اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: متعةُ القراءة لن تأتيك طوعاً

قناديل: متعةُ القراءة لن تأتيك طوعاً

نشر في: 2 مارس, 2024: 09:52 م

 لطفية الدليمي

راعَني ماقرأتُ في إحدى المراجعات بموقع (غود ريدز Goodreads) بشأن رواية (مكتبة منتصف الليل) للروائي (مات هيغ). راح كاتب المراجعة يُطنِبُ كما يشاء في توصيف الرواية بشتى الاوصاف السيئة المعهودة في مثل هذه الكتابات:

رواية ثقيلة، تفتقد للتشويق؛ بل تعدّى ذلك للقول أنها سمِجة. قال كلّ هذا الكلام من غير تسبيب مقنع. آراء باهتة تُطلقُ في الهواء لمجرّد أنّ الآراء صارت مجانية متاحة للجميع. مقابل هذه التوصيفات السيئة أقول: رواية (مكتبة منتصف الليل) واحدةٌ من بين أعظم الروايات التي قرأتها في حياتي.

دعونا نناقش الامر بهدوء بعيداً عن المترتبات الاخلاقية وموجبات النزاهة وصدقية الرأي مفترضين النية الحسنة المنزّهة عن الآراء المسبقة والمنحازة. لنفترضْ أنّ كاتب الرأي السيء بحقّ الرواية نقل مخلصاً رأيه في الرواية. أتساءل هنا: هل ثمّة معايير للمتعة الروائية (أو غير الروائية أيضاً) عند قراءة أي كتاب نشاء؟ بعبارة أخرى أكثر دقّة: لماذا رأيتُ في عمل (مات هيغ) المشار إليه رواية عظيمة؛ في حين لم يرَ صاحب رأي غودريدز هذا؟

الامر أكبر من ذائقة روائية لها ماتشتهي ممّا تقرأ (على شاكلة: القلب وما يحب). جوهر الاشكالية يختصُّ بموضوعة الاعدادات الذهنية والمعرفية المسبّقة. القانون هو التالي: لامتعة حقيقية من غير إعدادات مسبقة، والمتعة المجانية ليست أكثر من هذر كلام.

يتناول هيغ في روايته (مكتبة منتصف الليل) موضوعة العوالم المتوازية. الرواية بمجملها أقرب إلى (قارئ الطالع) المعاصر، قاريء شبحي، يعلمُ كلّ شيء وأي شيء، يريدُ أن يبحر معك في عوالم أخرى غير العالم الذي تعيشه. يريد الكاتب أن يقول لك: حياتك محضُ خيار واحد بين عدد لانهائي من الحيوات الممكنة التي كان يمكن أن تحياها ولكنّك لم تعشها لإستحالة ذلك مادياً. أنت في النهاية تعيشُ حياة واحدة وخياراً واحداً، وأنت - ككائن حي – لابدّ أن تعمد إلى اتخاذ خيار في كلّ لحظة تعيشها، وأنّ هذا الخيار البسيط – بين الخيارات اللانهائية – قد يتسبّب في تشكيل حياتك بطريقة لا تتوقّعها. الاهمّ من هذا: يريد هيغ أن يكشف لنا مأساوية الحياة. الحياة ليست حفلة شاي. هي خيار شاق؛ ولكنّ هذه المشقة لاتتقاطع جدلياً مع سحر الحياة وعنفوانها ومكامن الجمال فيها. الخيار الاصوب بين كلّ الخيارات أن نقبل هذا الحس المأساوي بالحياة ونمضي فيها بكلّ بطولة بدلاً من الندم على ما فات. يقدّمُ هيغ هذه الفكرة في إطار روائي متفوّق في براعته واختياراته.

كيف لقارئ ليست له معرفة بمفهوم العوالم المتوازية أن يحبّ عمل هيغ؟ يريد بعض القرّاء من الكاتب أن يقدّم لهم المتعة شهية حارة وكأنها (قوزي أو سمك مسكوف) وليس لهم سوى التلذذ باللحم المُتبّل. لاتوجد متعة في القراءة كالتي يشتهون. هذه المتعة المجانية التي يكون فيها القارئ متلقّياً سلبياً هي متعة منقوصة وليست حقيقية. هذا ما يفعله بعض كتّاب الروايات البوليسية الرخيصة أو الرومانسيات السياحية. الاصل في المتعة الحقيقية للقراءة أن تتفق بعض إعداداتك الذهنية والمعرفية مع إعدادات الكاتب، وحينها ستشعر أنّ الكاتب يخاطبك، يكتب لك، يكتب نيابة عنك، يقول ماأردتَ قوله في يوم من الايام ولم تفعل!.

متعة القراءة لن تأتيك طوعاً وأنت تقرأ في خدر وكأنّك روبوت معطّل الحواس. يجب أن تسعى إلى الكاتب مثلما يجب أن يسعى هو إليك. هو يريد إمتاعك بالتأكيد. هذه بعضُ وظيفته في الكتابة؛ لكنّه لن يقبل – ولايمكن أصلاً – إمتاعك وأنت لاتحوز على الإعدادات التي ترتقي بقيمة القراءة وتحقّقُ متعتها المؤكّدة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

اليوم ..خمس مباريات في انطلاق الجولة الـ 36 لدوري نجوم العراق

بدء التصويت في انتخابات فرنسا التشريعية

"واتساب" يختبر ميزة جديدة عند الفشل بارسال الصور والفيديوهات

تطوير لقاحات جديدة للقضاء على الحصبة نهائياً

الأونروا: سكان غزة فقدوا كل مقومات الحياة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

المتفرجون أعلاه

جينز وقبعة وخطاب تحريضي

تأميم ساحة التحرير

زوجة أحمد القبانجي

الخارج ضد "اصلاحات دارون"

العمودالثامن: جمهورية بالاسم فقط

 علي حسين ماذا سيقول نوابنا وذكرى قيام الجمهورية العراقية ستصادف بعد أيام؟.. هل سيقولون للناس إننا بصدد مغادرة عصر الجمهوريات وإقامة الكانتونات الطائفية؟ ، بالتأكيد سيخرج خطباء السياسة ليقولوا للناس إنهم متأثرون لما...
علي حسين

قناديل: لعبةُ ميكانو أم توصيف قومي؟

 لطفية الدليمي أحياناً كثيرة يفكّرُ المرء في مغادرة عوالم التواصل الاجتماعي، أو في الاقل تحجيم زيارته لها وجعلها تقتصر على أيام معدودات في الشهر؛ لكنّ إغراءً بوجود منشورات ثرية يدفعه لتأجيل مغادرته. لديّ...
لطفية الدليمي

قناطر: بين خطابين قاتلين

طالب عبد العزيز سيكون العربُ متقدمين على كثير من شعوب الأرض بمعرفتهم، وإحاطتهم بما هم عليه، وما سيكونوا فيه في خطبة حكيمهم وخطيبهم الأكبر قس بن ساعدة الإيادي(حوالي 600 ميلادية، 23 سنة قبل الهجرة)...
طالب عبد العزيز

كيف يمكن انقاذ العراق من أزمته البيئية-المناخية الخانقة؟

خالد سليمان نحن لا زلنا في بداية فصل الصيف، انما "قهر الشمس الهابط"* يجبر السكان في الكثير من البلدان العربية، العراق ودول الخليج تحديداً، على البقاء بين جدران بيوتهم طوال النهار. في مدن مثل...
خالد سليمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram