غالب حسن الشابندر
الحلقة الاولى
( ضرورة المعرفة الدينية) حلقة من سلسلة يعالج فيها مجموعة قضايا تخص الدين، الدين بصرف النظر عن عنوان هذا الدين، سواء كان الاسلام أو المسيحية أو اليهودية، وفي تصوري يشمل حتى تلك الدعوات ذات التوجه الروحاني في تفسير الوجود، فهي أديان بشكل وآخر.
ينطلق المصنِّف للخوض في هذه القضية من منطلقين مهمين: ـ
الاول: القواعد الفطرية.
الثاني: القواعد العقلية.
وبالتالي، هي محاولة عقلية فطرية وليست دينية، محاولة عقلية وفطرية لإثبات (ضرورة المعرفة الدينية).
والحق: إننا لكي نفهم الاشياء لا مناص لنا من العقل والفطرة كما يقول المصنِّف، وبناء على ذلك يكون البحث في (ضرورة المعرفة الدينية) منسجما، أو أحد مصاديق هذا الواقع، فالدين شيء، وبالتالي يجب استحضار العقل و / او الفطرة.
بداية وهو يحاول أن يلج في صميم الموضوع يتقدم لنا بحديث شيِّق عمّا عنونه بـ (قواعد الاهتمام العملي بالاشياء) كي يكون أحد المقدِّمات لإثبات(ضرورة امعرفة الدينية) وهو مبغاه النهائي هنا.
منطلقة هنا يعتمد ـ كما يرى ـ على قاعدتين (فطريتين).
الأولى: قاعدة إتباع الحكمة.
الثانية: قاعدة الانقياد للفضيلة.
القاعدة الاولى تقوم على تجنب الضرر، فالانسان فيما يكون بين لذة عاجلة ولكن وراءها ضرر على المدى البعيد، فإن مقتضى الحكمة يؤول إلى تجنب الضرر الآجل على حساب اللذة العاجلة هذه، او بتعبيرالمصنِّف (أن مقتضى العقل تقديم الاهم على المهم، والمهم على ما لا أهمية له).
فالحكمة هنا تتلخص بمقتربين: ـ
الاول: (الاعتبار بالغائب حتى كأنّه حاضرا).
الثاني: (الاعتبار بالمستقبل حتى كأنه حالٌ وقائم).
فالغائب هنا هو الالم المحتمل، فكأن هذا الالم الذي يمكن أن يتأتّى من اللذة العاجلة حالٌ الآن، فيما ينتمي إلى المستقبل، والمستقبل بما ينطوي عليه من مخاطر كأنه حاضر!
أمّا قاعدة (اتباع الفضيلة) فتعني أجمالا: ـ
(مراعاة القيم الاخلاقية وإنْا أدت الى بعض النكد والعناء)، كما لو أنك ضحيت بمصلحة خاصة من أجل إنقاذ غريق.
والفضيلة هنا غير الحِكمة، ذلك أن الحكمة بمثابة مقارنة بين الاهم والمهم، فيما الفضيلة هي عطاء رغم العناء.
فالدافع الحكَمي يتحرك بداعي النفع والخسارة، أي تقديم النفع على الخسارة، أما الدافع (الفاضل) فجوهره القيمة الذاتية للموقف، لم يتقيد بما يجلب من نفع ويدفع ما يجلب الضرر، بل هو موقف ضمائري إذا صحّ التعبير.
وإذا اردنا التعبير بلغة اكثر وضوحا نقول: ـ
إن النفعية هي التي تكمن وراء الدافع الحكمي، فيما الضمير هو يكمن وراء الدافع الفاضل.
ولكن هل لي ان اسال من أن إتّباع الضمير يؤدي هو الآخر إلى منفعة، أقلا الاطمئنان والشعور بالنشوة الروحية، ولعل هذا ما يعبِّر عنه كثير ممّن يقدم على عمل جميل ليس بدافع منفعة مادية ولا بدافع التخلص من ألم أو ضرر، وإنما بدافع ذاتي، وبعدها يفرح فرحا شديدا.
وهذا عين ما يقوله الاستاذ في مكان آخر من محاولته الطيبقة، فقد جاء في صفحة 17: ـ
(إن مراعاة القيمة الاخلاقية يرافق ضربا من السعادة المعنوية، لأنَّها تورث شعورا بالرضا، عن النفس والانسجام معها).
في الحقيقة أن السعادة المعنوية هنا لا ترافق القيمة الاخلاقية بل تترشّح عنها، فالقيمة الاخلاقية سبب والسعادة المعنوية مسبَّب.
إن (باب الفضيلة) لا يغاير النفع ودفع الضرر، بل ينطوي على نفع معنوي، بل يترشّح عنه ارقى نفع وحصيلة إيجابية، هي السعادة الذاتية، فإن ميزان الربح والخسارة سار المفعول هنا وإن على نحو القضية الجزئية.
يتبع
جميع التعليقات 1
الشيخ قاسم كزار الحسناوي
احسنت ابو عمار مقال يستحق القراءة والمتابعة