسان في الشرق النضال وقدم الضحايا بالملايين، لكنه رغم ذلك ظل يعاني الانتهاك الصارخ لحقوقه الطبيعية. ورغم أن حقـوق الإنسان في الجوهر هي قديمة وطبيعية، إلا إن الوعي بها وتشكيلها كمفاهيم فكرية وأخلاقية لم يتم بين ليلة وضحاها، وحسب الرغبات والنوايا الطيبة. النصوص الأولى التي ظهرت فيها عبارة (حقوق الإنسان) هي النصوص السياسية الثورية في القرنين السابع عشر والثامن عشر. وهذه النصوص جاءت على شكل إعلانات وتشريعات. وقد كان أول إعلان هو (الإعلان الانكليزي) الذي صدر عن البرلمان سنة 1689 على اثر الثورة البرجوازية ضد الأرستقراطية، والذي ضمن الحـرية الشخصية للمواطن وحرم إيقـافـه وسـجنه من دون سند قانوني. ثم جاء إعلان الحقوق لولاية فرجينيا في 12 حزيران من عام1776 ، ثم في إعلان استقلال الولايات المتحدة الأميركية في 4 تمـوز من عام 1776. وبعد ذلك في الإعلان الفرنسي لحـقـوق الإنسان فـي 26 آب من عام 1789. بعض المفكرين يرون إن الفيلسوف (جـون لــوك ؛ 1632-1704) هـو المنظـر الأول لحقوق الإنسان، لا سيما حينما خصص لها كتابين، صدر الأول في سنة 1690 تحت عنوان (دراستان حول الحـكم المـدني)، الذي أكـد فيه الحقوق الطبيعية للإنسان، أي حقـه في الحيـاة، والحـرية، والمسـاواة، والمـلكيـة. وكـذلك كتـابه (رسـالة في التسـامح)الذي أكد فيه مبـدأ الحرية الذي لم يحصره في حـرية الـرأي والفكر والتعبيـر فحسب، وإنما أيضاً في حـرية العـقيــدة والتعبـد، معتبـرا ان الـدين يقـوم عـلى الإيمــان وليس على الإكــراه، ومن هنـا ، ولضمـان حـرية العقيـدة والمعتقـد والتعبـد، دعـا الى وجـوب فصـل الـدين عـن الدولـة، أي ما يسمى بـ (العلمانية) في أدبياتنا السياسية والدينية والفكرية حاليا. ولـم يكـن (جـون لـوك) قد دعا الى محاربة الدين أو ما شابهه، فقد كان مدافعا جريئا من اجل ضمان حرية التعبد والمعتقد للإنسان، ولم يكن في هذا أي إساءة للـدين، وإنما للإكراه الـديني وضد التعصب، فـ (لا إكـراه في الـدين)، كما جاء في القرآن الكريم. الفيلسوف الأكثر جرأة هـو الفرنسي (فـواـتير؛1694 - 1778)،فقـد عاش حياة سياسية عاصفة إذ اعتقـل، وأودع في سـجن الباستيل الشهير، لأنـه نـدد بالاستبداد السياسي الذي تمارسه السلطة والاستبداد الدينـي الذي تمارسه المؤسسات الدينية، ودعـا الى حـرية الفـكر والمعتقــد، وحـارب التعصـب بكل اشكاله، باعتباره المـولد الحقيقي للتعسـف والظـلم والاستبداد السياسي، والديني، والاجتماعي، والعائلي. رغـم تأثير (فولتيـر) على الفكر الأوروبي في هـذا المجال، إلا أن الفيلسوف الأبرز في مجال (حقوق الإنسان) هو الفرنسي (جـان جـاك روسـو؛1721 - 1778) الذي كـان، بسبب جذوره الشعبية، الأكثر ثورية من كـل فلاسفة (التنـوير)الذين سبقوه بشكل عام. وقـد جسـد (روسـو) أفكـاره في كتابه الشهير (العقـد الاجتماعي)، الذي صـدر في عام 1762، والذي وضـع فيـه أسس مفهـوم (المواطنة) على ضـوء القـوانين الطبيعية التي تقـر(حـقـوق الإنسـان) في الحـرية، والمسـاواة، ممـا يستوجب إقـامة النظـام الـديمقـراطي الذي يكـون الشـعب فيه صاحب السـيادة، إذ كتب (إن الإرادة الجمـاعية تستطيع وحـدها تسيير دواليب الـدولة. ولا يمـكن أن يخضـع الشـعب لقـوانين لا يسـنها بنفسـه. إن السـلطة التشـريعية هي مـلك الشـعب، ولا يمكـن أن تكـون لغيـره، وكـل قـانون لا يصـادق عليه الشـعب بنفسـه يعتبـر مـلغى، أو بالأحـرى لا يعتبـر قـانونا). وقـد كـان كتـابه (العقـد الاجتماعي) هـو المـرجعية الأساس الذي استمدت الثـورة الفـرنسية منه قـوانينهـا في عام 1789، أي بعـد أحـد عشر عاماً من مـوت (روسـو). الثـورة الفرنسية، وإعلانها الصريح عن (حقوق الإنسان والمـواطنة) ومبادئها التي تقـوم على تحـرير الإنسان من جميع القيود،
حقوق الإنسان رسالة فـي التسامح
نشر في: 1 سبتمبر, 2010: 06:14 م