قبل فترة قصيرة تناقلت وسائل الإعلام العربية الخبر الآتي: "ضاحي خلفان قائد شرطة دبي يعلن حربا على حركة الإخوان المسلمين ليس في منطقة الخليج فقط، وإنما في كل مكان يتواجدون فيه في العالم، لأنهم يشكلون بالنسبة له الخطر الأكبر الذي يهدد منطقة الخليج"، قائد الشرطة، لم يتعهد فقط بقتالهم لأنهم سبب الفتنة برأيه، بل توقع أن يكون الخليج بلا إخوان في غضون عامين، وعربيا خلال خمس سنوات. قرار دولة الإمارات القاضي قبل فترة قريبة بسحب جنسيات سبعة مواطنين، سبق اتهامهم بأعمال تهدد الأمن الوطني والارتباط بحركة الإخوان المسلمين هو الترجمة الأولى كما يبدو، للإعلان الحربي ذلك، مثلما هو بداية لتشريع قوانين يُعتقد أنها ستحد من انتشار الحركات الأصولية في منطقة الخليج.
للتذكير: الرئيس المصري السابق عبد الناصر مثلاً حارب في الستينيات الإخوان عن طريق إعدام قائدهم سيد قطب أو سجنهم، أو إرسالهم إلى الجزائر كمعلمين مستغلاً حملة التعريب التي بدأت بعد تحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي في بداية الستينيات (النتيجة عانت منها الجزائر، أجيال عديدة تربت تربى على أيدي أولئك المعلمين انتهوا لاحقاً إلى قيادة الحركات الأصولية هناك). حافظ الأسد والد الديكتاتور الحالي بشار الأسد قاتلهم بالدبابات. مجزرة مدينة حماة 1982، سجلت تاريخا. نتيجة الحربين معروفة اليوم: في مصر يحكم الآن الإخوان المسلمون ورئيس لهم لا بأس أن نطلق عليه محمد مرسي "مبارك"، لأنه فرعون جديد، أما في سوريا فحرب أهلية طاحنة يقود أحد أطرافها الإخوان.
ولأن الزمن اختلف، أو لأن دولة الإمارات دولة صغيرة، عدد الوافدين فيها أكبر من سكانها، فلا بد من استخدام وسائل أخرى تتماشى مع روح العصر، كما يعتقد المسؤولون هناك. أحكام السيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي مثل الانترنت والفيس بوك والتويتر وغيرها، مثلاً. المرسوم الصادر قبل أيام عن رئيس دولة الإمارات الشيخ خليفة واضح جداً: "السجن لكل من استعمل الشبكة المعلوماتية أو إحدى وسائل تقنية المعلومات بقصد السخرية او الإضرار بسمعة أو هيبة او مكانة الدولة أو أي من مؤسساتها او رئيسها او نائبه او حكام الإمارات او أولياء عهودهم او نواب الحكام او علم الدولة او السلام الوطني أو شعارها الوطني أو رموزها"، وكذلك "العقوبة بالسجن لكل من دعا أو حرض عن طريق الشبكة المعلوماتية أو إحدى وسائل تقنية المعلومات على عدم الانقياد الى القوانين والأنظمة المعمول بها في الدولة، والشيء نفسه لكل من استعمل الشبكة المعلوماتية في التخطيط او التنظيم او الترويج او الدعوة لمظاهرات او مسيرات بدون الترخيص من السلطة المختصة".
أمر مفهوم: فدول الخليج التي ظنت حتى فترة قريبة بأنها ستكون بمنجى من نسائم الربيع العربي، تعيش اليوم حركات مطلبية شعبية ومواجهات مع الشرطة والجيش، كما حدث في الكويت والبحرين والسعودية. وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة التي لعبت دوراً فعالاً في ثورات الشباب العربي أصبحت تشكل خطراً عليها لما تقوم به من فضح لانتهاكات حقوق الإنسان ومصادرة الحريات والفساد. لكن كيف يمكن التوازن بين الانفتاح على العالم، من استيراد كل وسائل التقنية الحديثة، إلى بناء دار للأوبرا، إنشاء متحف غوغينهايم ومشاريع ضخمة أخرى، كما في دبي، وبين الرقابة الصارمة هذه؟
إنها لمفارقة أن تشعر دول الخليج بخطر الإخوان المسلمين الذين ما كانوا أصبحوا بهذه القوة التنظيمية لولا دعمها المطلق لهم، مالياً ولوجستياً، منذ فترة الستينيات بوجه صعود الحركات اليسارية في المنطقة العربية، لكن المفارقة الأكثر فاضحة، هي أن دول الخليج هذه بالذات لم تمول وتدعم المعارضة السورية في حربها ضد بشار الأسد وحسب، بل اعترفت بها ممثلاً وحيداً للشعب السوري، رغم أن الإخوان المسلمين هم الروح التي تتنفس منها المعارضة هذه؟ أليس هذا كله نفاق؟