د. أحمد عبد الرزاق شكارة
مع تكرار استخدام الولايات المتحدة الامريكية لحق الفيتو في مجلس الامن دفاعا عن اسرائيل في حربها المستمرة لإبادة الشعب الفلسطيني إنطلاقا من غزة إلى الضفة الغربية المحتلة تتصاعد أهمية بل وخطورة علاقة جريمة الابادة الاسرائيلية بحالة التواطؤ الدولي من قبل الولايات المتحدة وعددا آخر من القوى الدولية على رأسها المملكة المتحدة والمانية وغيرها.
مايحمله" التواطؤ Complicity" من معطيات وتداعيات جيوسياسية خطيرة على الامن والسلم الاقليمي والدولي لابد أن ينتهي بمحاسبة قضائية دولية جادة للمتواطئين مهما اختلفت موازين القوة او حتى درجة التفاعل والاستجابة للموضوع الحيوي. لعل مدى خطورة ما تقوم به اسرائيل من حرب ابادة جماعية لازال آوراها مستعرا في غزة يمكننا تحديده بالضرورة الاستثنائية العاجلة في ضرورة إستدعاء التدخل الدولي العاجل لحماية المدنيين الفلسطينيين من مخاطر محدقة بهم تهدد حقهم في البقاء البشري من ابرزها إتساع حالات المجاعة، التعطيش وهيمنة المرض أوانتشارالاوبئة الناجمة جزءا منها بسبب شرب مياه آسنة أو ملوثة اوالتغذية السيئة. لعل ما يصلنا يوميا من معلومات ذات مصداقية يؤكد استمرار قيام حكومة الحرب اليمينية برئاسة بنيامين نتنياهو أرتكاب سلسلة من المجازر(المذابح) الجماعية في غزة ولحدود اقل في الضفة. من هنا، يمكن القول بإن اسرائيل في عدوانها وصلت لحدود تخطت فيها منظومة القيم الانسانية التي يفترض أن تلتزم بها كافة دول ومؤسسات المجتمع الدولي. ضمن سياق خرقت فيه القانون الدولي العام والانساني وإتفاقية جنيف الرابعة و ميثاق منع جريمة الابادة الجماعية ومعاقبة من يرتكبها GenociConvention أو يتستر أو يتحفظ عليها. إن كلمة Genocide تقسم إلى جزئين الاول Geno ويعني العرق والثاني cide أي قتل أوسحق الطرف المقابل.
إن ما يشهده العالم يوميا منذ ما ينيف عن 5 أشهر من حالات قتل جماعي ودمار شامل طالت البشر والحجر لم يستطع المجتمع الدولي من إيقافها. إنها حروب اسرائيل الهمجية (5-6) في غزة آخرها منذ السابع من أوكتوبر 2023 وصلت لمديات لايمكن تبريرها مطلقا بإنها حق للدفاع الشرعي عن النفس. بينما يفترض أنه وفقا لقانون الحرب أن تقوم دولة الاحتلال بحماية المدنيين من كافة الاخطار المحدقة بهم ولكن اسرائيل على العكس من ذلك وكمثال من نماذج حياتية مؤلمة ومحزنة جدا (وثقت بالصوت والصورة) صوبت نيرانها بإتجاه كل من خرج من سكان شمال القطاع في شارع الرشيد للحصول على طعام من شاحنات المساعدات الانسانية (يفترض إنها تحت حماية واشراف اسرائيل) لتنتهي رحلتهم بالموت المحتم (وفقا لصحيفة نيويورك تايمز في 3 مارس 2024 استشهد 118 فلسطينيا على الاقل، وإصابة أكثر من 760 آخرين بجراح). بينما ماقامت به حماس في السابع من أوكتوبر ل2023 كان حملة عسكرية مباغتة إتسمت بدقة في التخطيط، التنفيذ والمتابعة لإستكمال مهام آمنية -عسكرية عمادها منظومة استخبارات عالية التقنية تعززها شبكة انفاق معقدة تقنيا بهدف إعادت الاعتبار للقضية الفلسطينية في المحيط الدولي برغم التضحيات الانسانية التي لاتقييم بثمن في غزة تحت عنوان واضح: استعادة الحقوق والسيادة الفلسطينية المسلوبة. من هنا وبعيدا عن حملة أضاليل دعائية لماكنة الدعاية الصهيونية ومن يساندها من قوى او حركات تنتمي للصهيونية فكرا وعقيدة ونهج حياة، وكما أشار الامين العام للامم المتحدة أنطونيو غوتيرش لم تنطلق حركة السابع من أوكتوبر 2023 من فراغ نظرا لاستمرار الاحتلال الاسرائيلي لما ينيف عن 75 عاما. علما حتى كتابة المقال تتصاعد أعداد الشهداء في غزة إلى ما ينيف عن 32000 بالاضافة إلى أكثر من 70000 جريح هذا غير الذين لم يجر التعرف بعد على اعدادهم فقدوا تحت الانقاض اولإسباب أخرقد لاتعرف؟.
جدير بالذكر أنه وفقا لمسار قضية جنوب افريقيا ضد اسرائيل في محكمة العدل الدولية تبين وجود خرقان واضحانه لحقوق الفلسطينيين يختصان بجريمة الابادة أولهما فشل المجتمع الدولي في منع حدوث جريمة الابادة وثانيهما التواطؤ من قبل الولايات المتحدة الامريكية وغيرها مع اسرائيل في دعم جهدها العسكري المفرط في عدوانها على الفلسطينيين من خلال تقديم الدعم العسكري معززا بمساعدات اقتصادية ومالية كبيرة جدا دون رقابة تشريعية. علما بإن جريمة الابادة ثابتة بالعين المجردة لاتستطيع اسرائيل ولا غيرها من الدول أنكارها او تشويه الجهد القانوني والعسكري القتالي لحماس وغيرها من قوى المقاومة. ترتيبا على ذلك تاتي أهمية بحث ظاهرة التواطؤ Complicit وتداعياتها حيث أنه وفقا لمكتب الامم المتحدة في منع جريمة الابادة وعقابها وإتساقا مع مبدأ مسؤولية الدفاع The Responsibilty to Protect-R2P عرف المحامي البولندي الاصل رافائيل لمكن Raphael Lemkin في عام 1944 الابادة بكونها: إبادة جنس، عنصر، قومية، أو عرق بشكل كلي أو جزئي. تم إقرار المفهوم قانونا في عام 1948 بإعتباره جريمة تستدعي المقاضاة القضائية في محكمة العدل الدولية ولاحقا عزز وفقا لنظام روما في عام 2000 من قبل المحكمة الجنائية الدولية. المفارقة تتمثل بان معاداة النازية التي إدعتها اسرائيل كنهج سياسي غلف بفكر"عنصري صهيوني خاصة عقب محاكمات نورمبرج وطوكيو الشهيرة عاكسة ذات النهج العنصري لدولة المانية الهتلرية ولكن هذه المرة ضمن إطار نظام مقيت آخر للفصل العنصري (الابارثايد) ضد الفلسطينيين مماثل لما طبق في جنوب افريقيا قبل أن تتحرر منه على يد الزعيم الوطني نيسلون مانديلا وحزبه الوطني. أي أن ما تدعيه اسرائيل لم يكن إلا مظلة شكلية هدفها صياغة جريمة مكتملة الاركان لابادة للفلسطينيين جميعا اينما وجدوا مكرسة سياسة استيطان احلالية تستهدف تهجير الفلسطينين عن ارضهم التاريخية، الامر الذي اسهم ببناء مزيدا من المستوطنات الصهيونية على ما تبقى من 22% من مجمل المساحة الكلية المغتصبة من أرض فلسطين..
إن منظور الاختصاص والمعالجة القضائية لجريمة الابادة تستند على جذرين متداخلين أحدهما يختص بإجراءات محكمة العدل الدولية والثاني يرتبط بالمحكمة الجنائية الدولية في متابعة إجراءات الادانة في جريمة الابادة التي يمارسها قادة اسرائيل الذين لابد أن يطالهم القضاء الدولي إن عاجلا أم أجلا.
إن نقطة الانطلاق يفترض أن تبتدأ من ضرورة الاتفاق الجماعي من قبل قضاة الدول الاعضاء في المحكمتين الدوليتين وعلى ضوئها يمكن ترجمة الاجراءات القانونية إلى واقع أكثر صرامة او حزما والذي بموجبه فعلت جنوب افريقيا محكمة العدل الدولية مسارها القانوني. علما بإن دور مجلس الامن الدولي في التوصل لنتائج قانونية إيجابية لمحاسبة مجرمي الحرب من الاسرائيليين لايبدو ميسورا في الزمن القريب طالما لم تفعل المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال مجرمي الحرب الاسرائيلين بخاصة في ظل استمرار الولايات المتحدة استخدام حق الفيتو الامر الذي يمنع أيقاف إطلاق النار. إن إجراءات محاسبة مجرمي الحرب الاسرائيلية في حرب غزة ستأخذ وقتا أطول وتتطلب إصدار قرار الادانة النهائية من محكمة العدل الدولية اولا قبل المضي في بقية أجراءات التقاضي لاحقا من قبل المحكمة الجنائية الدولية.
من هنا تأتي أهمية التأسيس على المقدمات السليمة في بناء منظومة قانونية صلدة لمحكمة العدل الدولية وفرتها فرصة قرارها التاريخي في ال26 من يناير 2024 حيث أتخذت الاجراءات التحفظية المؤقتة Preventive Provicitial Measures لحماية الشعب الفلسطيني قبل اصدار القرار النهائي بأدانة اسرائيل بجريمة الابادة. إن البدء بإتخاذ سلسلة من الاجراءات القضائية المطلوبة لمحاكمة اسرائيل بجريمة الابادة او التطهير ستعني استمرار التوثيق من خلال جلسات استماع لشهادات متعددة من أطراف النزاع أوآخرين ممن لهم حق الدولة الثالثة في النظر في طبيعة إجراءات المحكمة التي ينتظر المجتمع الدولي وصولها لمرحلة متقدمة نسبيا بضمن ذلك إستكمال التحقيق في كل ماورد أو سيرد شهريا من تقارير اسرائيلية تقدمها للمحكمة والرد عليه. الامر الذي في المقابل قد يسهم بإصدار قناعة أخرى لدى الادارة الامريكية سواءا لبايدن أو لترامب (إذا وصل للسلطة) كي تنهج نهجا جديدا مفاده إحتمال بتقليص بسيط في مساحة تقديم بعض المساعدات المالية مع اسرائيل ولكن ذلك في تقديري المتواضع لن يتم طالما بقي التحالف الستراتيجي قائما مدعوما بضغط اللوبي الصهيوني لمنظمة إيباك الصهيونية وغيرها من منظمات صهيونية - مسيحية متطرفة قائما. برغم ذلك فإن من يساند الحق الفلسطيني بأقامة دولة مستقلة سيتضاعف عبر الزمن، ظرف كهذا سيسهم في أنتقال مزيدا من الدول لساحة" الدول الثالثة " التي لن تكتفي بالادانات تجاه اسرائيل بل وبإتخاذ قرارات قوية رادعة للمقاطعة الدبلوماسية - الاقتصادية - الثقافية - الرياضية والسياسية بل وحتى الامنية. دول عدة تقمصت وأتقنت مثل الدور منها جنوب افريقيا، كولومبيا، الارجنتين، نيكارغوا، شيلي وغيرها. الامر الذي سيصعد من اولوية الاهتمام بإقامة دولة فلسطينية حرة مستقلة عضوا اصيلا في المجتمع الدولي. من منظور مكمل لابد من ضغوط عالمية قوية كي تسدد اسرائيل كافة نفقات إعادة الاعمار للبنى التحتية التي دمرتها قواتها بشكل همجي بالنظر لكونها الطرف المعتدي؟؟ مسألة قد يصعب تصورها تحققها إلا إذا انتهت الحرب بتغير في موازين القوة الاقليمية والعالمية. من منظور جيوسياسي حيوي سعت إذن دولا عدة إضافة لجنوب افريقيا ونيكارغوا (وجهت دعوى جديدة ضد المانيا باعتبارها دولة متحالفة مع اسرائيل عسكريا وماليا) إلى فرض عزلة دولية على اسرائيل إلا ان عالمنا العربي والاسلامي لازال في موقع متأخر وضعيف جدا لايقوى على الردع او المواجهة المطلوبة..