هادي عزيز علي
يقصد بجودة الحكم القضائي: (انها الصفات والخصائص والسمات والمبادئ التي يتضمنها الحكم القضائي عندما يكون صحيحا من وجهة الشكل ومطابقا للحقيقة من وجهة الموضوع وملبيا للعدالة لطالبيها من الاشخاص عند اللجوء للقضاء)ذلك لأن ثقة الجمهور في النظام القضائي هوانعكاس للمستوى العالي لجودة الاحكام القضائية.
ولكن في احيان كثيرة يلاحظ صدوراحكام قضائية فاقدة لأسباب وشروط الجودة الامر الذي ينعكس سلبا على مشاعر الجمهور ويؤدي الى هز الثقة في نظام العدالة والذي بدوره يفضي الى عزوف الناس عن طرق ابواب القضاء والبحث عن سبل اخرى بغية الوصول الى الحقوق المرجوه. وكأثر من اثار الاحكام غير الحائزة على الجودة يتمثل في ذهاب الخصوم الى تشكيلات بدائية خارج مؤسسات الدولة على امل ادراك الحقوق فيها ومثال على ذلك: التشكيلات العشائرية و( الصنف) ورجل الدين. ولغرض عودة ثقة الجمهور بنظام العدالة لا بد ان يحوز الحكم القضائي على الصفات والخصائص والسمات والمبادىء الاتية:
1. تكوين القضاة – ويمر بمراحل ثلاث: الاولى – تسمى التدريب الاعدادي – والمتمثلة في الشروط المطلوبة للقبول في المعهد القضائي ومنها حصول المتقدم على شهادة البكالوريوس في القانون واجتيازة امتحان تحريري فضلا عن امتحان الكفاءة المتضمن بالمقابلة الشخصية امام لجنة متخصصة وبعد ذلك يتوافر المنتسب على الدراسة لمدة سنتين نظري وتطبيقي في المحاكم وعند الاجتياز بنجاح يكون المنتسب مؤهلا لتسنم كرسي القضاء يعقبه صدور المرسوم الجمهوري بتعيينه قاضيا. المرحلة الثاني – التدريب المستمر – وهو التدريب الاعلى من التدريب الاعدادي المتضمن تدريب القاضي اثناء ممارسة المهنة لتزويده بالمهارات والمعلومات الجديدة في علم القانون وما يستجد من انعطافات تطبيقية في القضاء. اما المرحلة الثالثة – فتتمثل بالتدريب التخصصي – وهي التخصص في فرع من فروع القانون بغية زيادة الكفاءة والفاعلية وجعله متخصصا في ذلك الفرع ومتفردا فيه لكي يدرك الملكة القانونية والاثراء فيها وليكون الافضل في القدرة على حسم المنازعات. يلاحظ ان النظام القضائي لدينا قد اكتفى بالمرحلة الاولى فقط وترك القاضي لمجهوده المعرفي الشخصي.
2. أستقلال القضاء والقاضي – الاستقلال الذي نقصده ليس السمة المضافة الى هيبة القضاء ووقاره بل ان الاستقلال باعتباره حق من حقوق الانسان سطره الاعلان العالمي لحقوق الانسان: ( ان تنظر قضيته امام محكمة مستقلة) واستمكن في دساتير الدول كافة. فالاستقلال لدينا مفهوم مركب من اربعة مفاهيم الاول منها - هو تحصين القاضي من التبعية لاية سلطة اوتدخل او ضغط خارجيين على ان يكون ذلك ضمن نظام قضائي محكم يتعلق بالجانب المهني للقاضي وهذا ما يطلق عليه (الاستقلال العضوي). اما الثاني –فيتمثل في ان القاضي سطة من سلطات الدولة وليس موظفا لديها، هذا التوصيف يخضع لمبدأ الفصل بين السلطات) المادة 47 من الدستور). الثالث – الاستقلال الذاتي: اي عدم الاستجابة لاي تدخلات او ضغوط سواء جاءت من داخل السلطة القضائية او من خارجها. الرابع – هو عدم خضوع القاضي لاية سلطة الا للقانون ولضميره المهمني الحامي للحقوق والحريات وان لا يتعسف باستخدام الاستقلال للاضرار بالمتقاضيين لكونه ملزم بحمايتهما.
3. المحاكمة العادلة – هي حق طبيعي شخصي لكل شخص وهي قاعدة قانونية آمرة اي لا يجوز الاتفاق على ما يخالفها وقال عنها البعض انها: حق الفرد في المساواة امام القانون المستند الى احكام المادة 10 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان التي اوجبت ان تنظر قضية الفرد نظرة عادلة وعلنية للفصل في حقوقه وكذلك المادة 19 من الدستور، اي ان تحترم كرامة الانسان وحقوقه، فالناس سواء امام القضاء كما نص على ذلك العهد الدولي المختص بالحقوق المدنية والسياسية والمحاكمة العادلة تعني ان تكون المحكمة التي تنظر في النزاع مشكلة تشكيلا قانونيا بموجب قانون ساري المفعول وتطبق في سيرورتها القوانين الاجرائية وقانون الموضوع. وقيل عن المحاكمة المنصفة انها تحمل دلالتين الاولى – الاجراءات الواجب احترامها اثناء تطبيق القوانين. الثانية - المؤسسات القضائية التي تراعي المشروعية في المرافعات المفضية والمستندة الى سيادة القانون في دولة تحرص على القيم العليا في العدالة. وهنا يفترض في القاضي الذي يدير الجلسات: الحيدة والنزاهة والعفة والشفافية، واي خلل يصيب احدى تلك الصفات يكون مانعا من ادراك الحكم الجيد.
4. تفسير النصوص القانونية – يجب ان يكون القاضي مؤهلا تأهيلا تاما لتفسير النص القانوني لان التفسير هنا يعد احدى الادوات التي يتعامل معها القاضي للتطبيق السليم لروح القانون. التفسير ليس مجرد كشف عن المضمون في القاعدة القانونية الواردة في النص وانما – يعده البعض – خالقا للقاعدة القانونية الواردة اشارة او ضمنا في النص القانوني او قد تكون غائبة عن النص ذاته ولكن يمكن استنباطها من ذلك الغياب اي ( خلقها) بالاعتماد على مناهج التفسير التي من المفترض الاحاطة بهامن قبل القضاة وهي: اولا – الاحتكام الى مقتضى النص – يعتمد هذا النهج على استخراج قاعدة اشير اليها ضمنا لا صراحة في النص، او القاعدة المستخرجة ولا وجود لها صراحة او ضمنا في النص اي انها غير موجودة اصلا في النص ( غائبة) ولكنها ضرورية يجب استنباطها من مقتضى النص للفصل في النزاع. الثاني – هو الرجوع الى الاعمال التحضيرية والاسباب الموجبة التي دارت بين واضعي النص وتقارير اللجان الفنية او الى مناقشات البرلمان عند عرض مسودته للتشريع للوقوف على قصد المشرع واهدافه. الثالث – القياس – وهو البحث عن حالة غير منصوص عليها في القانون ولكنها مشابهة لحالة اخرى نص عليها القانون. الرابعة – طريقة من باب اولى. وعلى هذا فان التفسير للنص القانوني غير المستوفي لاسبابه وشروطه يفضي الى حكم فاقدا للجودة.
5. تسبيب الاحكام – وهو حق من حقوق اطراف الدعوى، والاحكام الخالية من التسبيب او المسببة بشكل مخل تعد احكاما فاقدة للجودة، فضلا عن كونها واحدة من واجبات القضاة اي: ( يجب ان تكون الاحكام مشتملة على الاسباب التي بنيت عليها وان تستند الى احد اسباب الحكم المبينة في القانون) الماد 159 مرافعات مدنية لان التسبيب مظهر من مظاهر الحكم الجيد والذي يعني ان القضاة ادوا الواجب المطلوب منهم باعتبارهم الجهة المكلفة قانونا باشاعة الاطمئنان والعدل. معلوم ان الاسباب الموجبة لقانون المرافعات المدنية شددت على تسبيب الاحكام قبل اصدارها وقبل النطق بها وذلك لحمل القضاة على ان لا يحكموا في الدعوى على اساس فكرة مبهمة لم تتضح معالمها او حالة غابت او خفيت تفاصيلها وان يكون الحكم دائما نتيجة اسباب واضحة جرى على اساسها المداولة بين القضاة قبل النطق بها فان لم تودع الاسباب قبل تلاوة الحكم في يوم صدوره فان معنى ذلك ان القاضي قد نطق بالحكم قبل ان يتدبر في اسبابه او ان الهيأة اصدرته قبل ان تتفق عليه وتستقر عقيدتها على اساس معين فيه وبذلك يكون هكذا حكم قد خلا من هذه الضمانة التي يحرص عليها المشرع وبذلك يكون الحكم فاقدا للجودة المطلوبة قانونا.
6.القاضي الجيد هو الذي يصدر حكما جيدا عن نص قانوني سيء مثال ذلك النص الوارد في قانون الاحوال المدنية رقم 65 لسنة 1972والذي انتقل الى قانون البطاقة الوطنية الذي ينص على: ( يتبع الاولاد القاصرون في الدين من اعتنق الدين الاسلامي من الابوين) وهذا النص يخالف حرية المعتقد المكفولة دستوريا ويخالف النصوص القرآنية: (لا اكراه في الدين) البقرة 256 و الاية ( أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) يونس 99. فذلك النص القانوني يلزم القاصر بصفته قاصر الدخول في الاسلام قسرا وهو لا يمتلك الارادة. الا ان محكمة التمييز واثر صدور هذا القانون في سبعينات القرن الماضي وللتخفيف من قسوته منحت القاصر عند بلوغه سن الرشد الخيار بين البقاء على الدين الاسلامي او العودة الى دين اجداده وهذا حكم قضائي جيد مستنبط من نص قانوني سيء. المفارقة وفي تسعينات القرن الماضي ومع الحملة الايمانية عدلت محكمة التمييز عن الاستمرار في تطبيق الحكم الجيد ورجعت عما استقر عليه قضائها واصدرت حكما جديدا يقول ( ان من يطلب الرجوع الى دين اجداده بعد بلوغه سن الرشد فان طلبه هذا يعد ردة عن الدين الاسلامي وهذه الردة معاقب عليها) وبذلك حاز القضاء العراقي على حكم فاقد للجودة عن نص سيء.
7. نشر الاحكام - يلزم القضاء بنشر الاحكام القضائية ليطلع عليها الكافة والنشر هذا يندرج تحت عنوان ( حق الحصول على المعلومة). هذا من جهة اما من جهة ثانية فان النشر يتبعه تقويم من قبل المتلقي وهذا التقويم يبرز مواطن الصح والجودة في ذلك الحكم وفي الوقت ذاته يبرز مواطن الخلل والعيوب التي قد يتضمنها الحكم القضائي وهنا تكون فرصة للقاضي لكي يتلمس الاخطاء التي وقع فيها ويبادر الى مراجعتها بغية اصدار احكام خالية من العيوب والاغلاط والاخطاء مستقبلا وبذلك يحقق النشر هدفه وهو السعي لاصدار الاحكام القضائية الجيدة الموافقة للقانون.