المدى/ علي الحمداني
تعيش المواطنة الغجرية (س ع) وضعاً مأساوياً في قرية حي الزهور التي تبعد 20 كيلومتراً جنوب شرقي مركز محافظة الديوانية، حالها حال الكثيرين من سكان هذه القرية الذين يعانون من غياب الحقوق والتجاهل وعدم تقبل المجتمع لهم.
يقطن في حي الزهور حالياً حوالي 480 شخصاً فقط، بعد أن هجر الكثير من السكان قريتهم بسبب الظروف الصعبة والاضطهاد الذي مرّ بهم، خاصة بعد هدم منازلهم إثر هجوم جماعة مسلحة على قريتهم عام 2004.
ومن يدخل القرية كأنما يخوض تجربةً مع التاريخ، وكيف كان يعيش الإنسان البدائي، بيوت طينية متهالكة، مع انعدام الخدمات، من طرق غير معبدة، ومياه آسنة، ودخان كثيف يعتلي سماء القرية.
تقول المواطنة الغجرية البالغة من العمر (33 عاماً)، إن "السبب الرئيسي لمعاناتنا هو اسم (الغجر) - الذي بدا وكأنه سبب عقدة لها - فقد حرمنا هذا الاسم من الانخراط في المجتمع، وكذلك في الحصول على فرصة للعمل، مهما كانت بسيطة، وكذلك في الوظائف الحكومية، وحرمنا من التعليم لعدم امتلاكنا هوية الأحوال المدنية، لذلك امتهنا المهن غير اللائقة وهي التسوّل".
وتضيف لـ(المدى)، أن "القرية حالياً مدينة مهجورة وهي أشبه بالسجن، وتنتشر فيها الأمراض والأوبئة نتيجة تراكم النفايات فيها".
بدورها، تؤكد الناشطة أريج رياض شاهر، أن "معاناة الغجر مستمرة رغم دخول العالم بعام 2024، فهم يعانون من انعدام الخدمات، فيما لا يزال البعض منهم لا يمتلك شهادة جنسية، ما يؤثر على التحاقهم بالمدارس والعمل، كما أن أغلب النساء ما زلن يعملن بالتسول".
وتشير شاهر خلال حديثها لـ(المدى)، إلى أن "هذا الحي خارج اهتمام الحكومة، فلم تدخل عجلة بلدية واحدة إلى القرية منذ 3 سنوات، ما سبب تراكم النفايات فيها، ونتيجة لذلك هناك انتشار للأمراض بفعل الغازات السامة التي تصدرها هذه النفايات".
وتوضح، أن "بعض الجهات تعامل الغجر بطريقة غير إنسانية، فلا يتم شمولهم بالخدمات ولا في اعطائهم المستمسكات، لكن هناك منظمات مجتمع مدني تجري حملات بين الحين والآخر لمساعدتهم، منها منظمة العفو الدولية التي سعت لشمول العوائل بالبطاقة الوطنية والجناسي العراقية".
وتتابع، أن "المنطقة يحيط بها سور أمني وممنوع الدخول إليها إلا بكتاب رسمي من المحافظة، ما يدل على أن هذا مكان منكوب".
تقدر المنظمات العراقية المعنية أعداد الغجر في العراق بـ400 - 500 ألف، لكن الطبيعة المتنقلة لحياة الغجر تجعل من الصعب معرفة العدد الدقيق لهم.
وتشير بعض الإحصائيات إلى أن أعداد الغجر في إقليم كردستان وصلت إلى أكثر من 50 ألفاً، حيث بنى لهم المسؤولون هناك مساكنَ خاصة جنوب مركز المحافظة، فضلاً عن بناء مركز ثقافي لهم.
من جهته، يقول مختار منطقة حي الزهور، فراس محمد عودة، إن "القرية كانت تضم سابقاً حوالي 318 بيتاً، بعدد سكان يتراوح ما بين 1500 - 1600 شخصاً، لكن تراجعت هذه الأعداد بعد نزوح الأهالي إلى المناطق والمحافظات العراقية الأخرى، حتى وصلت الأعداد الحالية إلى ما يقارب من 85 بيتاً، بواقع 480 شخصاً في القرية".
ويضيف عودة لـ(المدى)، أن "بعض الذين هاجروا من القرية تمكنوا من بدء حياة جديدة في مناطق ثانية، لكن آخرين لم يستطيعوا إيجاد سكن لهم إلى جانب مضايقات اجتماعية ضاغطة عليهم، لذلك قرروا العودة إلى القرية".
ويوضح، أن "بعض المواطنين لا يزالون ينعتون هذه المجموعة من المجتمع بـ(الكاولية)، بناءً على عملهم السابق، وهو الرقص، لكن لا توجد هذه الظواهر في المنطقة حالياً على الإطلاق، خاصة بعد الهجمة التي تعرضت لها المنطقة عام 2004".
ويؤكد مختار المنطقة، أن "أهالي القرية يعملون حالياً في مهن بعيدة عن المهن السابقة خاصة بعد حصولهم على البطاقة الموحدة والبطاقة التموينية وجواز السفر، كما تم صرف رواتب الرعاية الاجتماعية لمطلقات وأرامل القرية".
