نزار عبد الستارلا نعرف، على وجه التأكيد، سر احتفائنا الباطني بكل ما يجعلنا أفقيين. ربما لأنه وجود استرخائي يمتعنا بالصفاء ويجعلنا نعوم على سطح أرضنا ونحن نحترم الفراغ ونعزز تمدداته بالمزيد من التوسع.أن نكون في حالة مستوية فهذا يعني إننا نتمتع بطبيعة فراغية. على هذا النحو فقدنا الكثير من الزمن في تعاملاتنا مع الغرباء. قرون طويلة مرت قبل أن يتحمس الغزاة ويفتحوا لنا شارعا طويلا ويتعبوا في تشييد جسر حضاري. مئات السنين احترقت قبل أن نفرح ببناء فندق ونشعر أننا نتطور.
من أهم مميزات الفراغ انه لا يشعرنا بتأنيب الضمير، والسبب إننا طوال ألف سنة كنا نطلق اسم الصبر على كل ما ينعمنا بالبقاء على ما نحن فيه من تمدد وتسطح. أبدا لم نشعر بأي حافز لمناهضة الخمول، فنحن نعيش الصبر المؤمن بأن السماء معنا. قرون ونحن نتفرج على من يأتي ويذهب ولا نكترث بالغبار ولا بالطابوق وهو يتفسخ. الفراغ يعني أننا نملك وقتا مملا مصحوبا بالذباب والبعوض. هكذا نشأت الحكايات عندنا، من إحساس الديك انه الوحيد الذي يملك صوتا مسموعا. الفراغ ابتكارنا الحقيقي. انه كيان وطني شديد الخصوصية لذلك نحن دائما قطعة ارض سهلة. لا احد يشعر معنا بالتعب، لان الأمر في النهاية تعبير عن إمكانية الانتظار إلى ساعة القيامة الأخيرة. انه إيمان مترسخ بأن القضية في النهاية عبارة عن قبر. الفراغ جعلنا أكثر البشر حبا بالتأجيل. أن تملك فراغا ثقيلا كهذا معناه انك قادر على أن تؤجل كل شيء براحتك ودون قلق أو وجل. لا شيء يتغير مع وجود قانون السطح الفارغ. هكذا هي الحكمة الكبرى وهي مستمدة من دورة الحياة، فما دمنا نموت ونولد فإننا شعب حي. هذا الأمر لا يحتاج إلى فلسفة ودوخة رأس. انه قانون ثابت وحار أكثر من شمسنا.الفراغ هو الأصل والفصل وأجمل ما فيه انه يهبنا السعادة ويقوي إيماننا. انه أسطورتنا الحياتية الكبرى فأن نبقى في فراغ معناه أننا نملك وقتا مملا وشاسعا، وهذا ما يدفعنا إلى أن نحكي كثيرا، وناس تذهب إلى ناس، وربما نختلف في هذا ونتعارك قليلا، ولكننا في النهاية نعود لنؤكد على قيم الأخوة والترابط وفن الفسيفساء وننام بعدها ورأسنا فارغ.
فــــارزة: حكمة الفراغ
نشر في: 1 سبتمبر, 2010: 10:04 م