بسام عبد الرزاق
اقام بيت المدى في شارع المتنبي، يوم الجمعة الماضي، جلسة استذكار للأديب والسارد العراقي الكبير فؤاد التكرلي بمناسبة الذكرى الـ16 لرحيله، والتي تزامنت مع الاحتفاء بعيد المرأة العالمي 8 آذار الذي اضاف للجلسة شيئا من الخصوصية، فضلا عن استحضار اعمال التكرلي الداعمة للمرأة والانسانية.
مقدم الجلسة د.احمد حسن الظفيري، استهلها بالحديث عن اهمية التكرلي في السرد العراقي، مبينا انه "احد ابرز العلامات السردية في ذاكرة النثر العراقي اذ انه مثل تحولا مهما في الرواية العراقية منذ ان شرع بكتابة القصة اولا ثم الرواية فكان مرحلة وعتبة مهمة من عتبات السرد العراقي".
من جانبها قالت د.لاهاي عبد الحسين، في ورقتها انها اسست لدراسة شاملة عن تناول الادب اجتماعيا ضمن تخصصها، وعبرت عن سعادتها بان يتزامن الاحتفاء بشخصية وقامة روائية عراقية متميزة مع عيد المرأة في الثامن من آذار، لان التكرلي اذا ما قرأناه جيدا وبصبر نستطيع ان نرى انه كان صديقا للمرأة.
واضافت، انه "نحن كاجتماعيين نبحث عن المعنى الجوهري في عمل الروائي او القاص، والتكرلي من مواليد 1927 ورحل عن عالمنا في 2008 دخل كلية الحقوق ليس برغبة منه بل استجابة للعائلة لكنه فيما بعد قال خلال مقابلات انه كان سعيدا بدخوله كلية الحقوق لانه لا تعارض بين القانون والادب والحقيقة انه استفاد من معرفته في هذا المجال وايضا مجال عمله كقاضي".
وتابعت، ان "التكرلي بدأ بنشر قصصه بعد تخرجه مباشرة وكانت اول قصة نشرها هي "العيون الخضر" عام 1950 وفيها يظهر اقتران الفقر بالبغاء وهي قصة مؤثرة ومؤلمة جدا".
واشارت الى انه "شكرا للمدى التي جمعت قصصه فيما بعد في كتاب اطلق عليه القصص ووفر لنا فرصة لنطلع على قصصه القصيرة كاملة، في عدد من القصص التي نشرها في الخمسينيات وما بعد كان يسلط الضوء على ارهاصات الحداثة في المجتمع العراقي ومثلا قصة "الهمس المبهم" بناها من خلال ملاحظات تركها طالب استخدم كتابا في مجال الفيزياء وصاغ القصة والطالب كان في سن المراهقة ويتألم ويشعر بالخذلان من والديه بسبب انشغالهما في السهر والحفلات وبالنهاية كان ضحية الاهمال".
ونوهت الى ان "القصة الاخرى التي جاءت ضمن هذا السياق هي "امسية خريف" ويعرض لنا فيها التكرلي زوجة تخاطب زوجها وتخبره بانها في حالة حب مع شخص اخر، وواضح ان هناك ارتباكا بالمقاييس حاول التكرلي تسليط الضوء عليه"، مبينة ان "عام 1998 وبعدما كتب عدة اعمال ايضا فؤاد التكرلي يعود الى جريمة القتل غسلا للعار في قصة "الحائط والحكايات الحزينة" التي نشرت عام 1998 وفيها يبن ان رجلا قتل ابنته بسبب الشك في سلوكها وثم يشهد وفاة زوجته بعد اشهر كمدا على ما حدث لابنتها وبالنهاية لا يستطيع تحمل عذاب الضمير الذي يتعرض له فيجدونه منتحرا بشنق نفسه".
وأكملت، ان "رواية "المسرات والاوجاع" نشرت عام 1988 وعن طريق المدى ايضا وفيها يتعقب التكرلي حياة المجتمع العراقي من خلال عائلة كانت تعيش في ديالى وبسيطة ولكنها شقت طريقها وهو يسلط الضوء على التطور الحضري الذي اصاب المجتمع العراقي وتنتقل العائلة بحكم الجهد والعمل من ديالى الى بغداد ويعيشون في منطقة شعبية ومع تحسن الوضع الاقتصادي يذهبون الى احياء جديدة ومستحدثة"، لافتة الى ان "الذي لفت نظري في هذه الرواية ان التكرلي وثق لظهور شخصية مخيفة في المجتمع العراقي ساهم بتخريب المؤسسات المهنية وهي ظهور شخصية ضابط الامن في الدوائر والمؤسسات وغالبا ما يكون هذا الشخص اميا ولا يمتلك مؤهلات غير ولائه للنظام ويساهم بتشويه سمعة الاخرين".
الناقد فاضل ثامر بين ان "فؤاد التكرلي شخصية متميزة في سفر الثقافة العراقية وترك بصمته ومضى لكنه بقي خالدا، علاقتي بالتكرلي تمر بمراحل مختلفة ومنذ مرحلة الشباب حين كنت طالبا في كلية الاداب عام 1957 وكنت اجلس في مقهى البرازيلي واشعر بسعادة لان في هذا المكان يجلس فؤاد التكرلي وعبد الملك نوري وكنا نتشبه نحن مجموعة شباب انا وباسم عبد الحميد حمودي وغازي العبادي وخضير عبد الامير ونجلس حولهما ونصغي الى حواراتهما المهمة وبعدها تطورت العلاقة اكثر واكثر واصبحت علاقة صداقة ومودة، وعندما ظهرت مجلة الاديب المعاصر عام 1971 كان يرأس تحريرها وكنت انا عضوا في هيئة التحرير وكانت اصرة قوية".
واضاف، انه "جمعتنا جلسات عائلية خاصة وكان لولبها الدكتور عبد الاله احمد ويحضرها الدكتور علي جواد الطاهر وكان التكرلي في منتهى السخاء والرقة وصوته لا يسمع لكنه مثل البحر العميق الذي يكتنز اسرارا كثيرة جدا"، مبينا انه "انتقلت بعد ذلك لأكون ناقدا لكتاباته وشرفني ان اكتب عن تجربته في القصة القصيرة وعن رواياته وخاصة رواية "الرجع البعيد" التي اعتبرتها انموذج للرواية متعددة الاصوات، وتحدثت عن الكثير من المظاهر المهمة في تجربته السردية وكذلك في رؤيته". وذكر ان "ما يلفت نظري انه كيف نستطيع ان نميز رؤية الروائي فؤاد التكرلي قاصا وروائيا، ونحتاج الى استدراكين، انه في مجال القصة القصيرة لم يكن هو الاول، وكان عبد الملك نوري الذي اسس لمشروع الحداثة القصصية الخمسينية باتجاهاتها الحديثة التي تعتمد على تيار الوعي والاستبطان الداخلي للشخصية والتخلص من مؤثرات ذنون ايوب التي كانت تعتمد على التقريرية والمباشرة والراوي العليم، وهنا انتقلت الى تجربة داخلية".
وأكمل، انه "بعد ذلك انتقلت الى دراسة تجربته الروائية وجدت انه يدخل الى العالم بدون مقدمات وكأنه عين الكاميرا المفتوحة على الواقع وينقل جميع الاصوات والصراعات دونما انحياز وهذا ما يجعله امينا على المنظور البولفوني التعددي للاصوات المختلفة"، مشيرا الى انه "والاستدراك الاخر هو، لا يمكن ان نقول انه الرائد الحقيقي للرواية العراقية لان روايته الاولى "الرجع البعيد" صدرت عام 1980 بينما سبقه غائب طعمة فرمان في روايتيه "النخلة والجيران" و"خمسة اصوات" في عامي 1966 و1967 وهذا فارق زمني كبير، لكن مع ذلك نقول ان التكرلي اسس له صرحا شامخا في السرد". بدوره قال د.علي حداد، انه "تمر في حياة المرء نقاط مضيئة ومشرقة وذكرى غنية لا يستطيع ان يتناساها، ومن حسن اقداري انني التقيت الاستاذ والسارد الكبير فؤاد التكرلي في صنعاء سنة 2004 وكانت صنعاء عاصمة الثقافة العربية، والتقيته وحظيت منه بست ساعات واكثر واخذته في جولة وجلسنا في البيت وتحدثنا كثيرا". واضاف، انه "وجدت انسانا غاية في مواصفاته الانسانية وهذه الرقة والاتكيت في السلوك وهذا الصوت الخفيض والعميق والاناقة في المظهر والحرص على كينونته، وحين غادر صنعاء بعث لي رسالة غاية في الرقة، وكانت من المفارقات انها مكتوبة بقلم ازرق مخضر فاستغربت لاننا عادة نكتب بالازرق الغامق او الاسود، وفيما بعد علمت ان القلم خاص بالقضاة ويبدو انه حافظ على هذه المزية له وهي حكمت شخصيته باتزانها وحكمت ادبه ايضا وهو مركب انساني على ثقافي ومعرفي وواقعي في نفس الوقت".
واوضح، ان "التكرلي ابن جيل ثقافي اسس للثقافة العراقية في الشعر والمسرح والتشكيل والرواية ايضا، وهو ابن مرحلة التي كانت تؤسس لدولة وشخصية ثقافية عراقية".
في ختام المداخلات النوعية، قال د.حمزة عليوي، انه "من حسن حظي انني التقيت الاستاذ فؤاد التكرلي في القاهرة عام 2005 وفي ليلة دعانا الكاتب المصري سعيد الكفراوي الى امسية خاصة، وكان التكرلي يتحدث عن الجانب الاخر من حياته في الكتابة، وتحدث عن اهمية كونه قاضيا في مجمل اعماله، ويقول انه رأى الحياة من جانب آخر، وذكر بالنص الكتاب المحسوبين على اليسار العراقي وانهم كانوا يتحدثون بطريقة اقرب للمثالية وانا رأيت الحياة بطريقة اخرى وبمنطق وقلب وروح القاضي".
وبين ان "التكرلي كان يحمل هم ان يكون احد الرواد ومثلا ان لديه رواية بعنوان "بصقة في وجه الحياة" كتبها سنة 1948 عاد وطبعها عام 2000".
ولفت الى انه "مع ان التكرلي حريص على منجزه لكنه كان يمتلك رغبة احداث بعض التغيير في نصوصه، واعتقد انه الحق ضررا بمنجزه الكبير والشامخ عندما امتدت يده الى الحوارات بالعامية".