الموصل/ سيف الدين العبيدي
على بعد 100 متر من نهر دجلة يجلس محمد صالح الطائي ذو الـ84 عاماً في محله لبيع مستلزمات الصيد بوسط سوق السمك الرئيسي بأم الربيعين، والذي يبعد عن منزله التراثي القديم بضعة امتار في منطقة الميدان التي أطلقت فيها اخر رصاصة بمعارك التحرير وكان قد هُدم منزله بذلك الوقت وما يزال يأمل ان يعاد اعماره بعد مضي 7 سنوات من انتهاء نكبة الموصل.
تراه تارة عند باب محله يتحدث مع ابنه بائع السمك وتارة اخرى يرتب البضاعة والمعدات التي يستوردها من بغداد والبصرة، مشهد سيراه كل من يزوره من الزبائن والمهتمين بهذه المهنة، يتحدثون معه حول تجربته في مهنة الصيد التي عمل بها منذ طفولته مع والده،ليكتسبوا منه بعض المعلومات.
يعد الطائي اقدم صياد موصلي، ترك المهنة بعد عام 2003 بسبب منع الشرطة النهرية للصيادين من مزاولة اعمالهم في نهر دجلة بحرية منذ ذلك الوقت لدواعي امنية وبقي الان عدد قليل جداً منهم يعمل فيها وفي مناطق محددة من النهر ، فأجبر على ان يبقي على بيع مستلزمات الصيد ليكون هو ايضاً اخر من بقي يعمل فيها، فقد اعتزل اغلب اصحاب هذه المهنة من بعد تحرير المدينة بسبب دمار محلاتهم .
يتحدث محمد الطائي لـ(المدى) عن بدايته بصيد الاسماك في خمسينيات القرن الماضي مع والده الذي كان يصنع القوارب ومعدات الصيد في موقعه عند ضفاف نهر دجلة ، وفي مرحلة شبابه ما بين فترة الستينيات والسبعينيات انتقل العم محمد للعمل في سد دوكان بمحافظة السليمانية وبقي يصطاد السمك هناك لمدة 8 سنوات، وليس ذلك فقط بل كان يذهب إلى مدينة زاخو ويصطاد ويعود بزورقه الخشبي من هناك إلى الموصل. ينظر إلى نهر دجلة ويسترجع شريط ذكريات رحلات الصيد مع أصدقائه عندما كان يذهب من الموصل إلى مدينة بيجي وبعدها الى بغداد عبر الزورق الذي كان يصنعه والده ثم يقوم ببيعه هناك او في العاصمة، كذلك بيعه للسمك في سامراء و تكريت ويعود بربحه الى مدينته عبر المركبات او القطار، واستمر هكذا لسنوات طويلة.
ويقول: في السابق كانت الزوارق تأتي من تركيا محملة بالبضائع وترسو بالقرب من سوق السمك او عند الواجهة النهرية بتسميتها في الوقت الحالي، والتي وصفها بأنها كانت ميناء مصغرا، لكن اليوم كل ما موجود من اسماك في السوق الرئيسي بأم الربيعين يأتي من مدينتي بلد وداقوق بالإضافة إلى بحيرة سد الموصل.
ويصف الطائي الإقبال على شراء مستلزمات الصيد بالضعيف جداً بسبب تقييد الصيادين وكذلك استخدام طريقة الصعق بالكهرباء للصيد دون استخدام الشبكة، ورغم ذلك فأنه يفتتح محله عند الساعة الثالثة فجراً من كل يوم ويبقى لغاية صلاة العصر، وينهي الطائي حديثه وهو يتفحص بضاعة جديدة من الشبك وصلته من بغداد بقوله إنه لا يستطيع أن يجلس في المنزل على الرغم من كبر سنه بسبب حبه وتعلقه بهذا العمل وانه يستمتع بتواجده في سوق السمك الذي عاش سنوات حياته الطويلة فيه.