اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > سينما > ميسي بغداد. . يُدين الاحتلال ويعرّي النَفَس الطائفي المقيت

ميسي بغداد. . يُدين الاحتلال ويعرّي النَفَس الطائفي المقيت

نشر في: 29 فبراير, 2024: 12:58 ص

بغداد: عدنان حسين أحمد

ضمن مسابقة الأفلام الروائية الطويلة في الدورة الأولى لمهرجان بغداد السينمائي الأول التي تضمنت 12 فيلمًا روائيًا طويلاً اشترك فيلم "ميسي بغداد" للمخرج الكوردي العراقي سهيم عمر خليفة ونال عنه تنويهًا خاصًا، كما خطفت الفنانة زهراء غندور جائزة أفضل ممثلة لتجسيدها دور سلمى ببراعة وإتقان شديدين.

لم ينبثق فيلم "ميسي بغداد" للمخرج المبدع سهيم عمر خليفة من فراغ أو شطحة خيال مجنّحة فأحداث القتل والتشويه وبتر الأطراف شاعت في أثناء الغزو الأميركي على العراق وما تلاها من سنوات الاحتقان الطائفي الذي انتشرت فيه ظاهرة القتل على المذهب والهُوية الطائفية ولعل الصبي حمّودي الذي بلغ بالكاد عامه الحادي عشر يفقد ساقه اليسرى بسبب التوترات الطائفية التي رصدها كاتب السيناريو كوبي فان ستيبرج وسلّط عليها مساحة كبيرة من الضوء في قصة درامية تأخذ بتلابيب المتلقي منذ مُستهل الفيلم حتى نهايته بثيمة رئيسة تتناسل إلى ثيمات فرعية لا تقل توترًا وإثارة من الثيمة المحورية التي تضرب على وتر حساس. يمكن اعتبار هذا الفيلم الدرامي سيرة ذاتية للطفل حمودي الذي يمتلك شغفًا منقطع النظير وولعًا بكرة القدم المحلية والعالمية حيث يجد معظم الأطفال والشباب وحتى كبار السن ضالتهم في فرق كرة القدم الأوروبية والأمريكية اللاتينية على وجه التحديد.

لا يتأخرّ المخرج سهيم عمر خليفة كثيرًا ليُدخِل الجمهور في المناخ الدرامي الذي التقطه وأعدّه بدراية وعناية فائقة حيث يقول في مستهل الفيلم "بعد ست سنوات من احتلال التحالف الدولي والعنف الطائفي تحولت البلاد إلى مكان غير صالح للحياة". كما تحوّلت بغداد إلى مكان غير صالح للعيش طالما أن شبح الموت يحوم حول الجميع ويُدخلهم في دوّامة من الخوف والذعر والترقب. يُصاب الطفل حمّودي بانفجار يفضي إلى بتر ساقه اليسرى فينصدم الأبوان ويفجعان بهذا الحادث المروّع الذي سيقلب حياة العائلة رأسًا على عقب. فإذا كان الأب كاظم مذهولاً فإن الأم سلوى سقطت في خانق التساؤل والاستغراب وهي تردد مذعورة "ليش حمّودي شنو ذنبه؟" لكن الطبيب يحسم الأمر ويخبرهما بأنّ حالته الصحية مستقرة وقد أعطاه بعض المهدئات لكي ينام بعمق صباح اليوم التالي. ونصحهما بالعودة إلى المنزل وطلب من كاظم أن يغيّر ملابسه الملطخة بدماء ابنه الوحيد. ثمة احتجاجات تتصاعد ضد الشركة الأمنية الأمريكية"يونتي" وأنّ غالبية الناس يتذمرون من فظاظتهم وسلوكهم الأهوج حتى أنّ أحد السوّاق يقول:"هؤلاء الخنازير يمشون بشوارعنا مثل المخابيل، لازم نصير على صفحة من يفوتون" ولا يجد حرجًا في القول بأنّ هؤلاء المحلتين يجب أن يُقتلوا. وثمة امرأة تشتم من شقة علوية مُطلة على الشارع وتقول:"أنعل أبوكم لابو الجابكم، أمريكان حرامية قذرين" وهذا هو الشعور السائد الذي أعقب الاحتلال وأفضى إلى سقوط النظام الدكتاتوري المقيت. يصحو الابن من هول الصدمة في المستشفى فيرى ساقه المبتورة، وهو الكابتن المولع بكرة القدم، فلاغرابة أن يصرخ "منو ;الكم تاخذون رِجلي؟" فيرد عليه جريح آخر:"لا تخاف راح رِجلك تطلع مرة ثانية!" مُدعيًا بأنّ يده قد انبترت مرتين ونمت من جديد وهي الآن في منتصف الطريق. لا تتعاطف غالبية الناس مع قوات الاحتلال على الرغم من رغبتها في إسقاط النظام الدكتاتوري السابق فهم ينظرون إلى الأمريكان كقوات محتلة وأنّ المتعاونين معهم كالمترجمين والمستشارين والأدلاء هم "عملاء وخونة قذرون" فحتى"أمينة"، بائعة الخضراوات تخاطب المترجم كاظم بالقول:" أنتَ خاين، هاي عقوبة من الله، جنيت على نفسك وعائلتك". حيث انبترت ساق ابنه، وسوف يُحرق منزله، ويُهجّر إلى قرية "الرحمانية" المتاخمة لسد الموصل حيث تأخذ الأحداث منحىً آخر. لا يستطيع الأب إقناع ابنه حمّودي عن سبب انفعال "أمينة" واستيائها منه لكنه يعزو ذلك إلى أننا جميعًا نتعصب في بعض الأحيان بسبب القهر المكبوت الذي لا نراه ونفصح عنه بهذه الطريقة الانفعالية المنفلتة. تتطور عقدة حمّودي التي تدفعه لأن يثير هذا السؤال الجوهري دائمًا:"أ;در أرجع ألعب طوبة مرة ثانية؟" فيأتي رد الوالد بأنّ هناك أناسًا لا أيادي لهم لكنهم يعزفون بأصابع أقدامهم ويؤكد له بأنه يستطيع لعب كرة القدم بساقٍ واحدة!

يُحيلنا التهجير إلى سنوات المد الطائفي والكتابة على أبواب وجدران المنازل بأنهم مطلوبون ويجب أن يغادروا وإلاّ كان القتل نصيبهم فينتهي بهم المطاف في قرية "الرحمانية" التي وصلوا إليها بمساعدة شقيقة سلوى التي قُتل زوجها سمير بسبب الطائفية. تتسيد شخصية الحاج عثمان في قرية "الرحمانية" فهو المختار والشخص الكبير فيها الذي سيؤجر لهم منزلاً متواضعًا وهو يمتللك نصف بيوت القرية. لا يقابل حمّودي بالترحاب من قبل صبيان القرية فهم يسمّونه الأعرج في أفضل الأحوال وخاصة يعقوب الذي يتخذ منه موضوعًا للتندّر والاستهزاء. وعلى الرغم من تنازل حمّودي عن فكرة اللعب إلاّ أنه يظل متشبثًا برسم الخطة وإعدادها على الوجه الأكمل.

يصدق حمّودي وهم نمو الأعضاء المبتورة وأستطالتها فيقيس ساقه كل يوم حتى يجدها قد استطالت بعض الشيء حيث بات يعتقد أنّه مثل الشجرة المبتورة التي ينمو غصنها المقطوع، وأنّ عضوًا مثل السن المقلوع يمكن أن يعوّضه بسن آخر. غير أنّ الأم هي الإنسانة الوحيدة التي تخبره بأن الإنسان إذا فقد عضوًا من جسده لا يتعوّض أبدًا.

يعرب حمّودي عن رغبته في لعب كرة القدم مع فريق القرية الذي يقوده يعقوب لكن هذا الأخير يقول "هذا الفريق فريقي، وآني أقرّر بكيفي". وحينما يعود منكسرًا إلى البيت يخبره الوالد بأنه قد أحضر له التلفزيون ولا يحتاج إلاّ إلى تثبيت الهوائي لكي يشاهد دوري الأبطال. وما إن تتضح الصورة على الشاشة حتى يطلب منهم مغادرة المنزل وحينما يعترض يعقوب يردّ عليه:"هذا تلفزيوني يا يعقوب، وآني أقرر بكيفي". فتبدأ تنازلات يعقوب لكن حمّودي يرفض أن يلعب كحارس مرمى فهو ميسي بغداد ولاعبها الأشهر.

يثني كاظم على مساعدة عثمان له لكن هذا الأخير يستغل صعوبة ظرفه المادي ويغريه بالعمل في جمع الأسلحة من حقول الألغام لكي يحصل على نقود كثيرة، وحينما يمتنع كاظم يستفزه بضرورة شراء ساق اصطناعي لولده أو دفع الإيجار المترتب عليه في الأقل. ويبدو أن هناك قاعدة للجيش تبعد بضعة كيلومترات عن حقول النفط وقد حوّلها عثمان إلى مصلحة يعتاش عليها رغم خطورة العمل فيها.

لا يصرّح حمودي بالطريقة التي انبترت فيها ساقه فهو يرد على سؤال أحد أصدقائه بأنه سرق دراجة والده وقادها بسرعة كبيرة في شارع عام ولم تستطع دوريات الشرطة والهليكوبترات اللحاق به فاعترضته سيارة سريعة أيضًا وطار في الهواء، وحينما استفاق وجد نفسه في المستشفى.

يأتي صديقه باهوز ليحثّه على العودة إلى العمل في شركة الـ "يونتي" التي تغيّر اسمها إلى "حرية العراق" بسبب الاحتجاجات وسمعة الشركة. يتعطل التلفزيون ثانية ويحتاج إلى قاعدة ترانزستر جديدة لا يمكن العثور عليها إلاّ في بغداد. يُطرد حمّودي من الفريق وتؤخذ منه قفازات حارس المرمى. يتفاقم الشعور بالذنب عند الأب كاظم فهو الذي حرم ابنه من لعبة كرة القدم التي يحبها الأمر الذي يدفعه لأن يغامر بالذهاب إلى حقول الألغام لجلب بندقية والشراء بثمنها تلفزيون جديد لكنه يدوس على لغم ألماني ويمر الفيلم بلحظات من التوتر والشد والرعب فينفجر اللغم من دون أن يلحق إصابة قوية بحمودي. تحتد مريم على شقيقتها سلوى وتخبرها بأن الذهاب إلى حقل الألغام كانت فكرة حمودي وهو الذي جلب الخريطة من والده، وطلبت منهم مغادرة القرية سريعًا لأنها فقدت زوجها بسببهم.

تتفاقم أزمة حمودي الذي لا يجد حرجًا في مخاطبة والده بالقول:"كل هذا بسببك وبسبب شغلك الغبي. چان عندي رجلين وچنت آني كابتن الفريق ببغداد وأنت وأمي متريدوني أعيش فرحان. لعد ليش جبتوني للدنيا، ليش؟" وحينما يتضايق كاظم يتصل بباهوز ويخبره برغبته في العودة إلى عمله السابق كمترجم لأنه بدأ يعاني من شظف العيش، وعدم قدرته على دفع الإيجار.

يعتذر كاظم من ابنه لأنه وبّخه ذات مرة فيقرر في لحظة ما أن يفاجئ ابنه ليصطحبه إلى بغداد لتصليح التلفزيون حتى يرى مع أصدقائه نهائي دوري الأبطال ويمر بمواقف طائفية متشابهة في غالبية نقاط التفتيش ولكنه ينفذ منها بأعجوبة ويترك التلفزيون عند المصلّح ويستأذن ابنه لقضاء مهمة لم يكشف عنها حيث ذهب كاظم إلى مبنى "حرية العراق" وتسلّم موافقة العودة إلى عمله السابق وما إن لمحة أحد باعة الماء وهو يدخل إلى مبنى الشركة الأمنية حتى اتصل بالجهات المعنية فأصابوه بطلق ناري لكنه استطاع أن يسلّم النقود لابنه وطلب منه أن يأخذ التلفزيون ويشاهد المباراة النهائية مع أصدقائه ثم يخبر والدته بأنه لم يستطع أن يجلب جثة أبيه لأنها كانت ثقيلة جدًا. وفي الخام لابد من الإشارة إلى أنّ سهيم عمر خليفة قد بلغ رصيده الإخراجي ستة أفلام وهي "أرض الأبطال" و "ميسي بغداد" (قصير)، و "صيّاد سيء"، و "زاكروس"، و "جمال العراق الخفي"، و "ميسي بغداد" روائي طويل سوف يُعرض في صالات بغداد اعتبارًا من 22 شباط / فبراير الجاري.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

أفضل عشرة أفلام هروب من السجن

النجم غالب جواد لـ (المدى) : الست وهيبة جعلتني حذراً باختياراتي

أفضل عشرة أفلام هروب من السجن

معاهد متخصصة فـي بغداد تستقبل عشرات الطامحين لتعلم اللغة

متى تخاف المرأة من الرجل؟

مقالات ذات صلة

حين تتستر الإيدلوجيا الثورية بقبعة راعي البقر!
سينما

حين تتستر الإيدلوجيا الثورية بقبعة راعي البقر!

يوسف أبو الفوزصدر للكاتب الروائي السوري، المبدع حنا مينا (1924- 2018)، الذي يعتبر كاتب الكفاح والتفاؤل الانسانيين، في بيروت، عن دار الآداب للنشر والتوزيع، عام 1978، كتاب بعنوان (ناظم حكمت: السجن… المرأة.. الحياة)، يورد...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram