TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: مواطن عراقي

العمود الثامن: مواطن عراقي

نشر في: 29 فبراير, 2024: 01:04 ص

 علي حسين

عندما سُئل المستشار الألماني هلموت كول عن الصورة التي يتمنى أن يتذكره الناس بها قال: " مواطن ألماني جداً"، كان كول يقول لشعبه، وهو يشاهد جدار برلين يتهدم قطعة قطعة : " القضية الكبرى ليست ما فعله الجدار بنا، المسألة الأهم هي ما سنفعله بعد إزالة الجدار" .

ربما سيقول البعض، ما لنا ومال ألمانيا وجدارها ومستشارها، ونحن نعيش اليوم الصراع على كراسي مجالس المحافظات ، وأقول ما تعلّمته في الصحافة والكتب، يؤكد أنّ الاهتمام بالأحداث الآنيّة لا يمنعنا من تسليط الضوء على ما يعيق التقدم نحو المستقبل، المشكلة اليوم أنّ هناك شيئين في العراق، لا يمكن السيطرة عليهما، بعض ” لطفاء ” الفضائيات، ، وتقلبات مشعان الجبوري .

عندما توحدت ألمانيا من جديد، قبل نحو ثلاثين عاماً، كان الثمن مئات المليارات دفعتها بون، المدينة التي دمرتها الحرب العالمية الثانية، وقد اقتضى نهوض الألمان من ركام الموت والخراب وجود رجل دولة يدرك مسؤوليته تجاه شعبه، فوقع الاختيار على "كول" الذي سمي فيما بعد "مهندس ألمانيا الجديدة" لأنه استطاع وخلال سنوات قليلة أن يجعل من هذه البلاد، واحداً من أقوى اقتصاديات العالم.

وصف كثير من المؤرخين كول بالثعلب والداهية، فهو يستغل ابتسامته اللطيفة والحنكة التي تعلمها من والده محصل الضرائب للوصول إلى أهدافه، ولم يتأخر يوماً عن طلب المساعدة من سياسيين مثل تاتشر التي كانت تقول عنه "إنه ألماني عنيد " ، وحين قال له ميتران يوماً إن ألمانيا ستعود دولة عظيمة مرة أخرى، ابتسم وهو يرد: "لا نريد دولة عظيمة، لأن ألمانيا العادية ستصبح يوماً أهم دولة في أوروبا. ومن دون صرخات هتلر، ففي السلم فقط يمكن لنا أن نبني بلداً مزدهراً" .

تثبت لنا تجارب الشعوب المدى الذي يمكن أن يصل إليه الفعل البشري، حين تتضافر الجهود والنيات الصادقة في بناء وتطور الأوطان.

كم هو مذهل ومثير ونحن نقلّب صفحات التاريخ أن نجد كيف بدأ شبح الحرب الأهلية في إسبانيا كابوساً يلوح في الأفق بعد وفاة فرانكو، مذكّراً الإسبان بتاريخ لا يريدونه أن يعود، وقتها ظهر السياسي أدولف سواريث الذي اختير ليكون رئيساً للوزراء.

كان المناخ في إسبانيا آنذاك مهيّأً تماماً لاشتعال الأوضاع في أية لحظة، خاصة أن الجميع لم يكن قد نسي الدماء التي أريقت والأبرياء الذين قتلوا، إلا أن قوة صاحب الابتسامة الهادئة نجحت في إقناع الشعب، بأنّ هناك قارباً إسبانياً واحداً لابد أن يركبه الجميع. وأنّ راكباً واحداً بإمكانه أن يُغرق المركب.

اليوم ندرك جيداً أنّ الماضي يمكن أن يئد الحاضر عندما لا يريد السياسي او المسؤول ان يقول بصدق " أنا مواطن عراقي" .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram