ساطع راجي
تعيش البيوت السياسية (المذهبية والقومية) في العراق حالة فوضى وصراع منذ سنوات حتى وصلت الى الخراب، ولا يعيش ساسة أي مكون عراقي بسلام وتوافق داخل بيت منظم وهادئ، وصار صعبا أن تتفق مكونات أي بيت على أبسط القرارات.
قبل سنوات، كان الكثيرون يعلقون الآمال على خراب البيوت السياسية لظهور بدائل أكثر حيوية وقدرة على إدارة البلاد، وكان التوقع السائد إن طريق الوصول الى دولة قوية قادرة على فرض القانون داخليا وحماية سيادة ومصالح البلاد على مستوى العلاقات الخارجية، يمر بالضرورة فوق خرائب البيوت المؤسسة للنظام السياسي الجديد والتي أسست أيضا عثراته وعقده ومفاصل ضعفه وأخطرها "المحاصصة".
لم تظهر قوى بديلة عن قوى بيوت المكونات بل إن كل البوادر والأجنة لتكوينات سياسية جديدة تحولت الى كيانات ضعيفة ومفتتة تبعث على اليأس، إذ بعد حصول القوى الجديدة على عدد لا بأس به من مقاعد البرلمان في انتخابات تشرين 2021، لم يظهر أي إداء متميز ولا يكاد المراقب يلمس حراكا إستثنائيا في مجلس النواب يوازي مستوى الآمال والتوقعات، وفشلت القوى الجديدة في عقد تحالفات حقيقية فيما بينها لتكون رقما صعبا ولم تتمكن من حشد جهودها في تقديم مقترح لقانون أو تنفيذ عملية إستجواب، وسيطر الانشغال بالاعلام على عملها في البداية قبل ان يختفي معظم قادتها ورموزها حتى من الاعلام.
مع تفكك وخراب البيوت السياسية المكوناتية، رغم ما في الأمر من إيجابيات، إلا إن البلاد أصبحت بلا قوى وازنة قادرة على إتخاذ قرارات حاسمة في القضايا المصيرية، وتحول معظم قادة الأحزاب التقليدية الى واجهات للظهور الإعلامي والمشاركة في المناسبات بينما تفتت قوة القرار وإستولى عليها الأبناء والاحفاد والاصهار وأشخاص من الصفوف الخلفية، لا يظهرون كثيرا لكنهم مؤثرون ومتورطون بالفساد والصفقات المشبوهة، وإقتنع كل تنظيم سياسي بحيز محدود من الأنصار والمتخادمين يحاول أن يجعلهم أتباع ثابتين، ولذلك تكررت كلمة "أمة" كثيرا في الاستخدام الحزبي، مؤخرا، لتوصيف جمهور الزعيم أو أعضاء التنظيم وأنصاره، بعدما أصبح من الصعب التحدث باسم القومية أو المذهب.
فشل القوى الجديدة في التحول الى جبهة نشطة في البرلمان وإنغماس الكثير من عناصرها في السلوكيات التقليدية لأحزاب السلطة سيدفع الى تراجع المشاركة في الانتخابات مستقبلا ومن المتوقع ان تنشغل هذه القوى بمنافسة وتشويه بعضها البعض أكثر من إنشغالها بمنافسة القوى القديمة بسبب الاتهامات بالخيانة والخذلان، ومع ثبات جمهور القوى القديمة وتصلب شرايينها سنذهب الى برلمان أكثر تشتتا في حال غياب الصدريين.
من الطبيعي إن تشتت البرلمان وضعف القوى السياسية يؤدي الى حكومة ضعيفة على مستوى الأداء السيادي وحتى لو تمكنت من معالجة القضايا الخدمية فأنها ستتعثر في قضايا الأمن والعلاقات الخارجية.
خراب البيوت السياسية القديمة والخيبة التي تسببت بها القوى الجديدة يؤكدان إن الاحلام غير الواقعية أكثر خطرا من الواقع السيء.