علي حسين
كان المرحوم سقراط يقول لكل من يراه في شوارع أثينا: الفضيلة معرفة، والخير عبادة.. ما هي أعلى مراتب الخير؟ يخبرنا سقراط أنها في احترام آراء الآخرين.
لا تحتاج الأخبار التي نسمعها كل يوم، إلى ذكاء لكي نكتشف أن العراقيين دفعوا ثمن غياب العدالة، والأهم أنهم دفعوا ثمن غياب التسامح، وإعلاء شأن البغضاء والتنافر ، وقد بدا ذلك واضحاً في الطريقة التي تعامل بها البعض من مسؤولينا مع كل ما لايعجبهم .
في كل يوم نجد من يخرج علينا ليحذرنا من النظر إلى شاشة التلفزيون هذه او تلك ، وينبهنا إلى ضرورة الابتعاد عن مواقع التواصل الاجتماعي ، ويذكرنا القضاء بأن قانون " المحتوى الهابط " سيلاحقنا إذا ما سولت لنا أنفسنا البحث عن الحقيقة والدعوة إلى إشاعة العدل والاطمئنان لجميع العراقيين، فالمسؤول يجب أن نضع له أسواراً عالية تحجب بينه وبين هذا الشعب الفضولي ، وأن نشرّع له قوانين تُحرّم توجيه أي نقد له، فهل يعقل أن مسؤولينا من طبقة البشر، يخطئون ويتعثرون؟.. لا ياسادة إنهم ملائكة مهمتهم إسعاد هذا الشعب.
اليوم نجد من يطالب باعتقال أي رأي مخالف ويحذر من وجود المشاغبين الذين يسعون إلى تهديد الحياة السعيدة التي تعيشها مدن العراق جميعاً ، وقرأنا سيلاً من البيانات والشتائم تطالب بتطهير العراق من كل الذين يوجهون النقد لأنهم خطر على مستقبل البلاد، وسعى بعضهم إلى إيهام الناس بأن المشكلة ليست في غياب الأمن ولا في أرتال الفاسدين الذين يعششون في معظم مؤسسات الدولة، ولا في غياب أبسط شروط العيش، وإنما في أعداء النجاح المتربصين للانقضاض على المكاسب التي تحققت خلال السنوات الماضية.
كان الفرنسي جان جاك روسو يردد أن الحقيقة لا يمكن أن تحتكرها طائفة من الناس ، وإنما هي حق مشاع للجميع . يرشدنا صاحب العقد الاجتماعي إلى أن الأمم لا تزدهر في ظل ساسة يعتقدون أنهم وحدهم يعرفون مصلحة البلاد.. فالازدهار والتنمية والعدالة لا مكان لها في ظل رجال يخططون من أجل الوصول إلى درجة من الإيمان بأنه لا خيار أمام الناس سواهم.. لأنهم وحدهم يملكون القوة والحزم، يخيفون الناس، عادلون في توزيع العطايا والمنح على مقربيهم، وعادلون أيضا في توزيع الظلم على الناس..
يكتب روسو عام 1778 وهو يخط الصفحات الأخيرة من الاعترافات: "الرأي المتسلط لا ينتج سوى الخواء والفوضى ".. فيما تكتب بغداد أن هناك من يريد ان يعاقب صحفيين وفنانيين لانه يختلف معهم في الرأي .
ما يجري من منع ومطاردة بعض المسلسلات والبرامج التلفزيونية بحجة إساءتها لبعض المكونات ، لن تكون الأولى ولا الأخيرة ، ما دام هناك من يعتقد أنه وحده من يمتلك الحقيقة .