د. كاظم المقدادي
تحت شعار: "تحقيق الوحدة العالمية من خلال الدبلوماسية البيئية"، إنطلقت يوم الأثنين الماضي(26/2) الدورة السادسة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة (UNEA) وتستمر لغاية 1/3/2024 في مقر برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) في نيروبي بكينيا. وهي أعلى هيئة لصنع القرار في العالم بشأن البيئة.
تأسست الجمعية في عام 2012 بقرار من مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (ريو+20)، الذي عقد في البرازيل. وهي تعتبر منتدى العضوية العالمي الوحيد المعني بالشؤون البيئية على كوكب الأرض، الذي يوفر منصة فريدة لاتخاذ القرارات الجريئة والأفكار الجديدة لرسم خطة جريئة للعمل البيئي الجماعي.
تعقد الجمعية إجتماعاتها كل عامين،بهدف تحديد أولويات السياسات البيئية وتطوير التشريعات الدولية في هذا الشأن. وتتاح خلالها الفرصة للدول الأعضاء في الأمم المتحدة لمعالجة القضايا البيئية الحرجة التي تواجه كوكب الأرض، بشكل جماعي.
وقد بدأت الجمعية منذ إنشائها حقبة جديدة من التعددية يولى فيها الاهتمام للقضايا البيئية بنفس مستوى الاهتمام الذي تحظى به القضايا العالمية الرئيسية الأخرى، مثل السلام والأمن والصحة.ووافقت الجمعية خلال السنين المنصرمة على قرارات مهمة بشأن موضوعات مثل مكافحة الاتجار غير المشروع بالحياة البرية، وحماية البيئة في مناطق النزاع المسلح، والتنقل الحضري المستدام، من بين أمور أخرى.ونتيجة للمناقشات التي جرت في دورة جمعية البيئة لعام 2022، بدأت المفاوضات بشأن أول صك دولي ملزم قانونا لإنهاء التلوث البلاستيكي، والذي من المتوقع أن تكتمل بحلول نهاية عام 2024.
تستضيف الدورة السادسة، برئاسة رئيستها د.ليلى بنعلي، وزيرة الأنتقال الطاقي والتنمية المستدامة المغربية، عددا قياسيا من المندوبين، يبلغ نحو6 آلاف، بما في ذلك 7رؤساء دول و139 وزيرا ونائب وزير، بالإضافة إلى خبراء وناشطين وممثلي الصناعات المختلف.وستركز على الكيفية التي يمكن بها لتعددية الأطراف أن تساعد في معالجة الأزمة الكوكبية الثلاثية المتمثلة في تغير المناخ، وفقدان الطبيعة والتنوع البيولوجي، والتلوث والنفايات. وتهدف إلى المساعدة في استعادة الانسجام بين البشر والطبيعة، وتحسين حياة الأشخاص الأكثر ضعفاً في العالم ومن خلال القيام بذلك، ستدعم الدورة السادسة للجمعية تحقيق أهداف التنمية المستدامة.وستتيح، بدعم من العلوم القوية، والتصميم السياسي، والمشاركة مع المجتمع، فرصة لحكومات العالم، ومجموعات المجتمع المدني، والمجتمع العلمي، والقطاع الخاص، لتشكيل السياسة البيئية العالمية.
وتتمحور الدورة السادسة حول أهمية الاتفاقيات البيئية متعددة الأطراف في التغلب على الأزمة العالمية ثلاثية الأبعاد والمتمثلة في الفوضى المناخية وفقدان التنوع البيولوجي والتلوث.وعلى الرغم من حالة عدم اليقين الاجتماعي والاقتصادي التي نشأت في أعقاب جائحة كوفيد-19 والتوترات الجيوسياسية المتزايدة الحالية، تميز العامان الماضيان بانتصارات مهمة للغاية للتعاون البيئي.فعلى سبيل المثال، عام 2022، اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة بحق الإنسان العالمي في بيئة نظيفة وصحية ومستدامة، مما فتح المجال لإجراء تغييرات دستورية وقانونية على المستوى القُطري لصالح البيئة والإنسانية.وفي العام نفسه، تمت الموافقة على إطار كونمينج - مونتريال التاريخي للتنوع البيولوجي العالمي، والذي يتضمن تدابير لحماية مليون نوع من الحيوانات والنباتات التي هي على وشك الانقراض. وفي حزيران 2023، وقعت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة على ما يسمى بمعاهدة أعالي البحار، للحفاظ على التنوع البيولوجي البحري في المناطق الواقعة خارج نطاق الولايات الوطنية.وفي تشرين الثاني 2023، تم الإعلان عن اتفاق طال انتظاره بشأن تمويل "الخسائر والأضرار " للبلدان الضعيفة المتضررة بشدة من تغير المناخ في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ بدب ي(كوب 28(.
وتخصص الدورة السادسة للجمعية يوما لمناقشة هذه النجاحات وغيرها، والنظر في الكيفية التي يمكن بها للحكومات اتخاذ إجراءات واسعة النطاق وموحدة، بما في ذلك التمويل الكافي، لتنفيذ الاتفاقيات متعددة الأطراف التي وقعتها. وفي الوقت نفسه، ستركز الدورة السادسة على الالتزامات الجديدة وعلى الوفاء بجميع الالتزامات القائمة بالفعل.
لقد حددت المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة إنغر أندرسن المجالات الستة ذات الأولوية في الدورة السادسة للجمعية، وهي ندرة المياه، والتعدين المسؤول، وإدارة المعادن - وخاصة الفوسفور، والتكنولوجيات التي تغير المناخ، وتمويل الإجراءات البيئية، وتنفيذ إطار كونمينغ - مونتريال.وقالت:"كل ما يتعين علينا القيام به هو أن نجتمع وننفذ هذه الحلول العالمية التي وعدنا بها بعضنا البعض حتى نتمكن من تأمين المستقبل للبشرية جمعاء، والعيش على كوكب صحي ومزدهر".
وتركز المفاوضات قبل وأثناء الجمعية على القرارات المقترحة التي قدمتها الدول الأعضاء والإعلان الوزاري الذي سيتم اعتماده في ختام الجمعية. وتهدف القرارات إلى تحديد وترتيب أولويات التحديات المشتركة والحلول الممكنة. كما أنها تحدد مجالات العمل ذات الأولوية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة.
وجاء في التقرير المقدم للجمعية:يعلم الجميع جيدا أننا نعيش أزمة كوكبية متفاقمة: تتمثل في أزمة تغير المناخ، وأزمة فقدان الطبيعة والأراضي، وأزمة التلوث والنفايات.، التي تلقي بظلالها على كل شخص يعيش على هذا الكوكب، بغض النظر عن الجنسية أو اللون أو العقيدة أو الجنس.والمطروح على الدورة السادسة ضمن الحلول والمعالجات مناقشة 20 قرارا ومقررين، تتطرق لموضوعات مثل تعديل الإشعاع الشمسي، والتعدين، والتصحر، ودورية الصناعة الزراعية لقصب السكر، والمبيدات الحشرية شديدة الخطورة، وزيادة قدرة النظم البيئية والمجتمعات المحلية على مواجهة الجفاف، والتعاون الإقليمي من أجل جودة الهواء، من بين أمور أخرى.
وكذلك القرارات التي يمكن أن تسرع الانتقال إلى الوصول إلى مستوى انبعاثات صفري صاف. وتحسين نوعية الهواء الذي نتنفسه والماء الذي نشربه. والإعداد لإدارة المحيطات والبحار لمواجهة التهديدات المقبلة. وبناء قدرة الناس على الصمود في مواجهة الجفاف. ودعم الجهود الدولية لإصلاح الأراضي المتدهورة.
وهناك قرارات من شأنها أن تعزز الإجراءات المتعددة الأطراف لمعالجة الظلم المناخي. وقد أطلق العنان لمحادثات عالمية حول التقنيات الناشئة التي ستزود الدول بالعلم والحكمة لاتخاذ الخيارات الصحيحة لصالح الناس والكوكب. وساعدت في نشر ثقافة (استخراج- وتصنيع- وهدر) الموارد التي تمثل القلب الملتوي لأزمة الكوكب الثلاثية - كما تم تسليط الضوء عليه في تقرير توقعات الموارد العالمية لعام 2024 الصادر عن الفريق الدولي المعني بالموارد.
وتأمل قيادة الجمعية وضع الخلافات السياسية جانبا.وقد حان الوقت للتركيز على حماية هذا الكوكب الأزرق الصغير الذي يعج بالحياة. وحان الوقت للتركيز على هدفنا المشترك: الطريق نحو مستقبل مستدام وآمن، يمكننا من خلاله اتخاذ قرارات سليمة وآمنة. ويمكننا أن نفعل ذلك من خلال الاتفاق على القرارات المعروضة لتعزيز العمل المتعدد الأطراف اليوم وغداً، وتأمين العدالة والإنصاف بين الأجيال.
وذكُرت القيادة المشاركين: لقد نجحت الروح التي يتحلى بها الجميع في نيروبي، مراراً وتكراراً، في تحقيق تعددية الأطراف في مجال البيئة. وقبل عامين، أصدرت هذه الجمعية قراراً تاريخياً بإطلاق المفاوضات من أجل التوصل إلى وضع صك عالمي بشأن التلوث بالمواد البلاستيكية، وهي العملية التي ينبغي اختتامها هذا العام. لقد قدمتم للعالم جرعة أمل كان في أمس الحاجة إليها. ولقد أظهرتم للعالم أن تعددية الأطراف العالمية في مجال البيئة ما زالت متاحة. إنها طريقة ناجعة. وهي متواجدة لتبقى.لذا، المطلوب اليوم الإتحاد مرة أخرى والتوصل إلى قرارات قوية، قرارات يمكن أن يكون لها تأثير حقيقي. وهذا يلبي احتياجات ملايين الأشخاص الذين يعانون بالفعل تحت وطأة ازمة الكوكب الثلاثية. وهذا يدعم الأسس البيئية التي سيرتكز عليها مستقبل يتسم بالسلم والعدل والاستدامة.
وكتبت انغر أندرسن:لا يمتلك العالم قائمة مهام بيئية فحسب، بل يمتلك قائمة حتمية من المهام البيئية التي يجب الاضطلاع بها – في سنة 2024 ولعقود قادمة من الزمن.فيجب علينا أن نبطئ من وتيرة تغير المناخ ونتكيف معه، ونحمي الطبيعة والتنوع البيولوجي ونعمل على إصلاحهما، ونوقف تدهور الأراضي والتصحر، ونقضي على التلوث والنفايات. وإذا ما اضطلعنا بذلك على النحو الصحيح، فسنتمكن من بناء مستقبل يفيد غالبية الناس وليس القلة فحسب، على النحو المنصوص عليه في أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.
وإختتمت: لذا يجب علينا جميعا، في الدورة السادسة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة، أن نسعى جاهدين لإيجاد استراتيجيات جديدة لتنسيق غرف القيادة. دعونا نتعلم من بعضنا البعض ونطبق دروس الماضي على المستقبل. ولنبدأ بالوفاء بالالتزامات العديدة التي من شأنها أن تحافظ على سلامة كوكبنا وتجعل الإنسانية في أتم صحة وعافية.