اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > عباس عبد جاسم: النظرية النقدية العابرة للتخصصات أعلى ما وصلت إليه تشكلاتي المستوياتية في النقد العابر للثقافات

عباس عبد جاسم: النظرية النقدية العابرة للتخصصات أعلى ما وصلت إليه تشكلاتي المستوياتية في النقد العابر للثقافات

نشر في: 11 مارس, 2024: 09:15 م

يرى أن اطروحته لـ "ما وراء السرد – ما وراء الرواية" - امتداد لمشغله القصصي والروائي

حاوره: علاء المفرجي

- 1 -

الناقد والروائي عباس عبد جاسم ولد في بغداد ودرس فيها وتخرج في كلية الشريعة (علوم الدين والفقه والمنطق)، بدأ الكتابة والنشر خلال السبعينيات في مجلات عربية.

اقترن مشروعه في " الفكر النقدي " بقضايا: الحداثة والحداثة البعدية/ عبر المناهجية/ الواقعية الافتراضية/ تحولات واقعية الكوانتم اللاواقعية/ اليسار الجديد/ تنوير التنوير/ السيبورغ، بقضايا النظرية النقدية العابرة للتخصصات/ حساسية نص مابعد الحداثة/ الانتصاص الأدبي/ سرد مابعد الحداثة/ رواية النص/ أدب الحثالة.

وإقترن مشروعه باطروحات: ماوراء السرد Meta Narration وما وراء الرواية: Meta fiction على مستوى الكتابة السردية، وبذا كتب نصوصه القصصية والروائية بجماليات ماوراء القص بامتياز خاص به. أسّس " صحيفة - الأديب الثقافية " صدر له في الفكر النقدي: - مشكال التأويل العربي الأسلامي (اواليات التأويل واوالاته المعرفية). نقطة إبتداء في الحداثة والتحديث والنقد الثقافي، النظرية النقدية العابرة للتخصصات– تحولات النقد العربي المعاصر، في النهضة والتنوير والحداثة البعدية، الكتابة بأفق الاختلاف. وصدر له في النقد: قضايا القصة العراقية

حدثنا في البدء عن المصادر والمراجع في البدايات الاولى، والتي جعلتك تميل الى الأدب؟

كانت الطفولة بالنسبة لي غابة، والبستان قبعة، كان ظلي يرافقني، وأنا أخاصر الأشجار، والضفاف تمشي معي، سادر مع بنت الآغا، والبراءة نعيم باذخ، كنت أرى الشمس تستحم في النهر عارية من ورقة التوت.

ذلك هو بيتنا الذي لم أره الآن!!، فقد اختفى البستان وانحسر المد، حتى ظلّل الحزن ما تبقى من الضفاف، وغابت عنها الأشجار، وذات مرة فاجاني معلمي الأول ابراهيم سندان: أين كنت سادرا ً في الصف؟ انتبهت. وقد ضج التلاميذ كلهم بالضحك. ثم أعاد اليَّ " دفتر الانشاء": هل جئتم من الريف الى المدينة؟ قلت له: لا، سكت ولم يقل شيئا ً، ثم صحبني معلمي في الفرصة الى مكتبة المدرسة، وتركني في قاعة المكتبة، تحيط بي رفوف الكتب المصفوفة، فشعرت برهبة وحيرة وإرتباك، وبحركة عفوية إستللت كتابا عنوانه " سجين زندا " فتلقف أمين المكتبة الأستاذ عبد الرحيم الكتاب مني، فادرج اسمي في " سجل الاستعارة ".

وذات يوم سألني معلم الرسم، وهو يتأمل المنظر الذي رسمته في دفتر الرسم: ما لون السماء؟

أجبته: زرقاء، علّق باستغراب: إذا ً لماذا صبغت السماء باللون الرمادي؟ ثم نظر اليَّ: ومالون النوارس؟ قلت له: بيضاء، رد باستغراب أكثر: اذا ً لماذ صبغت النوارس باللون الأزرق؟! لم أجب. نزع المعلم نظارته ثم نظر اليّ بصمت، ولم يقل لي شيئا ً؛ سوى انه ربت على كتفي. قال المعلم استبدلوا الكتب فيما بينكم!!

كان كتاب " بائعة الخبز" بحوزتي، ولا أزال احفظ اسم مؤلفه " كزافيه دي مونتابين" استبدلته بكتاب آخر لدى صديقي الذي يجلس الى جنبي على مصطبة الدرس، كان عنوانه " الأرواح المتمرِّدة " لجبران خليل جبران، ولو لم يطلب المعلم منّا قراءة كتاب ما، ومن ثم الكتابة عنه، ما قرأته ولا كتبت عنه.

لمّا قرأت كتاب " الأرواح المتمردة "، استدرجني نداء غامض أشعرني بلذة مصحوبة بمتعة آسرة، أيقظت نزعة التمرّد في أعماقي، حتى رأيتني في عالم آخر، هائم مع أرواح (جبران) المتمرِّدة، لازمان فيه ولا مكان، ولم أتحرّر من سطوته لسنوات طويلة، إلا ّ بعد أن صحوت صبيحة الخامس من هزيمة حزيران عام 1967، فاختض الواقع في مخيلتي ولم يعد يتسم بالمنطق والاتساق، وكأن كل شيء تَبدّد من حولي في لحظة عابرة.

وانا صبي في الحادية عشر من عمري، لم أفهم أخلاق السياسة يومذاك، ولكنني كنت أرى مظاهر القتل في شوراع بغداد: اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم، سحل الجثت في الشوارع عام 1963، حتى صرت اتخيّل الموت يتمطى في وسادة النوم تحت رأسي آخر الليل.

منذ طفولتي، لا تزال ذاكرتي معطوبة بالصور السوداء لـ " أميركا"، فقد رأيت عبر التلفاز جثث القتلى في لاوس وكمبوديا وفيتنام، ولا أزال اتخيل حرائق البيوت، وأعمدة الدخان تتصاعد من القرى، والجثث طافية على سطوح المستنقعات، وقبل ذلك محو هنود الاوركو، وإبادة الهنود الحمر، والتمثيل بفروج النساء واستخدام الاعضاء الذكورية للهنود كأكياس للتبغ، والصراخ يتناهى اليَّ من ترسبات مطموسة في القاع.

وها أنذا أنظر الآن الى الاطفال في بلادي بوعي معذّب، وهم يلعبون بدمى الأسلحة!!

تمتد مسيرتك الأدبية لأكثر من أربعة عقود من الزمن، تجلّت بالعديد من الانجازات النقدية والروائية، فمن خلال مرورك بالكثير من المحطات، أعطنا نظرة متمعنة لهذه الرحلة بعد هذه السنوات، مالذي خرجت منها؟

– لقد أدركت بأن الأدب لم يعد "صورة للواقع" كما رأى لوكاتش، وخاصة بعد أن أصبحت " الواقعية استيطيقا سيئة " بتعبير رينيه ويليك، كما أدركت إستحالة التبادل بين الصورة والواقع، لاننا نعيش وسط عالم قائم على " معادلات غير حتمية "، وبذا تجاوزَ مفهوم الكتابة " طور المرآة " أو " محاكاة الواقع " بالتخييل، وبما يتعدى التخييل بالواقع الافتراضي.

وقد طرحت في كتابي النقدي الأول " قضايا القصة العراقية المعاصرة " مفهوم " الواقعية الافتراضية " قبل شيوع أو ترجمة كتابات جان بودريارد الى العربية.

أردت أن أقول في مهاد صريح: ان الواقعية الافتراضية موازية لواقعية الواقع، وتستدعي الواقعية الافتراضية تجاوز الواقع الحقيقي بواقع افتراضي موازي له في الرؤية الى الناس والبنى والأشياء، ولكن ليس بديلا ً له.

ولكن قبل أن تبلغ حساسية الاختلاف مع الواقع والواقعية " درجة القطيعة " معهما، أدركت بأن " نظرية الانعكاس" مجرد ايديولوجيا رثة، إن لم تكن ساذجة، وخاصة ما يتعلق منها بما يصطلح عليه بـ " الوعي الزائف ".

لقد كنت أكثر ميلا ً نحو قراءة " العلوم التجريبية"، وقد قادتني قراءاتي الى " نظرية الكوانتم"، التي تشكل مركز مدار البنى العلمية المعرفية المتحوّلة، ومنها: " مبدأ الريبة " أو "مبدأ اللايقين" و"النظرية الذرية".

ولكن عند ظهور الكوانتم، تداخل الوعي بالواقع، حتى صار الواقع من صنع الوعي، مما بدّل الكوانتم واقعنا من الحتمية الى الاحتمال واللايقين. وبذا فالواقع الذي تقدمه الكوانتم ليس الواقع الحقيقي الذي نعيشه، وانما هو الواقع الافتراضي الموازي له.

ولكل ذلك، فقد تبنيت " الواقعية الافتراضية " والتأسيس لها، بوصفها بنية موازية لواقعية الواقع من جهة، واتجهت نحو التأسيس لمنظور جديد في الكتابة الميتا سردية، لهذا لم أكتب قصة أو رواية خالصة بالمفهوم السردي، وقد تنبّه بعض النقاد العرب والعراقين الى الكيفية التي خرجت فيها على سلطة النموذج السردي، ومنهم الناقد السوري الدكتور نبيل سليمان الى ما سماه بـ " استراتيجية اللاتعيين" في الكتابة الروائية، وماسماه الناقد فاضل ثامر بــ " الميتا سردية" في القصة العراقية.

حدثنا عن ملامح منهجك النقدي وأهم المراحل التي مرّ بها؟

– تأثرت بالمنهج الاستقرائي " لفرانسيس بيكون، وعلى الرغم من أن هذا المنهج، أقرب الى فلسفة العلوم التجريبية منه الى الأدب، فقد كانت بصمته واضحة في كتابي النقدي الاول " قضايا القصة العراقية المعاصرة" على مستوى "الملاحظة والمعاينة والتجربة".

ثم تأثرت بمنهج التأويل الأدبي، وكانت بصمته واضحة أيضاً في كتابي " مشكال التأويل العربي الاسلامي - اواليات التأويل واولاته المعرفية ".

لقد تداخل " الاستقراء " و" التأويل الأدبي" بوعي وبتداخل غير واع مع تشكلاتي المعرفية الأولى، فقد كنت أكثر إرتيادا ً لمتاهات الفلسفة، إلا ّ أنني أكثر انحيازا ً لتمثلات الفكر النقدي وحمولاته النظرية في النهضة والتنوير والحداثة البعدية.

من هنا نشأ دافع قوي ومحرّك في داخلي نحو كيفية تمثل آليات الفكر النقدي " وخاصة على مستوى تفكيك طاقة " الخطأ الفلسفي، مثلا ً: خطأ هيجل في الكيفية التي ساوي بها بين الخطاب الفلسفي والخطاب الأدبي، وخاصة بين النص الأدبي وماهو واقعي، والكيفية التي إختزلت فيها " نظرية الانعكاس" الأدب الى مرآة للواقع على نحو تبسيطي، وذلك بتحويل حيوات الآدب الى صور فوتوغرافية مباشرة، في حين ان الواقع قائم في الأدب، والأدب نص ينتقد الواقع، وليس عاكسا ً له، لهذا رفض ادورنو فيما بعد فكرة المحاكاة أو "الانعكاس المرآوي" على مستوى التطابق بين الذات والموضوع.

ثم تلقفتُ مقولة " رؤية العالم " من محمود أمين العالم، قبل أن أعود الى كتاب " البنيوية التكوينية في النقد الأدبي" للوسيان غولدمان، ورغم ان غولدمان إقتبس" الرؤية للعالم" من لوكاتش في كتابه " الرواية التاريخية"، فقد أدركت بأن " ما كتبه غولدمان هو " نقد جديد" أكثر جدّة وحداثة من (النقد الجديد) الذي ظهر في أميركا.

ومنذ أواخر الثمانينيات، تعرّض النقد الواقعي والانطباعي والايديولوجي الى هّزّة معرفية عنيفة فخلخلت أسس المناهج الوصفية والمعيارية، مما إستبدل البعض منّا - طريقته أو منهجه، وحاول البعض الآخر تكييف أدواته واجراءاته مع المتغيّرات المفاهيمية والمنهجية الجديدة، حتى اتجه أكثرنا نحو خطاب نقدي نخبوي، لا يفهمه سوى قلّة من القراء، وبذا كانت البنيوية أول مصدر لتهديد المعنى الأدبي، وخاصة بعد إعلان "موت المؤلف".

وإزاء تطور الانساق الأدبية والنقدية رأيتني أمام مفترق مناهج مختلفة وطرائق عدة.

وكانت " الادبية " – المصدر المحرّك والدافع لاكتشاف (الانتصاص، والانتصاص الأدبي)، أي ما يجعل القصيدة أو القصة أو الرواية بنية اطارية للنص.

لقد شغلني المنظور، وموقع المؤلف، ودلالة الشكل أو بنية الدلالة بقدر ما شغلتني"الأصوات المتعددة " لباختين و" وجهات النظر المتعددة " لهنري جيمس و" المسافة والبعد ووجهة النظر" لواين بوث.

لقد كانت دراستي المبكرة لـ " سابع أيام الخلق – نظرية الرواية بوصفها رواية " أول مقاربة نقدية لتقنية " المؤلف المنظور" في الرواية العراقية عن طريق دخول المؤلف "عبد الخالق الركابي" نفسه في الرواية، وبذا فهي أول رواية يمكن الاصطلاح عليها بـ " رواية الرواية"، أي رواية داخل الرواية.

وتشكل هذه المقاربة نقطة الانطلاق الثانية لي في النقدية العراقية باتجاه التحوّل نحو " ما وراء السرد – mata Narration وما وراء الرواية – mata fiction.

وقد ترسخت فكرة مابعد المنهج في تصوري أكثر، بعد ان إكتشفت اطروحة " ضد المنهج " لبول فيرباند، ورغم ان اطروحة كتابه " ضد المنهج" هو " مشروع نظرية فوضوية في المعرفة "، فقد زحزج قداسة النموذج الاستقرائي، أي بمعنى هناك مناهجية متعدّدة لا منهجية واحدة، وبذا فتح بول فيرباند مرحلة جديدة من المناهجية التعددية(الما بعدية) العابرة للمنهجية الواحدة المنمذجة الجاهزة.

ويمكن التمثيل لبينونة المنهج البعدية بـ " عبر المناهجية " التي تُعنى بـ " المناهجية ضمنا ً ".

عرفناك في المشهد الأدبي بشكل خاص كناقد، ما الذي يدفعك الى القصة والرواية؟ هل ترى فيها حاجة مكملة لمشروعك النقدي؟ وهل يعني ذلك انك تكتب القصة "والرواية بحساسية الناقد؟

– أزعم بانني أول مَن طرح الميتا سرديات " الجديدة في النقدية العراقية في ورقتين منفصلتين: الأولى " ورقة مفتوحة على منطقة – ما وراء السرد – كراسة كانون بوصفها رواية نص"، والثانية " ورقة مفتوحة "ما وراء الرواية/ الرواية بوصفها بنية إطارية للنص".

كما أزعم بأن اطروحتي لـ " ما وراء السرد – ما وراء الرواية " - امتداد أيضا ً لمشغلي القصصي والروائي. لقد آثرت أن أطرح الميتاسرديات الجديدة بقوة التوجّه نحو الاختلاف مع تقاليد السردية العراقية السائدة. نعم. اكتب القص ولكن ليس بحساسية الناقد، وانما بحساسية نص ما بعد الحداثة.

في"الأحمر الطاغي" مجموعتك القصصية يكتب الناقد فاضل ثامر كلمة يقول فيها " يحق لنا أن نعد القاص والروائي والناقد عباس عبد جاسم سيد اللعبة الميتا سردية في القصة العراقية، لأنه يكتب قصصه بوعي نقدي واضح، يلم ّباشتراطات ومقتربات اللعبة الميتاسردية الحديثة ".. ما تعليقك على ذلك؟

نعم. كتب الناقد فاضل ثامر هذه الكلمة ضمن سياق ورقته النقدية " اللعبة الميتا سردية بوصفها تجريبا " التي شارك فيها في" ملتقى الابداع الخليجي/ 2011 "، وقد وصفني فيها بـ " سيد اللعبة الميتا سردية في القصة العراقية " ضمن القصاصين العراقيين التجريبيين، لهذا أعدّ كلمة الناقد فاضل ثامر في قصصي الميتاسردية – شهادة نقدية في ريادة التجريب والتجديد في القصة العراقية، لأنه ناقد مسموع ومؤثر في النقدية العراقية والعربية.

روايتك " أجنحة البركوار– سيرة إفتراضية لوقائع وهمية " نرى انها كتبت باسلوب الواقعية السحرية.. ما تعليقك؟

يتساءل الناقد السوري الدكتور نبيل سليمان في دراسته التي كتبها عن " اجنحة البركوار": " هل البركوار سجن أم مقام للرعب؟ واحدة من محطات الديكتاتور أم واحد من ألغاز الاستبداد والفساد اللذين تتعنون بهما تلك البلاد التي يبتدعها خيال عباس عبد جاسم في هذه الرواية، ليطوّح بنا بين أجنحة البركوار، وبؤرته وسرته المسماة بـ " الريمشن" هذا البناء الذي يصل ماضينا بحاضرنا، وبهما يحاصر مستقبلنا.

الى المدونة الروائية العربية الزاخرة التي تضاهي بدكتاتورها الرواية الامريكية اللاتينية، حيث استراتيجية اللاتعيين تجعل الخيال اكبر واقعية من الواقع وأوجع وأدمى، ويكون للقراءة أن تعيّن اسطورة الدكتاتور الروائي في أي من ظلاله العربية وغير العربية.

نعم؛ صُنّفت ضمن "الواقعية السحرية"، غير أن الحقيقة الأكيدة أن الرواية تتشكل بواقعية افتراضية: ميتاسردية، مركبة تركيبة طباقية.

لنتحوّل الى مشروعك النقدي، ولنبدأ بهذا السؤال:هل لنا أن نتصور النقد العربي بلا نظرية..؟ من هنا كانت " النظرية العابرة للتخصصات".. برأيي محاولة للبدء بتأسيس نظرية للنقد؟ السؤال: من أين استقيت هذه؟ أرجو ان تحدثنا عن ذلك باسهاب ان سمحت؟

– تمثل " النظرية النقدية العابرة للتخصصات" أعلى ما وصلت إليه تشكلاتي المستوياتية في النقد العابر للثقافات، لهذا حاولت في هذه الأطروحة أن أؤسس لمنظور جديد أكثر إستجابة لفهم القطائع المعرفية، وما تنطوي عليه من عوامل محرّكة ودافعة في تشكيل النظرية النقدية من جهة، وإستقراء أهم تحولات النقد العربي وما تنطوي عليه من تطورات منهجية، وتمثلات ميتا نقدية من جهة أخرى.

وتسعى هذه النظرية لأن تؤسس لها منظومة مصطلحية ومفاهيمية متحرّكة بحيوات متجددّة، يتجه فيها الناقد نحو إستيعاب البنى المعرفية المتحوّلة مع قوانين تطور حركة المنهج والنظرية التي ترتبط به بالافادة من القطائع المعرفية.

وبذا كانت النظرية النقدية العابرة للتخصصات، تنمو وتتشكل بحساسية نقد ما بعد الحداثة، اصطلحنا عليها بـ " الحداثة البعدية " التي جاءت على حد تعبير روجيه رودلي R.Garoudy كـ " رد فعل على وهم الديمقراطية التي كان يتصورها الناس على انها - جمهورية الذوات الواعية - و" وهم المثالية " التي تصور العالم على انه عالم شفاف ينعم بوجود عقل خالص منظم له، وقد إنبنت هذه النظرية على فكرة تقويض مركزية منظومة الأنظمة التقليدية مابعد الكولونيالية، وهي قوى قائمة على سياسة الاحتكار(النقدي المعرفي) للمنهج والنظرية، والتحكم بمَن يتبناها كشكل من أشكال(عبودية النموذج).

ومع انهيار اليقين وظهور اللاتعين وانحلال مفهوم الجوهر بالتعددية وفق منطق التكاثر والتضاعف؛ أدركت بأن ليس ثمة منهج أُحادي يمتلك القدرة على الوصول الى الحقيقة، فالحقيقة وهم من الأوهام التي إنهارت بانهيار الميتافيزيقيا التي أطاحت بها الحداثة البعدية.

ومع ثورات الكوانتم النسبية والدينامية اللاخطية وعلوم الفوضى سقطت جميع المصادرات المناهجية كاليقين العلمي والحتمية التارخية، مما تحوّل العالم الى (كم) من الأحتمالات، حتى أصبحت الحقيقة متعدّدة، وخاصة بعد أن فقدت الحتمية الكلاسيكية خاصيتها التجريدية، وأيضاً توقفت على أن تكون كونية شاملة ً.

ثم توسعت أكثر عند مقاربة المنهج بسؤال ما بعد المنهج، فان كان المنهج طريقة ورؤية أحادية في المقاربة والاجراء، فـلقد إنتهت صلاحية المنهج بظهور التعددية النقدية المناهجية، وإن كان المنهج نتاج بيئة، واختلاف البيئة والمزاج الشخص لهما تأثير في صياغة المنهج والنظر فيه؛ فهل يمكن تبيئة المنهج وتوطين النظرية في حقل سوسيو ثقافي مغاير لموطنها الأصلي؟

اذن ما أهمية إنتاج النظرية النقدية؟ وكيف أفضى النقد العربي العابر للمناهج والثقافات الى النظرية النقدية العابرة للتخصصات؟ وما أهمية انتاج النظرية النقدية؟

قبل الاجابة. تشكل هذه الأسئلة مفاتيح أفتراضية للنظرية النقدية، لهذا نفهم النظرية النقدية على أساس معرفي، وأداة واصفة لعالم قابل للملاحظة والمعاينة بصيغة افتراضية شبه حقيقية. كما نفهم النظرية النقدية في ضوء النقد العربي، في انها مركب نقدي معرفي قائم على مجموعة من مفاهيم وأدوات وفرضيات في طور الممارسة الميتا – نقدية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram