TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: البحث عن البصرة اليوم

قناطر: البحث عن البصرة اليوم

نشر في: 16 مارس, 2024: 10:45 م

طالب عبد العزيز

نحن نكتب ولا أحدَ يقرأ، فأمرنا لم يعد يحظى بعناية أحدٍ، نحن في وادٍ والدولة في وادٍ آخر. قبل أيام استطاع أحدُهم دخول بيت أسرة آل باش اعيان العباسية، في البصرة القديمة، البيت الذي كان قبلة كبار الولاة والامراء والملوك القادمين من اسطنبول وبغداد،

والذي كان الطريق الى بابه يفرشُ بالسجاد الاحمر ويصطف الحراس باسلحتهم، وتقام الولائم الفاخرة داخل أبهائه وغرفاته، وتعقد المؤتمراتُ الكبيرة، وتتخذُ على مقاعده وطاولاته كبريات القرارات في السياسة واللغة والادب والتواريخ.. يستعصى دخوله اليوم، لا بسبب هجرة الأُسرَة الى الخارج، وتفرقهم في الامصار إنما لأنَّ أحداً ما لم يعد يوليه حقه في الرعاية والاهتمام.

منذ أكثر من نصف قرن والحديث يجري عنه، عشرات التوصيات الرسمية تحدثت عن وجوب العناية به، وكتبت عنه مئات المواد الصحفية والبحثية والمكان كما هو، تنتفخ جدرانه بسبب الرطوبة، وتتداعى سقوفه، وتحاصره العربات والاكشاك القذرة، ويطوق بابه أصحابُ البسطات ببضائعهم الوضيعة، وتطفح شبكة المجاري حوله. المكان الموصوف بالكنز المعرفي منذ خمسين سنة ويزيد يقارع خلوده بأهمال المسؤولين، الذين لم يأخذ أحدٌ بأيدي أعضاء منظمة اليونسكو اليه. المنظمة التي أعادت ترميم بعض البيوت التراثية في محلة نظران مدعوة الى ذلك.

من حقِّ المواطن أن ينعم بالخدمات والرعاية الصحية والتعليمية. .وو لكنْ من حقه ايضاً أن يرى معالم مدينته الاثرية تحظى برعاية المسؤولين فيها، كلنا يعلم بأنَّ أرباحاً خيالية تجنيها الشركات التي تعمل في الطرق والجسور وشبكات الصرف وغيرها، وهناك أرقام فلكية من الدولارات تتطاير في البنوك والمصارف، داخل وخارج العراق لكنْ أينها من حفظ الاثر والتراث والفلكلور؟ ولماذا لا يصار الى إلزام الشركات هذه بتخصيص نسبٍ، وإن كانت سنتات قليلة من أرباحها لترميم وإصلاح المباني تلك، التي تتداعى في الزمن.

ليست البصرة مدينة بواجهة واحدة، هي امتداد واسع بين الرمل والماء، وهي غابة النخل وبئر البترول، وهي تقلبات الانسان في التاريخ، ومنقلب الزمان في الانسان، من يريدها حاضرة عامرة عليه أنْ يبحث عنها أثراً وتاريخاً. هي المدينة الوحيدة التي لها من التشيع طوائف ثلاث، وفيها من طوائف السنة أربع، ولها نصيب مثل هذه وتلك في المسيحية، وغير ذلك من الصابئة والارمن والكرد والتركمان والفرس ومن هاجر اليها من أقطار الدنيا، وترك شيئاً من ثقافته فيها، أو أثّرَ في حياة ابنائها. على صعيدها قامت أماراتٌ وإمارات، وتأسست فرق، وملل، ونِحلٌ وجماعات وكلهم جدير بانتباهة الحكومة.

وهو يلتقي أحد وجهاء طائفة الارمن(خاجيك وارتانيان) يقول الباحث د. سعد سلوم: " تحتاج البصرة الى جيوش من المتطوعين والمبادرات الحكومية والمدنية لحماية "تراثاتها" المعرَّضة للزوال. وهذه كلمة باحث شغله الشاغل حديث الاقليات والمكونات الاجتماعية، هل نسينا داعية حقوق الانسان وحقوق ذوي البشرة السوداء، المناضل جلال ذياب، الذي اغتيل عام 2013 والذي لقب بمارتن لوثر كنك العراق؟ وماذا عن أبناء الطائفة البهائية التي يخشى ما ظل من أفرادها الاعلان عن انفسهم، وماذا عن الاقوام والطوائف والشخصيات التي دمغت ببصمتها تاريخ وروح المدينة، والتي لولاهم لما كانت البصرة على ماكانت عليه من سمعة مفارقة بين المدن.

كل حجارة تسقط من مبنى تراثي هي من مسؤولية الدولة، وكل مضطر من سكان الأقليات وسواهم الى الهجرة تتحمل الدولة وزر هجرته، وكل قرية وناحية تغير ديموغرافيتها وطبيعتها الجغرافية تدمير لهوية المدينة وكل صوت يعلو فوق صوت المواطنة إمعان في البحث عن ضغينة قادمة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

(المدى) تنشر نص قرارات مجلس الوزراء

لغياب البدلاء.. الحكم ينهي مباراة القاسم والكهرباء بعد 17 دقيقة من انطلاقها

العراق يعطل الدوام الرسمي يوم الخميس المقبل

البيئة: العراق يتحرك دولياً لتمويل مشاريع التصحر ومواجهة التغير المناخي

التخطيط: قبول 14 براءة اختراع خلال تشرين الثاني وفق معايير دولية

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

 علي حسين منذ أن اعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والطاولات الشيعية والسنية تعقد وتنفض ليس باعتبارها اجتماعات لوضع تصور للسنوات الاربعة القادمة تغير في واقع المواطن العراقي، وإنما تقام بوصفها اجتماعات مغلقة لتقاسم...
علي حسين

إيران في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة

د. فالح الحمـــراني تمثل استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، الصادرة في تشرين الثاني تحولاً جوهرياً عن السياسات السابقة لإدارتي ترامب وبايدن. فخلافاً للتركيز السابق على التنافس بين القوى العظمى، تتخذ الاستراتيجية الجديدة موقفاً أكثر...
د. فالح الحمراني

ماذا وراء الدعوة للشعوب الأوربية بالتأهب للحرب ؟!

د.كاظم المقدادي الحرب فعل عنفي بشري مُدان مهما كانت دوافعها، لأنها تجسد بالدرجة الأولى الخراب، والدمار،والقتل، والأعاقات البدنية، والترمل، والتيتم،والنزوح، وغيرها من الماَسي والفواجع. وتشمل الإدانة البادئ بالحرب والساعي لأدامة أمدها. وهذا ينطبق تماماً...
د. كاظم المقدادي

شرعية غائبة وتوازنات هشة.. قراءة نقدية في المشهد العراقي

محمد حسن الساعدي بعد إكتمال العملية الانتخابية الاخيرة والتي أجريت في الحادي عشر من الشهر الماضي والتي تكللت بمشاركة نوعية فاقت 56% واكتمال إعلان النتائج النهائية لها، بدأت مرحلة جديدة ويمكن القول انها حساسة...
محمد حسن الساعدي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram