ستار كاووش
كل وجهة نظر تسمعها، هي رسالة من نوع ما، وكل كلمة تُقال عن أعمالك وما تنجزه هي خطوة جديدة يمكن أن تستثمرها في إكمال الطريق الذي بنيته بجهدك الشخصي.
بكل الأحوال ليس هناك مجد أكبر من أن يُشيد بك الآخرون ويشيرون بإهتمام الى ما تقدمه وتقوم به. شخصياً أحاول دائماً أن يكون الجمال هو هدفي، وأسعى أن أُطَوِّرُ ذاتي لأكون نافعاً وناجحاً في نشر شيئاً من الجمال في هذا العالم المليء بالتناقضات. والجمال الذي أبغيه خالي من التعقيدات، وعادة ما يكون مرادفاً للانسان والحق والبساطة. وبحكم طبيعة عملي كرسام، تصلني أحياناً رسائل وتلويحات من مناطق مختلفة تشير بكرمٍ الى لوحاتي، وتتخلل هذه الرسائل الكثير من التفاصيل التي تبدو صغيرة في الظاهر، لكنها مع ذلك تضيء الروح بطريقة خاصة. وآخر هذه الالتفاتات هي مجموعة رسائل وصلتني من امرأة هولندية اسمها (كارين …) تعيش في مقاطعة ليمبورخ الجنوبية قرب الحدود البلجيكية، كتبتْ فيها عن أعمالي التي تراها جميلة وقريبة من قلبها، وأخبرتني بأنها تتابع ما أنشرهُ في مجلة أتيليه الهولندية، سواء عمودي الذي أكتبه أو المقالات التي أنشرها مصحوبة ببعض لوحاتي. ولم تكتفِ بذلك، بل ذكرت لي بأنها تقوم بإقتطاع صور لوحاتي التي تنشرها المجلة على صفحات كاملة أحياناً، وتقوم بتأطيرها وتعليقها في غرفة المعيشة! وكتبت لي رسائل طويلة حول أسلوبي والمواضيع التي أختارها ولون التركواز والنساء الحالمات وغير ذلك الكثير مما يتعلق بأعمالي. وفي إحدى رسائلها، قالت بأنها تدخل أحياناً على موقعي الالكتروني لتتأمل لوحاتي التي تراها منسجمة معها. وقد سألتني عن الكتب التي صدرت عن أعمالي، وأرادتْ الحصول على نسخة من كتابي (كاووش وعالمه الغامض) كهدية تُقدمها لنفسها بعيد ميلادها الذي سيصادف بعد أسبوع، وستقوم بدورها بإرسال حوالة بثمن الكتاب وأجور البريد، فأخبرتها انه من دواعي سروري أن أرسل لها طرداً فيه الكتاب وأنا سأتكفل بالبريد. وهكذا هيئتُ لها نسخة من الكتاب، مع بطاقة بريدية تحمل واحدة من لوحاتي، كتبت خلفها تحية وتهنئة بميلادها، ولم أكتفِ بذلك، بل أضفتُ داخل الطرد كتابي الآخر (نساء التركواز) وكتبت عليه بأنه هدية خاصة مني لعيد ميلادها). بعدها بيومين كتبتْ لي بفرح بأن الطرد قد وصلها، وستنتظر أن تفتحه بعد ثلاثة أيام بذات تاريخ عيد ميلادها، صحبة العائلة والأصدقاء. وفي مساء يوم ميلادها وصلتني منها رسالة جديدة تصف لي فيها إمتنانها وفرحها بهذه المفاجئة التي أسعدتها وأعجبتْ حتى ضيوف عيد ميلادها على حد قولها، وذكرت بأنها ستضع الكتابين على الطاولة التي تتوسط صالة البيت، لتتمتع دائماً برؤية اللوحات. هكذا استمرت رسائلها تصلني من جنوب هولندا الى شمالها حيث أعيش وأرسم، وقد ذكرت في إحدى الرسائل: كم هو رائع ان يجمع الجمال الناس ويقربهم من بعض. وأجبتها: بأن هذا ما أبغيه من الفن الذي أراه يغسلَ أرواح الناس وينير قلوبهم. واخبرتها بأن جلَّ ما يسعى إليه الفنان هو مشاركة الآخرين بما يقدمه ويراه جميلاً، وعلينا أن نتعلم من درس فنسنت فان خوخ العظيم الذي بحث طوال حياته القصيرة عن كلمة إعتراف واحدة بحق أعماله لكنه لم يجدها، ورحل ولم يعرف كيف إن أعماله صارت خالدة.
شخصياً، مرَّتْ عليَّ الكثير من اللحظات الجميلة، مثلما حصلت على نصيب من النجاح في عملي، لكن الحق أقول إن رسائل هذه المرأة جعلتني أفرح مثل صبي في مقتبل العمر. السعادة هي الوجه الآخر للفن، وهذا ما يجعل امرأة بعيدة لا تعرفها تنسجم مع لوحاتك بهذه الطريقة الجميلة بعد أن حركت بداخلها الكثير من المشاعر. إنه مثال للترابط بين الناس والجمال الذي يقدرونه ويسعون اليه. ومثلما تُباعد السياسة والحروب والعقائد بين الناس، فالفن والجمال هو الذي يقربهم حتى يبدون متشابهين، كما فعلت هذه المرأة التي تعيش في أقصى جنوب البلاد وهي تتواصل مع رسام مثلي يعيش في أقصى الشمال.