حازم مبيضين في أجواء دولية تتميز بعمق التحولات،التي تدفع الجميع للتمترس في مواجهة استحقاقات غير متوقعة،تأتي المفاوضات المباشرة بين الاسرائيليين والفلسطينيين،برعاية أميركية وتشجيع أردني مصري،وممانعة حماسية تجلت في عملية الخليل،
التي أسفرت عن أربعة قتلى إسرائيليين،لكنها لم تمنع انطلاق التفاوض في موعده،بحثاً عن سلام لايمكن أن يقوم ويستمر دون إنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة،والمتصلة والقابلة للحياة،وتراوح نظرة المعنيين بالمسألة بين التفاؤل والتشاؤم،فالمتشائمون يذكرون بتاريخ فاشل من التفاوض،والمتفائلون يؤكدون جدية واشنطن في التعاطي الايجابي مع هذا الملف الشائك والمقلق،ويشيرون إلى أن دعوة المعنيين مباشرة دون غيرهم،يعني أن واشنطن لاتريد بروتوكولاً احتفالياً، كما كان الأمر في أنابوليس،الذي استهدف أكثر تجميل صورة جورج بوش في أواخر أيام ولايته.تتباين الدوافع والأهداف بين المشاركين،فرئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يخشى الكثيرون أن يحاول افشال المفاوضات،يدرك أن المجتمع الدولي لن يرحمه،وهو يتمترس بفكرة يهودية الدولة لاسكات الاصوات الداخلية المعارضة،والرئيس الفلسطيني الذاهب بغطاء عربي يتعامل بواقعية معروفة عنه،أما فصائل الممانعة الفلسطينية،فأنها وجدت نفسها في موقف سلبي تدعو فيه الملك عبد الله والرئيس حسني مبارك للغياب عن مؤتمر،سيؤدي إلى نتائج مدمرة على صعيد القضية الوطنية الفلسطينية،حسب فهم هذه الفصائل،التي سعت حماس لتحريك مياهها الراكدة بعملية الخليل،لكنها لم تتمكن من قطف ولو ثمرة حامضة من هذه العملية،وكأن هذه الحركة تتحرك وفق المثل الشعبي " يالعيب يا خريب " وذلك يعني أن الاطراف المشاركة كافة غير قادرة ولا راغبة في رفض أي مشروع أميركي للتسوية.المنتظر أن تسفر مفاوضات واشنطن المباشرة،وما يستتبعها من لقاءات نصف شهرية بين عباس ونتنياهو،عن تطبيق خارطة الطريق التي تتبناها الرباعية الدولية بشكل من الأشكال،فلا إسرائيل سواء حكمها اليمين أو اليسار،ولا الفلسطينيون سواء انتسبوا لفتح أو كانوا حماسيين،ولا العرب أكانوا في معسكر الممانعة أم انتسبوا للاعتدال قادرون على التملص منها،خصوصاً بعد وصول المنطقة الى حافة الهاوية أكثر من مرة،وأن أي طرف رئيسي لم يعلن حتى اليوم رغبته في عرقلة المشروع الأمريكي،الذي يبدو وكأنه قدر لاقبل لأحد بمجابهته. كان المطلوب والضروري والوطني إنهاء حال الانقسام في الساحة الفلسطينية، لتقوية مواقف المفاوض الفلسطيني بدل بذل الجهود لإضعافه، في مواجهة الخصم الإسرائيلي،خدمة لاهداف حزبية ومصلحية ضيقة، وقد أدركت القاهرة ذلك وبذلت جهداً مضنياً أفشلته حماس في اللحظة الأخيرة،وكان مطلوباً وضرورياً لتعويض الضعف الناجم عن واقع الساحة الفلسطينية أن يذهب عباس إلى واشنطن بغطاء عربي اقتصر على الدعم المباشر من عمان والقاهرة،غير أنه كان ممكناً دعمه بشكل أعمق أثراً لو كان نابعاً من موقف جماعي ضاغط مصلحي على واشنطن،لتبني موقف منحاز للعدالة بقدر انحيازه للسلام. بعض الواهمين أو المتشائمين،أو أصحاب الأجندات المرتبطة إقليمياً،يشددون على أدوار الجماهير،ويبشرون برفض تلك الجماهير لنتائج محادثات واشنطن قبل أن تتضح معالمها،ويحاولون ومعهم أدوات محلية في الأردن،إشاعة أجواء الخوف والتشكيك،بأن الحلول المقبلة ستكون على حساب الأردن،وكأن الأردن لم يتأثر بالمشكلة الفلسطينية في كل المراحل التي مرت بها منذ بدايات القرن الماضي،ويحذرون بأن إسرائيل ستتحول إلى واقع طبيعي في المنطقة،وكأن علينا القبول بأن تظل الدولة العبرية واقعاً جبرياً ومعاديا لمحيطه إلى الأبد،رغم عدم امتلاكنا لأدوات مجابهة هذا الواقع.
خارج الحدود :مواجهة الواقع
نشر في: 3 سبتمبر, 2010: 07:44 م